| | Date: Feb 5, 2019 | Source: جريدة النهار اللبنانية | | سوريا: نهاية حرب وبداية صراعات - ناصيف حتي | تراجعت قوة "الحروب" السورية على الارض، ولو انها قد تشهد تصعيداً مقيّداً في المكان والزمان هنا وهناك. وبدأ التغيير الأساسي الحاصل، ولو البطيء، في التنفيذ في قواعد اللعبة الجديدة، التي من أبرز مظاهرها القبول من الخصوم الدوليين والاقليميين للنظام في سوريا ان العملية السياسية، عبر آلية اللجنة الدستورية، سيشارك فيها النظام، وان الاشراف الفعلي على العملية سيكون من نصيب مجموعة سوتشي المكوّنة من روسيا وتركيا وايران.
استقرّت معادلة قوامها ان النظام لم يخسر الحرب ولكنه لم يربح السلام. سيشارك النظام في صنع السلام، ولكن ضمن أفضل سيناريو قد يتصوره في ما يتعلق بالسلام في المستقبل، لن يكون الوضع كما كان قائماً قبل عام 2011.
في سياق قواعد اللعبة الجديدة، دعا وزير الخارجية الفرنسي لاقامة اتصال وحوار بين "ثلاثي" سوتشي والمجموعة الخاصة بسوريا المكوّنة من دول عربية وغربية. نشهد اليوم تطبيعاً تدريجياً، وبسرعات مختلفة، عربي ودولي مع النظام في سوريا، وحديثاً جدياً عن عودة سوريا الى جامعة الدول العربية وتوقيت هذه العودة كأن تحصل قبل القمة العربية في تونس أو خلالها.
في ظل هذه التحولات الحاصلة نرى صراعات عسكرية وسياسية حول سوريا:
1. صراع اسرائيلي ايراني: من أبرز مظاهره ازدياد كثافة وحجم الهجوم الاسرائيلي الجوي على القواعد الايرانية وحلفاء ايران في سوريا بهدف منع تعزيز هذا الوجود العسكري الايراني والحليف لايران في سوريا وتحت عنوان اسرائيلي تدعمه واشنطن، هو عدم تحول سوريا الى "لبنان آخر". مخاطر هذا الصراع انه قد يمتّد الى لبنان بشكل أو بآخر في اطار تصعيد المواجهة بين الطرفين. من الوهم التفكير انه يمكن اخراج ايران كلياً من سوريا عبر العمل العسكري، الذي يبقى رسالة في كل الاتجاهات للتفاوض اللاحق ضمن صيغ مختلفة حول حجم الوجود الايراني في سوريا الغد. وكل خصوم ايران وأعدائها يتفقون في ان تقييد وتحجيم النفوذ الايراني في سوريا يمر عبر البوابة الروسية.
2. توتّر ايراني روسي لم يعد مخفيّا". واذا "سكت" الايرانيون عن التفاهم الروسي الاسرائيلي في ما يتعلق بجنوب غرب سوريا، وتحديداً في الجولان، بغية اعادة الوضع الى ما كان قبل عام 2011. لكن الغضب الايراني انفجر مع الصمت الروسي تجاه الهجمات الاسرائيلية وعدم ردّ روسيا عليها بشكل أو في سوريا.
لم يسكت الروسي عن هذا الامر، انما وجّه الروس رسالة الى ايران عبر نائب وزير الخارجية قوامها ان "روسيا ليست حليفة لايران في ما يتعلق بوجودها في سوريا وان أمن اسرائيل إحدى أهم الاولويات الروسية". انها بداية انكشاف الاختلاف في الاهداف مستقبلا" بين "الحليفين" الروسي والايراني في سوريا: حليفين في الدفاع عن النظام.
3. استياء روسي من تركيا في ما يتعلق بعدم احترام الاخيرة للتفاهم حول ادلب، وقلق من تصريحات تركيا عن هدف الامساك بشرق الفرات تحت عنوان محاربة "الارهاب" الكردي محاولة اقامة وتعزيز منطقة نفوذ تركي في شمال سوريا وشرقها. وهنالك اجتماع تنسيقي تركي روسي بغية حلّ الخلافات حول ادلب.
4. قلق واستياء عربي خاصة من طرف "الرباعي" العربي من محاولة تركيا تحت عنوان اقامة منطقة آمنة في شمال سوريا، عبر احياء اتفاق أضنة لعام 1998 بين تركيا وسوريا، العمل على "تتريك" أمني وسياسي مفتوح على مجالات أخرى لمنطقة الشمال السوري. روسيا تريد من خلال الدعوة الى تفعيل هذا الاتفاق تشجيع تطبيع العلاقات السورية التركية، فيما تشجّع الاكراد على الحوار مع النظام في دمشق.
5. ازدياد حدّة الصراع الغربي العربي مع ايران عشية انعقاد مؤتمر فرصوفيا تحت عنوان مواجهة ايران والمسرح الاساسي لهذه المواجهة يبقى سوريا، فيما تدعو مجموعة دول سوتشي الى اجتماع لها في الوقت ذاته لاطلاق المسار التفاوضي في سوريا.
رسائل متبادلة وتقاطع وصراع مصالح: انها حروب تقاسم قالب الحلوى السوري مستقبلاً. هي لعبة الامم التي دفع ويدفع السوريّون ثمنها: ثمن لعنة الجغرافيا السياسية التي كرّسها الموقع الاستراتيجي الجذّاب لبلدهم. | |
|