| | Date: Mar 15, 2019 | Source: جريدة النهار اللبنانية | | هل بدأ التنافس الفعلي على سوريا بين موسكو وطهران؟ - سركيس نعوم | استقال محمد جواد ظريف من حكومة الرئيس الشيخ حسن روحاني لتجاهله من قبل القيادة العليا في بلاده إيران في أثناء الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد لها. ثم عاد عن استقالته بعدما طُيّب خاطره بدعوة الى زيارة دمشق واتصال هاتفي من نظيره في سوريا وليد المعلم. وأظهرت عودة الابتسامة أو بالأحرى الضحكة التي صارت من سمات ظريف في العالم كله إما أن استقالته كانت رد فعل عاطفي على ما حصل، تراجع عنها بعدما فتحت القيادة العليا طريق العودة عنها، وإمّا أنها كانت مناورة الهدف منها التذكير أنه موجود تلافياً لتكرار ما حصل معه.
وفي أي حال ليس ظريف موضوع "الموقف هذا النهار" اليوم بل بلاده في صورة عامة. وفي هذا المجال يلفت متابعون من قرب لمسيرة الجمهورية الاسلامية منذ نشوئها وربما متعاطفون معها، الى أن فيها "بلوكات" قوّة ثلاثة أحدها "الحرس الثوري" الموجود مباشرة وعلى نحو محسوس في العراق وسوريا ولبنان، ومداورة وإن على نحو محسوس في دول ومناطق عدة في العالم. والحاج قاسم سليماني قائد "فيلق القدس"، المعتبر الشخصية الأكثر أهمية في هذا "البلوك" ورمزاً وطنياً في نظر شعبه أو على الأقل مؤيّدي النظام الذي يخدم في ظله وينفّذ سياساته وربما يساهم في وضع استراتيجياته، كان لا بد أن يكون في اجتماعات الأسد كلها مع القيادات الايرانية العليا بدءاً من المرشد والولي الفقيه آية الله علي خامنئي. علماً أنه ربما هو من رتّب الزيارة وأعدّ لها. ولهذا السبب كانت الاستقالة الاحتجاجية لظريف في غير محلها أو متسرّعة، رغم أن روحاني رئيسه ورئيس البلاد التقى نظيره السوري، الأمر الذي أعطى صورة جيّدة عن تضامن "البلوكات" الثلاثة أي المعتدلون والمحافظون... و"الحرس". وهو مطلوب لمواجهة ضغوطات أميركا على إيران وعقوباتها وتهديداتها لها. كما أن القيادة العليا تشعر بالحاجة الماسّة اليه ولهذا السبب ستحافظ عليه، إلا إذا فرضت تطورات داخلية معيّنة (احتجاجات شعبية وتظاهرات بسبب ضيق اقتصادي وفساد متنوّع...) إقصاء المسؤولين عن ذلك أي السلطة التنفيذية. علماً أن القيادة العليا تعرف أو يفترض أن تعرف أن الفساد مسؤول مثل العقوبات، وربما قبلها، عن تردّي الأحوال المعيشية والاقتصادية والنقدية، وأن الفساد عابر لكل "البلوكات" منها والمشار اليها أعلاه، تماماً مثلما هو عابر في لبنان للطوائف والمذاهب والأديان والأحزاب والمسؤولين والمؤسسات...
في أي حال يعتبر المتابعون أنفسهم أن ما حصل في أثناء زيارة الأسد طهران أمر طبيعي بل ردّ فعل طبيعي. فـ"حزب الله" اللبناني الجنسية الإسلامي الايديولوجيا على الطريقة الايرانية كان عنده مسؤول مكلّف الارتباط مع سوريا. وكان يزور دمشق مرة كل أسبوعين أو ثلاثة فيلتقي وزير الخارجية وليد المعلم وربما شخصيات سياسية أخرى ويتشاور معه في قضايا عدة. أما بعد عام 2011 فقد تغيّرت الظروف والأوضاع. إذ قامت ثورة شعبية سلمية في سوريا تحوّلت مسلحة وصادرتها لاحقاً تنظيمات اسلامية متطرّفة حتى الإرهاب. وشارك "حزب الله" في مواجهتها وصار عنده في سوريا نحو عشرة آلاف مقاتل. وبطبيعة الحال أوقف ذلك شغل المكلّف رسمياً من "الحزب" التواصل دورياً مع المعلم وغيره في دمشق. ولم يعد يعرف إذا كان لا يزال موجوداً أو إذا تغيّر لكن وظيفته لا تزال موجودة. وما حصل في إيران مشابه لذلك الى حد ما.
فإيران سارعت الى مساعدة نظام الأسد عبر مقاتلي إبنها "حزب الله" وعبر مجموعات أمنية عسكرية غير كبيرة وميليشيات شيعية تنتمي الى العراق ودول اسلامية غير عربية. والمشرف على ذلك كله كان "الحرس الثوري" عموماً، وكان للحاج قاسم سليماني الدور الأبرز فيه ولا يزال باعتباره "قائدهم" الفعلي. فهل يجوز أن يغيب عن اجتماع قمة رأس النظام السوري وقائد النظام الايراني ومساعديه الكبار ومنهم روحاني؟ وهو الأول بينهما منذ اندلاع الثورة – الحرب الاقليمية والارهابية عام 2011؟ طبعاً أثارت هذه القمة تساؤلات بل أسئلة عدة أبرزها الآتي: هل بدأ البحث بين طهران ودمشق، بعد الانتصارات في معارك سوريا وفي انتظار الانتصار التام فيها وهذا ما يتوقعه بل يؤكده كبار إيران، في التهيئة لعلاقة بين الدولتين الحليفتين تشمل السياسة والاقتصاد وإعادة الإعمار والأمن والقوات المسلحة، والحرب مع إسرائيل والصراع مع أميركا ومع الدول الاقليمية وفي مقدمها العربية المعادية للجمهورية الاسلامية؟ هل بدأ التنافس بين إيران التي حمت الأسد ونظامه بواسطة مقاتلي "حزب الله" من عام 2015 وروسيا التي أنقذته بطلب إيراني حتى الآن قبل انهياره بأسبوعين، على حد قول مسؤولين فيها، حول النفوذ السياسي في سوريا وحول المكاسب الاقتصادية وغيرها فيها؟ وهل سيبقى الأسد يستخدم التنافس المذكور للمحافظة على حد أدنى من نظامه واستقلاله ونمط حياة الشعب السوري المختلف عن نمط حياة الايرانيين في ظل نظامهم الاسلامي؟ إذ تارة يعتمد على موسكو للتخلص من مطالب طهران وطوراً على طهران للتخلص من موسكو؟ وما هو أثر الاختلاف في الموقف من إسرائيل بين روسيا وإيران على علاقتهما العامة وخصوصاً على الساحتين الاقليمية والسورية؟ والى أي موقف منهما الأسد أقرب؟ وهل علاقة سوريا بإيران وعلاقتها بروسيا متماثلتان أو متشابهتان أم أن بينهما فروقات أساسية لا بد من التوقف عندها؟ هل "اضطر" الأسد الى زيارة إيران ام أُجبر على ذلك؟ وكيف نظر الروسي الى زيارته؟ | |
|