| | Date: Feb 20, 2019 | Source: جريدة النهار اللبنانية | | هنا "الدولة العميقة"! - نبيل بومنصف | لا نثير جديدا إن خشينا على "اعلان النيات" المبكر لوزيرة الداخلية ريا الحسن حيال الزواج المدني من غلواء مشجعيها اسوة بعتاة رافضي الزواج المدني من الهيئات الدينية. اذ ان الايام التي اعقبت إعلانها ذاك الموقف المتقدم رسمت ما اعتاده لبنان دوما في مثل هذه الملفات الاساسية التي تمسك بخناقها المراجع الدينية وتحول الطبقة السياسية اشبه برهائن لا تقوى الا على الطاعة والامتثال والا واجهت معارك داخلية في قلب بيئتها تعرضها لإضعاف وانكشاف.
تبعا لذلك لا موجب لممارسة لعبة الاختباء وراء موقف مبدئي أعلنته الوزيرة في مطالع إطلالاتها على مسألة اجتماعية شائكة بهذا الحجم كأنها تطلق اعلان نيات بالأحرف الاولى والضغط او التحريض لدفعها نحو مواجهة مبكرة مع مرجعيتها الدينية والمرجعيات الدينية الاخرى قاطبة لئلا تذهب الفرصة التي تحاول انعاشها سدى تحت وطأة قوة محسومة سلفا للمؤسسات الدينية في هذا البلد.
ولكن ما يعنينا أكثر في مراقبة ما جرى في هذه العاصفة الصغيرة هو قياس منسوب التمرد الاجتماعي والمدني في لبنان على المواقف الجامدة غير القابلة للنقاش لدى المرجعيات الدينية سواء في مسألة الزواج اًلمدني او في مسائل اجتماعية اخرى لا تقل عنها اهمية. والحال انه ينبغي التسليم اولا بان لبنان في القرن الـ21 من دون تشريع الزواج المدني هو أشبه بعار وطني ودستوري واجتماعي وحضاري بلا اي جدل.
وتبعا لذلك استوقفنا في جانب بارز من العاصفة التي اثيرت بفعل ردود الفعل المتصلبة لمرجعيات دينية ورجال دين ذهب بعضهم الى اهانة عشرات ألوف اللبنانيين من دون رفة جفن ان هامش التمرد والرفض لهذه المواقف الجامدة بدأ يتسع مبشرا ليس بامكان التأسيس لمعركة طويلة المدى تنتهي بتشريع الزواج المدني فحسب بل بان تشكل هذه الحالة احياء قويا للدفع بالاتجاهات العلمانية في البلاد التي سحقت سحقا هائلا في الفترات السابقة.
لا نمني النفس بأوهام تذهب نحو تحديث سياسي واجتماعي ينقل لبنان من جاهلية طائفية الى جنة علمانية خصوصا ان دون هذه الأحلام المخاوف الكبرى من تبديل جوهري في النظام من شأنه ايقاظ شياطين الكوابيس والتوازنات والاختلالات الطائفية والعددية والديموغرافية وما اليها من كوابيس معروفة النتائج الكارثية سلفا.
ولكن جل ما نرجوه، وما نتوهم في شأنه ربما، هو ان تكون هذه التجربة الصغيرة التي حصلت في الايام الاخيرة عينة تجرؤ لكل المؤمنين بالاتجاهات العلمانية والتحديثية للمضي ابعد وبلا اي تردد في رفع منسوب الحضور المدني المتحرر من الخوف والحسابات التقليدية وتجاوز كل الممنوعات والمحرمات ووسائل التخوين والتكفير وما اليها من انماط لا تقل عن الترهيب الاجتماعي المعمم. هي عينة متقدمة فعلا كأنها اصابت من الواقع اللبناني عصبا عليلا لان موقعه ليس في الواجهات السطحية للدولة والسلطة والمجتمع بل هو في الدولة العميقة حيث القرارات جاهزة لا تعرف التهوئة وتخرج معلبة وخشبية. والاهم الا تذهب جرعة نقاش أطلقت على مستوى هذا الملف البالغ الاهمية بجريرة توظيف عابر من هنا وتصلب ورفض من هناك بما يوجب على اصحاب الاتجاهات المدنية والعلمانية تصيد الفرصة وعدم تركها بين سنابك اللعبة التقليدية. | |
|