Date: Jan 13, 2019
Source: جريدة النهار اللبنانية
كيف قد تؤثّر أحداث إدلب على أهداف أنقرة في شمال شرق سوريا؟
جورج عيسى 
عادت محافظة #إدلب إلى الواجهة من جديد مع الاشتباكات العسكريّة التي دارت بين "هيئة تحرير الشام" وفصائل من "الجبهة الوطنيّة للتحرير" المدعومة من #تركيا. وبسبب التقدّم الميداني الذي أحرزته "الهيئة"، أصبح اتّفاق سوتشي الذي توصّلت إليه #أنقرة و #موسكو أيلول الماضي معرّضاً لاهتزاز كبير. 

بعد تسعة أيّام على المعارك، توصّل الطرفان يوم الخميس الماضي إلى اتّفاق يقضي بوقف إطلاق النار في المحافظة ومحيطها و "بتبعيّة جميع المناطق" ل "حكومة الإنقاذ" الموالية ل "الهيئة". نتيجة للاتّفاق، من المتوقّع انسحاب مئات المقاتلين من "الجبهة" غالبيّتهم من حركة "أحرار الشام" باتّجاه مناطق عمليّتي #غصن_الزيتون و #درع_الفرات بحسب "المرصد السوريّ لحقوق الإنسان". يأتي ذلك بعد أن طردت الهيئة أيضاً أكثر من 500 مقاتل من حركة نور الدين الزنكي إلى تلك المناطق.

كان من الطبيعيّ أن تستقطب تلك الأحداث تعليقات من الدولتين المعنيّتين مباشرة بتطبيق اتّفاق #سوتشي. صرّحت الناطقة باسم وزارة الخارجيّة الروسيّة ماريا زاخاروفا أنّ موسكو ترى إنشاء منطقة نزع السلاح في سوريا ذا طابع موقّت معربة عن رفض بلادها "تحويل منطقة خفض التصعيد في إدلب ملجأ لآلاف الإرهابيّين من جبهة النصرة".

تصريح تركيّ غامضة

بحسب صحيفة "حرييت"، قال وزير الخارجيّة التركيّ مولود جاويش أوغلو خلال مقابلة إعلاميّة يوم الخميس: "نتّخذ جميع الإجراءات الضروريّة لإيقاف هذه الهجمات (التي تشنّها) مجموعات إرهابيّة. اتّخذ مسؤولونا الخطوات الضروريّة لوقف النزاعات المسلّحة في إدلب". لكنّ التعليق الأهمّ لأوغلو جاء ردّاً على سؤال حول ما إذا كان يمكن ل #روسيا و #تركيا أن تشنّا عمليّة مشتركة ضدّ الجماعات الجهاديّة: "نتحدّث عمّا يمكن أن نفعله ضدّ المنظّمات الإرهابيّة، خصوصاً في إدلب، مع الجميع وليس فقط مع روسيا. إذا كان هنالك حاجة لذلك، يمكن لهذه (الإجراءات) أن يتمّ اتّخاذها".

لم يذكر التقرير ما إذا كان أوغلو قد أشار إلى المعاناة الإنسانيّة التي يمكن أن تنتج عن عمليّة عسكريّة ضدّ إدلب، وهو خطاب كان يركّز عليه سابقاً المسؤولون الأتراك حين كانت طبول الحرب على المحافظة تقرع بقوّة. الملاحَظ في جواب أوغلو أنّه لم يكن هنالك رفض مطلق للعمليّة العسكريّة على إدلب، ولا رفض مطلق للشراكة بين أنقرة وموسكو في الهجوم المفترض.

ذكر أوغلو أنّ التعاون بين تركيا وروسيا في مكافحة الإرهاب جيّد كما هي الحال مع دول أخرى مضيفاً أنّ كلتا الدولتين راضية على تطبيق اتّفاق إدلب بالرغم من وجود بعض التأخيرات. وفي ما يشبه اعترافاً ضمنيّاً بصعوبات تواجهها تركيا في عمليّة التطبيق قال: "ليس سهلاً التعامل مع جميع هذه التأخيرات بوجود مجموعات راديكاليّة". قد يتطلّب غموض المرحلة الراهنة غموضاً في الأجوبة كتلك التي قدّمها وزير الخارجيّة التركيّ. لكنّ ذلك قد يؤشّر فعلاً إلى عدم استبعاد وجود اتّفاق جديد بين الطرفين في المستقبل حول مصير منطقة خفض التصعيد.

سيناريو غير مستبعد

انخرطت تركيا في مفاوضات ديبلوماسيّة مع روسيا من أجل السماح لها بالتخلّص من وحدات حماية الشعب الكرديّة في #منبج وشرق #الفرات. لكنّها لم تحصل على جواب نهائيّ من الروس الذين أبدوا انفتاحاً أيضاً على المقاتلين الأكراد. وهذا يعني أنّه لحصول أنقرة على الضوء الأخضر الروسيّ للدخول إلى شمال شرق سوريا، بعد الانسحاب الأميركيّ المتوقّع، عليها أن تقدّم تنازلاً كبيراً لانتزاع هذه الموافقة. فهل يكون هذا التنازل متمحوراً حول إنهاء مفاعيل سوتشي وتسليم المحافظة إلى دمشق؟

السيناريو نفسه ليس مستبعداً. لكن أن يحصل الأخير وفقاً لتسوية عادلة بين الطرفين دونه صعوبات بحسب بعض المحلّلين. جيسي ماركس، باحث في "مركز ستيمسون" وهو مؤسّسة رأي أميركيّة مقرّها واشنطن، يرى أنّ تركيز تركيا العسكريّ ليس منصبّاً على إدلب. ويشرح ل "النهار" الموقف التركيّ الحاليّ: "لا يبدو محتملاً أن تقوم تركيا بتحويل موارد مكثّفة أو أفراد عسكريّين من شمال شرق سوريا لشنّ أيّ عمليّة مكافحة إرهاب ذات معنى في إدلب. أكانت بطريقة عمديّة أم لا، فشلت تركيا من جهتها في (تطبيق) اتفاق سوتشي في إدلب – إزالة المجموعات الإرهابيّة من منطقة إدلب المنزوعة السلاح".

توجّه محتمل ... لكن شائك

سينعكس الفشل على قدرة الأتراك في أيّ مفاوضات مقبلة بحسب ماركس: "هذا يحدّ من نفوذهم في المفاوضات مع روسيا حول مصير إدلب. يمكن روسيا وسوريا أن تطلقا هجوماً ضدّ هيئة تحرير الشام في الأسابيع المقبلة وتفرضا ضغطاً على تركيا للانسحاب من مواقعها في إدلب". ويتابع الباحث نفسه بطرح السؤال الاستنتاجيّ التالي: "من هنا، بدون نفوذ في إدلب، ما الذي تملكه تركيا لتقايضه؟" يجيب ماركس على سؤاله بالإشارة إلى أنّ "إخفاق تركيا يضع روسيا في موقع متقدّم في إدلب والشمال الشرقيّ معاً" مضيفاً أنّ المنطقتين "مترابطتان".

وفقاً لهذا التحليل، يصبح الوضع أمام تركيا بالغ التعقيد ويمكن عندها أن تتحوّل مغادرة الأميركيّين سوريا إلى نقمة فعليّة لأنقرة. يختم ماركس تحليله مشيراً إلى أنّه "إذا انسحبت الولايات المتّحدة، يمكن روسيا وسوريا عقد اتّفاق مع الأكراد، منع اجتياح تركيّ، التقدّم إلى الشمال الشرقيّ والبدء بعمليّة للسيطرة على الطرقات السريعة البارزة في إدلب".

إنّ تحقّق هذا الاحتمال لا يعني فقط أنّ تركيا تعرّضت لخسارة قاسية في إدلب وشمال شرق سوريا مع تقلّص كبير لنفوذها الذي عملت طويلاً على ترسيخه هناك. فالوصول إلى هذا السيناريو لن يتمّ إلّا إذا أرادت موسكو عمليّاً التخلّي عن حلفها الإقليميّ مع أنقرة. فهل يريد الروس اتّخاذ خطوة كهذه وسط الضبابيّة المحيطة بالانسحاب الأميركيّ؟ وإن رغبوا حقّاً بذلك، فهل هم قادرون على تحمّل تبعاتها التي قد تتخطّى الميدان السوريّ لتطال جوانب أخرى في العلاقة الثنائيّة؟