Date: Feb 12, 2019
Source: جريدة النهار اللبنانية
زاسبكين لا يرى دوراً للميليشيات الايرانية في سوريا...لا تغيير ديموغرافياً
موناليزا فريحة
في خضم توتر غير مسبوق يسود المناخ الدولي وتعقيدات متزايدة في العلاقة بين واشنطن وموسكو وصولاً أخيراً الى الانسحاب الاميركي من معاهدة الحد من الصواريخ النووية المتوسطة المدى، يبدو السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبكين متشائماً بمصير النزاعات في الشرق الأوسط، وهو لا يرى أفقاً لنهاية هذه المرحلة، وسط فسيفساء من المصالح والخلافات تعقّد التوصل الى نقاط مشتركة.

في جلسة مغلقة دعا اليها "مركز الدراسات الاستراتيجية" وشارك فيها صحافيون وأكاديميون ومسؤول من السفارة الاميركية، تحدث الديبلوماسي عن "ركائز الديبلوماسية الروسية في المنطقة"، مقارناً بين سياسة بلاده القائمة على "التواصل مع كل الاطراف بهدف تنقية الاجواء"، وسياسة واشنطن التي "اختارت طرفاً كصديق وآخر كعدو".

مع وصول الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى البيت الابيض، علقت آمال كبيرة على تحسن في العلاقات بين موسكو وواشنطن، لكن الواقع ناقض التوقعات. ويقول زاسبكين إن الخلافات بين واشنطن وموسكو تشمل كل شيء تقريباً، من الامن الاستراتيجي والسلاح والنزاعات الاقليمية الى تعريف الارهاب. ويتبادل الجانبان الاتهامات بالغطرسة الالكترونية والمسؤولية عنها، وتدور بينهما حرب إعلامية شرسة.

وتتصرف روسيا منذ سنوات على أن العالم يشهد مرحلة انتقالية من نظام القطب الواحد الى نظام تعددي، الا أن زاسبكين يعتبر أن ما يحصل حالياً هو فوضى، محذراً من أن ثمة خطراً على الشرعية الدولية.

وكان بديهياً أن ينسحب هذا التوتر بين الجانبين على إدارة النزاعات في المنطقة. فعلى رغم إقرار السفير الروسي بأن الوضع في سوريا خصوصاً بات أفضل من الماضي، فإنه يقول إن كل الخيارات لاتزال مفتوحة، فإما أن نجد الحلول على أساس القواسم المشتركة وإما ان نتجه الى تصعيدات جديدة أو نبقى في المماطلة واستمرار الاستنزاف للاطراف الاقليميين". وهو يعزو صعوبة التوصل الى نقاط مشتركة الى فسيفساء المصالح والخلافات في المنطقة.

وثمة اجماع عموماً على أن النزاع السوري حقق لموسكو أهدافاً كبيرة في سوريا، في مقدمها اتاحة موطئ قدم لها في المنطقة، وتحولها نداً لواشنطن على الساحة الدولية. الا أن زاسبكين يشير الى انتكاسات روسية أيضاً.

بالنسبة اليه، تشمل أساسات السياسة الروسية في الشرق الاوسط عموماً وسوريا تحديداً، " مناهضة الثورات وتأييد الحوارات الوطنية والاصلاحات الداخلية". وعنده أن الارهاب التكفيري هو أساس المشكلة في المنطقة.

وهو يبرر وقوف بلاده الى جانب فريق ضد آخر في سوريا، "انطلاقاً من واجب النظام الحاكم في الدفاع عن الدولة، وهو ما يعترف به العالم أجمع". الا أنه يرفض حصر دور روسيا في سوريا بالدفاع عن النظام، مؤكداً أن هدفها القضاء على الارهاب واعادة سيادة الدولة وتحسين الوضع الانساني وعودة النازحين واعادة الاعمار والتسوية السياسية. ولتحقيق ذلك، ركزت على المصالحات وإنشاء مناطق لخفض التصعيد، ملاحظاً أن هناك ايجابيات وسلبيات "والتصعيد الاخير في ادلب دليل على السلبيات".

ربط اعادة الاعمار بالانتقال السياسي

وتربط الولايات المتحدة وأوروبا المشاركة في اعادة اعمار سوريا وعودة النازحين بتحقيق الانتقال السياسي، الامر الذي رأى زاسبكين أنه يعرقل اعادة الوضع الى طبيعته في البلاد.

ومع الانسحاب الاميركي المرتقب من سوريا، يشدد السفير الروسي على ضرورة ايجاد قواسم مشتركة بين الاكراد والعرب وتبديد مخاوف تركيا في شمال سوريا وشمال شرقها، مع "أولوية إعادة السيادة الى السلطات السورية" وعدم استبعاد حصول تصادم بين الاطراف.

منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا، لم تتوقف التقارير عن تباينات بين موسكو وطهران، إلّا أن الديبلوماسي الروسي يقارب العلاقة من منظور آخر، قائلاً إن ثمة تعاوناً بين الجانبين، ولكن ثمة فروقات بين الدولتين من حيث التحالفات وغيرها "فهناك محور المقاومة ونحن لسنا فيه ولدينا علاقات مع اسرائيل".

ويرفض القول إن روسيا تراعي أمن اسرائيل، على رغم تصريحات عدة في هذا الشأن، وآخرها قول رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني حشمت بيشه إن ثمة تنسيقاً واضحاً بين موسكو وتل أبيب عند تنفيذ أي ضربة داخل الأراضي السورية. ويقول زاسبكين: "نريد تعميم الامن للجميع، بدرجة أولى لسوريا والجوار، بما في ذلك اسرائيل". وذكر بالدور التاريخي لروسيا في النزاع العربي- الاسرائيلي و"هو أمر يميزنا يختلف عن الاطراف الاخرين في الصراع السوري، لذلك عندما دخلنا سوريا عسكرياً كان هناك تواصل مع أميركا واسرائيل من أجل ضمان عدم حصول تصادم".

وعلى رغم المبادرة الروسية التي كثر الحديث عنها لاعادة النازحين السوريين، يرفض زاسبكين الحديث عن ضمانات لمنع النظام السوري من التنكيل بالعائدين. فعنده أن الضمانات كلمة جميلة، و"لكن طرح الامر كأنه فرض شرطي روسي على شرطي سوري غير وارد ويمس بالسيادة السورية".

ولا يملك السفير معلومات عن تغيير ديموغرافي في سوريا، لكنه ليس متأكداً مما إذا كان السوريون الذين تركوا منازلهم خلال الحرب الى أماكن أخرى سيتمكنون من العودة الى قراهم ومدنهم الاصلية.

ومن المسائل التي تحمّس لها الديبلوماسي الروسي في النقاش العودة العربية الى دمشق بكل أشكالها، قائلاً: "كلما كانت اعادة النظر في قرار الجامعة العربية أسرع، كان الامر أفضل". لكنه بلغت الى أنه إذا كانت الخلفية لهذه العودة ترحيل ايران "فهذا غير وارد، ولا علاقة بين الامرين".

من هذا المنطلق، سألت "النهار" زاسبكين عن مقاربته لمستقبل الوجود الايراني والميليشيات الايرانية في سوريا، فأجاب: "رسمياً، نقول إن هذا أمر سيادي، وعملياً لا أتصور أن لدينا دوراً في هذا الامر لأن كل هذه الاطراف حلفاء لنا، فلماذا علينا التحرك سلبياً في المعركة اساساً". ومع ذلك لا يتصوّر أن ثمة مجالاً للميليشيات في سوريا. ويضيف: "المقاومة في لبنان وجدت لاسباب معينة، وهذه الاسباب ليست متوافرة في سوريا. ايران مهتمة بنظام قوي في سوريا، فلماذا يكون هناك دور للميليشيات؟".

وهل تنعكس العقوبات الاميركية على "حزب الله"، على الاستقرار في لبنان. يجيب أن "أي قرار ضد جزء من مجتمع يؤدي الى زعزعة الاستقرار....حتى الان أعتقد أنه قد يؤدي الى مزيد من التلاحم. ولكن اذا استمر هذا الامر، لا نعرف تداعياته في المستقبل".