| | Date: Feb 2, 2019 | Source: جريدة النهار اللبنانية | | "في غاية الخطورة"... فريق ترامب يتعلّم الدرس القاسي حول سوريا - جورج عيسى | لا ينحصر هذا الأمر في سوريا. عندما اختار الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب وزراءه ومستشاريه، فإنّه كما أيّ رئيس آخر، توقّع أن يساعده هؤلاء على تطبيق أفكاره في السياستين الداخليّة والخارجيّة لا أن يعملوا على الالتفاف حولها أو يقنعوه بتغييرها. اليوم، يتخطّى صدى الخلافات بين الطرفين أروقة البيت الأبيض لتصل ارتداداته إلى مناطق كثيرة حول العالم تتأثّر بصناعة القرار في واشنطن.
من سوريا إلى إيران فافغانستان، كمجرّد أمثلة، برزت صدامات كثيرة بين ترامب الذي قال خلال حملته إنّه يثق بحدسه الخاص وبين مستشاريه الذين يحاولون دفعه باتّجاه المسار التقليديّ للسياسة الخارجيّة الأميركيّة. لكنّ فشل هؤلاء في إقناع ترامب بتبنّي نهج جديد لم يأتِ من فراغ، ولا كان خارج دائرة التوقّعات، على قلّتها.
تحذير.. الأمر في "غاية الخطورة"
في نيسان الماضي، استبق مدير برنامج الشرق الأوسط في "معهد أبحاث السياسة الخارجيّة" آرون شتاين المحاولات التي كان يجريها المقرّبون من ترامب لإقناعه بتعديل وجهة نظره، فحذّر من الاستمرار في هذه المحاولات. لمقاله ضمن موقع "وور أون ذا روكس"، اختار شتاين العنوان التالي: "‘الراشدون في الغرفة‘ يحتاجون لأخذ ترامب بجدّيّة حول سوريا".
استهلّ شتاين عرض تحليله كاتباً: "إنّه في غاية الخطورة أن يتمّ التعامل مع أقوى شخص في العالم كطفل، وأن يتمّ افتراض أنّ مثَلَ ‘الراشدين في الغرفة‘ يمكنه صناعة سياسة كريهة بالنسبة إلى الرغبات والوعود العلنيّة لرئيس الولايات المتّحدة. وبالرغم من هذا، على مدى السنة الماضية، نفّذ فريق الرئيس دونالد ترامب استراتيجيّة تفعل ذلك وحسب".
جاء هذا المقال قبل أيّام قليلة على شنّ الولايات المتّحدة وفرنسا وبريطانيا هجمات ضدّ مواقع عسكريّة وبحثيّة سوريّة ردّاً على استخدام السلاح الكيميائيّ في دوما. كان ترامب يصعّد خطابه ضدّ الرئيس السوريّ بشّار #الأسد وداعمتيه الأساسيّتين روسيا وإيران. بدا الرئيس الأميركيّ مصممّاً على حماية "خطّه الأحمر" وإثبات أنّه مغاير لسلفه. حملت ضربتا نيسان 2017 و 2018 انطباعاً أنّ ترامب يتخلّى عن "حدسه الانعزاليّ". لكن تبيّن خطأ هذا الانطباع لاحقاً. من جهة ثانية، ليّن ترامب موقفه بتنفيذ هجوم موسّع في سوريا بعدما ألحّ عليه البنتاغون و "أحد الراشدين في الغرفة" آنذاك، وزير الدفاع السابق جايمس ماتيس كي يحجّم ضربته.
توقّع صائب بشكل صارخ
في وقت كانت معظم الترجيحات تصبّ في اتّجاه أنّ ترامب يغيّر رأيه حول سوريا، بل في وقت استمرّت فيه هذه الترجيحات حتى تشرين الثاني من السنة الماضية، حمل تعليق شتاين توقّعاً صائباً بشكل صارخ منذ نيسان 2018:
"ترامب ليس طفلاً، لقد جعل تفضيلاته لسياسة الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط واضحة. حان الوقت كي يستمع إليه فريق الأمن القوميّ التابع له ويستنبط سياسة تقليص تسلسلية (للجنود الأميركيّين) تناسب روحيّة مطالب الرئيس، لكنّها تتّخذ خطوات متعمّدة وغير مريحة لحماية مصالح الولايات المتّحدة. ما لم يتوقّف فريق الأمن القوميّ عن تقديم خيارات ثنائيّة للرئيس، وعوضاً عن ذلك، يضع سلسلة من الخيارات الوسطى التي تأخذ وجهات نظره بالحسبان، فإنّ الولايات المتّحدة تخاطر بانسحاب فوضوي، متسرّع. إذا وصلت الأمور إلى نقطة لم يعد بإمكان التناقضات أن تستمرّ، قد يأمر الرئيس مستشاريه أن يفعلوا ما يقوله، لأنّه في نهاية المطاف، الرئيس دونالد ترامب أقوى رجل في العالم".
بالفعل، ما حصل في كانون الأوّل الماضي، حين طلب ترامب من مستشاره لشؤون الأمن القوميّ جون بولتون "المصدوم" التنسيق مع الأتراك لسحب الجنود من سوريا، يطابق ما جاء في توقّع الباحث. وكذلك الأمر بالنسبة إلى التسرّع في الانسحاب. خلال زيارته إلى قاعدة أميركيّة في العراق أواخر كانون الأوّل الماضي، تحدّث ترامب عن عدد المرّات التي قبل فيها بتمديد فترة بقاء قوّاته في سوريا نزولاً عند رغبة المقرّبين منه. ووصف كيف أعطى "الجنرالات" العديد من فترات تمديد بلغت الواحدة منها ستّة أشهر، مضيفاً: "قالوا مجدّداً، مؤخّراً، هل يمكننا الحصول على المزيد من الوقت؟ قلت ‘لا. لا يمكنكم الحصول على المزيد من الوقت‘".
الراشدون خرجوا أو أخرِجوا من الغرفة
حتى بعد اتّخاذ ترامب قراره النهائيّ بشأن الانسحاب، حاول جمهوريّون مثل السيناتور ليندسي غراهام إدخال أهداف أخرى كي يتمّ تحقيقها بموازاة الخطوة الأميركيّة المتوقّعة. لكنّ هذا قد يشبه إدخال مسؤولين سابقين أهدافاً إضافيّة مرتبطة بالوجود الأميركيّ في سوريا أبعد من مجرّد القضاء على داعش، كالتأكيد على التوصّل إلى حلّ سياسيّ وإخراج الإيرانيّين منها. بهذا المعنى، لا تزال محاولات المقرّبين من ترامب تتقاطع عند تضمين قراراته، أكانت بالإبقاء على قوّاته أم بسحبها من سوريا، ما يعاكس نواياه الحقيقيّة التي عبّر عنها عند إصداره تلك القرارات. على أيّ حال، وبغضّ النظر عمّا يحاوله هؤلاء حاليّاً، يبدو أنّهم في وضع محاولة تقليص الفوضى الناجمة عن هذا القرار لا في وضع إلغائه بشكل تامّ. من هنا، وبالعودة إلى تحليل شتاين، لقد وقع فريق ترامب في المحظور عندما أوصل واشنطن إلى "الانسحاب الفوضويّ" الذي حذّر منه.
مرّ شتاين سريعاً على مشكلة أخرى عند ترامب تعقّد أكثر صناعة القرار: تعيينه لمسؤولين لا يشاطرونه التوجّهات الخارجيّة نفسها. تستحقّ هذه النقطة التوقّف عندها مليّاً اليوم. فغالبيّة الذين عيّنهم احتفظت فعلاً برؤية أميركيّة تقليديّة للسياسة الخارجيّة. لذلك، يمكن أن يكون ترامب حاليّاً قد تعلّم درس عدم الركون إلى مبدأ أنّ المسؤولين الذين سيعيّنهم سينفّذون قراراته من دون تردّد أو مماطلة أو ربّما عرقلة في بعض الحالات. وقد يكون عدم استعجاله تعيين وزير للدفاع مندرجاً في هذا الإطار.
ما هو اضح إلى الآن، أنّ حلف "الراشدين في الغرفة" قد تفكّك بعدما خرج أو أخرِج هؤلاء واحداً تلو الآخر من "الغرفة" التي أدخلهم إليها ترامب. وللتذكير، لا يتعلّق الأمر بسوريا فقط. فريكس تيليرسون طُرد بسبب معارضته خروج واشنطن من الاتّفاق النوويّ، وماتيس أيضاً كان معارضاً لهذه الخطوة. حتى المسؤولون الذين لا يصفهم الإعلام ب "الراشدين" يضطرّون للتكيّف مع الواقع الذي أفرزه الصدام بين الرئيس وبعض المقرّبين منه خلال السنتين الماضيتين. وليس للسنتين المتبقّيتين إلّا أن تنفيا أو على الأرجح تؤكّدا تمتّع ترامب بالكلمة الفصل في أيّ قرار خارجيّ. أمّا مدى إسناد قراره إلى رؤية خارجيّة متناسقة فمبحث آخر. | |
|