| | Date: Jan 30, 2019 | Source: جريدة الحياة | | «صوفا»: الغاء عراقي أم اعادة توصيف؟ - مشرق عباس | المطالبات التي تتصاعد اخيراً في العراق بالغاء الاتفاق الامني بين العراق والولايات المتحدة (صوفا)، الذي دعم بتفاهم امني شامل ودائم في القسم الثالث من اتفاق الاطار الاستراتيجي الموقع عام 2008، تتخذ منحى سياسياً هذه الايام، وبدا لافتاً ان القوى الأكثر قرباً من ايران والتي طالبت بالتزامن مع زيارة ترامب المثيرة للجدل الى العراق، بالغاء الاتفاق، قد تراجعت خطوة لصالح تصدر التيار الصدري الممثل في البرلمان بكتلة «سائرون».
في العموم لم يتم طوال السنوات الماضية اجراء بحوث تفصيلية حول الاتفاق المذكور، ولا تقويم تطبيقاته العملية، وزاد الغموض بشأنه مع توزيع تفاصيله على اتفاق الانسحاب الاميركي من العراق الذي تم في 2011، وشمل نصوصاً الزمت واشنطن بالدفاع عن العراق في حال تعرضه الى تهديدات بطلب من الحكومة العراقية، والقسم الثالث من اتفاق الاطار الاستراتيجي الذي سمح بوجود قوات اميركية لاغراض التدريب والتأهيل والتسليح.
اسئلة عديدة طرحت منذ ذلك الحين حول نتائج التدريب الاميركي للقوات العراقية، وشروط التسليح للجيش، ومصير الاسلحة الاميركية، وامكانية التعامل مع دول اخرى للتسليح من دون ان تتضارب مع منظومة الاسلحة الاميركية، والقواعد العسكرية التي استمر الاميركيون في شغلها، حسم بعضها عام 2014 بتدخل القوات الاميركية المباشر في الحرب على «داعش» وتأسيس ما يعرف اليوم بـ «قيادة العمليات المشتركة» التي تشرف بشكل تفصيلي على كل العمليات ضد التنظيم، وتحول دورها بعد تحرير الموصل الى الحدود العراقية السورية، بل ونفذت عمليات قصف في الداخل السوري ضد معاقل «داعش».
وبالطبع اصر الاميركيون على ان الوجود العسكري لهم في عدد من القواعد خصوصاً في الانبار وصلاح الدين مقتصر على مهمات التدريب والتخطيط والمساعدة، حسب نصوص اتفاق الاطار الاستراتيجي، ولم يتم الحديث الا في حالات نادرة عن تحرك عسكري اميركي منفرد بمعزل عن القوات العراقية.
الغطاء الذي وفرته «قيادة العمليات المشتركة» كان مثالياً حتى بالنسبة للحكومة العراقية، التي كانت ومازالت تواجه ضغوطاً ايرانية مباشرة واتهامات حول توفيرها مبررات للوجود العسكري الاميركي، وبيئة الانتخابات الاخيرة ونتائجها مهدت بدورها ارضية لهذه الضغوط التي لم تعد تتعلق بمخاوف ايرانية من استخدام القواعد الاميركية لضرب ايران، بل تخص الوضع السوري ودلالات اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب الانسحاب من سورية، والموقف الاستراتيجي الايراني من مجمل الصراع في المنطقة.
زيارة ترامب الاخيرة الى قاعدة عسكرية اميركية في العراق، التي تمت في ظروف غير طبيعية، وصاحبتها تصريحات وصفت بانها «غير مدروسة» مثل التصريح بـ «بقاء القوات الاميركية في العراق»، مثلت احراجاً كبيراً للحكومة العراقية وفي الاقل القوى السياسية التي تطالب بتحقق التوازن في علاقات العراق مع واشنطن وطهران وعمقه العربي ومحيطه الاقليمي والدولي، وفسرت احياناً بان ترامب لم يقرأ جيداً بنود اتفاق الاطار الاستراتيجي واتفاق الانسحاب، ولم يتمعن طويلاً في الاليات التي قادت الى توقيعه من قبل الرئيس الاسبق جورج بوش. يمكن وصف الحديث عن امكانية الغاء الاتفاق العراقي الاميركي اليوم عبر قرار برلماني، بانه حديث سياسي بامتياز لم تسبقه استشارات عسكرية مهنية دقيقة، بصرف النظر عن استخدامه شعارات السيادة الوطنية، فالعراق مازال حسب تصريحات كبار قادته العسكريين يحتاج الى مساعدة «التحالف الدولي» لحماية امنه الهش، لكن تعاطي واشنطن مع الاتفاق يجب ان يرتبط ايضاً باعادة توصيف لطبيعة نصوصه وتوقيتاته الزمنية وآليات عمله، وهذا مايمكن ان يحصل فعلاً في مفاوضات صريحة تعيد تعريف وتدقيق الاتفاق بما يغلق نقاط الجدل فيه.
ان القياس الدقيق للمصالح العراقية العليا، لايجب ان يكون منفصلاً عن مخاطر الصراع في المنطقة وتداعياته، وتوقيتات طرح قضية مفصلية كموضوع الاتفاق الاستراتيجي مع الولايات المتحدة لايجب ان يكون مقترناً بمتغيرات وصراعات سياسية داخلية، وبالطبع يجب ان لايقترن باعتبارات طرف اقليمي، كما لايمكن ان يترك لاجتهادات وانفعالات مهما كانت حسنة النية، بل يجب ان يخضع اولاً لمقياس ستراتيجي شامل، بما يضمن حلولاً آمنة، نفترض انها اليوم تتعلق باعادة توصيف الاتفاق وازالة اللبس من نصوصه الامنية، في مقابل تفعيل النقاط المعطلة فيه في المجالات الاقتصادية والسياسية واعادة الاعمار. | |
|