| | Date: Jan 12, 2019 | Source: جريدة النهار اللبنانية | | السعوديّة الجديدة: تقوية الوطنيّة وتقييد محدود للإسلام المُتشدّد؟ - سركيس نعوم | يُتابع الباحث نفسه المطّلع على تقارير مراكز أبحاث أميركيّة مُهمّة، تناولت المملكة العربيّة السعوديّة أوضاعاً وتطوّرات وسياسات إقليميّة ودوليّة وتحالفات بين الـ 2017 - 2018 والـ 2019، الحديث عن "تحالف البحر الأحمر" الذي أعلنته أخيراً فيصفه بالغامص على الأقل حتّى الآن. لكنّه يُشير إلى أنّها تُقدِّر عالياً القيمة الاستراتيجيّة لجهات أو تكتّلات من هذا النوع. وقد كان إعلانه اعترافاً بالإدراك الواضح للرياض للتنافس العميق القائم بين الصين وروسيا والولايات المتّحدة ودول عدّة أخرى إقليميّة منها تركيا وإيران في منطقة مُهمّة استراتيجيّاً مثل البحر الأحمر. وفي الوقت نفسه سيكون التنافس هو اسم "اللعبة" على شواطئه وما بعدها حيث السعوديّة وجيرانها في الخليج وأيضاً تركيا وإيران والصين وروسيا الذين يتسابقون كلّهم للاستثمار في إنماء أفريقيا التائقة إلى النمو. ونظراً إلى الشكّ أو الغموض الذي يلفّ أسعار النفط فإنّ الرياض وموسكو ستستمرّان في التنسيق في السنة الجديدة 2019 لأنّهما ضروريّتان جدّاً لإنجاح أي قرار يخفّض إنتاجه سواء في دول مُنظّمة "أوبيك" أو من الدول غير المُنضمّة إليها. وإلى الطاقة تُدرك العاصمة السعوديّة أن عليها جعل علاقتها مع العاصمة الروسيّة وثيقة لأنّها تسعى إلى زيادة نفوذها وتعزيز موقعها في الشرق الأوسط.
هل تسعى المملكة إلى تحقيق أهداف أخرى خارج الشرق الأوسط بل تحديداً خارج القسم منه المُجاور لها مباشرة أو القريب منها؟
نعم يُجيب الباحث نفسه. فهي لا تزال تُتابع سياستها القاضية بتقديم المساعدات الماليّة – النقديّة للحصول على نفوذ سياسي في دول مثل باكستان. وهو يستبعد تغيُّرها على الأقل في السنة التي بدأت قبل أقل من أسبوعين. ورغم أنّ إسلام أباد لم تُقدِّم للرياض سياسة خارجيّة فعليّة أو التزامات أمنيّة عند قبولها في شهر تشرين الأوّل الماضي قرضاً ماليّاً سعوديّاً قيمته مليارات عدّة من الدولارات الأميركيّة، فانها قدّمت لها شيئاً أرادته فعلاً هو تعهّدها أو التزامها علانية قوّة المملكة العربيّة السعوديّة، واستمرارها في "المبادرة المُستقبليّة للاستثمار"، وهي حدث سيحصل هذه السنة رغم إعلان شركات عالميّة عدّة انسحابها منه بعد مقتل خاشقجي.
أمّا شرقاً فإن أهداف المملكة ستتلازم كثيراً جدّاً مع أهدافها الإصلاحيّة في المجال الاقتصادي. ففي آسيا تُخطِّط الرياض لتبنّي زيادة ملحوظة في الاستثمار في مشروعات مُشتركة. وانطلاقاً من ذلك تُخطِّط شركة "أرامكو" لاستثمار 500 مليون دولار أميركي مع شركة أبو ظبي الوطنيّة للنفط في مصفاة تكرير داخل الهند. وفي الوقت نفسه سيكون الاستثمار السعودي آسيويّاً مُهمّاً لنجاح الرياض في خططها للإصلاح الاقتصادي. وسواء تابعت السعوديّة علاقاتها الخارجيّة مع دول مثل باكستان أو ذهبت أبعد لتأسيس علاقات قويّة مع دول مثل إسرائيل وروسيا ودول البحر الأحمر فإنّها ستبقى نشطة كما دائماً على الجبهة الدوليّة – العالميّة في العام الجديد الجاري. وبعد الاضطراب الذي أحدثه أو تسبَّب به على المسرح الدولي في العام المُنصرم وليّ العهد "الزئبقيّ" في نظر أميركيّين كثيرين، فإن الرياض تأمل في أن يكون العام الجديد 2018 أكثر هدوءاً.
في اختصار يُلخِّص الباحث نفسه أهداف المملكة في العام الجديد بثلاثة. الأوّل مُتابعتها بذل الجهود لتهدئة التوتّرات على المسرح الدولي عام 2019. والثاني استمرارها في العمل لمواجهة بل مقاومة طهران في كل مكان ممكن، وذلك بتأسيس علاقة وإن من دون أن تعترف بها رسميّاً مع إسرائيل وبتعميقها. ودافعها إلى ذلك اقتناعها بأن إيران ستبقى مصدر القلق الأكبر على صعيد السياسة الخارجيّة في العام الجديد. أمّا الثالث فهو مُتابعة الرياض العمل من أجل علاقات وثيقة مع موسكو، وذلك لوضع خطّة للإنتاج الشامل للنفط وللإقتراب أكثر من مرتبة لاعب رئيسي في الشرق الأوسط.
هذا على صعيد السعوديّة والخارج الإقليمي القريب والأبعد ثمّ الدولي في العام الجديد. ماذا على صعيد الداخل فيها؟
يُجيب مُتابع وباحث أميركي في آن هذا الموضوع فيبدأ بالإشارة إلى أمور ثلاثة عامّة قبل الانتقال إلى تفصيلها. الأوّل أنّ العربيّة السعوديّة تُغيّر القيود التي كانت تضعها ومن زمان على طريقة ممارسة المقيمين الأجانب فيها وعددهم كبير طقوسهم الدينيّة مسيحيّين كانوا أو مُنتمين إلى ديانات أخرى. والهدف من ذلك هو إضعاف دور الخطّ الإسلامي المُتشدّد في تحديد الهويّة السعوديّة. والثاني استخدام ذلك لزيادة الرياض فرصة تجذّر الوطنيّة السعوديّة. علماً أن تصاعد الوطنيّة لا بُدّ أن يُشكّل في نهاية الأمر تحدّياً لدور النظام الملكي القائم. أمّا الثالث فهو أن الوطنيّة ستنجح في "تلوين" العلاقات السعوديّة مع الدول الأخرى على نحو تصاعدي. ومن شأن ذلك أن يُصبح كابحاً جديداً لِ أو ربّما قيداً جديداً على سلطة النظام الملكي الحاكم.
وهو ينطلق من ذلك ليؤكّد أن العربيّة السعوديّة المعروفة من زمان بأنّ مجتمعها وثقافتها وحكومتها غارقون في سياسات إسلاميّة مُحافظة، بدأت تُؤسِّس فيهم أو تُدخل إليهم وطنيّة جديدة تسمح بتعبير محدود للمُنتمين إلى ديانات أخرى. وبتشجيع الوطنيّة الواسعة يأمل النظام الملكي الحاكم في تكوين مساحة مُهمّة لتحديث مُرتَكِز على إصلاحات اجتماعيّة واقتصاديّة، وهي كما هو معروف عامل مُفتاحي في "مشروع رؤية 2030". لكن في حين أن تقليص دور الإسلام المُتشدّد ستكون له فوائد في المملكة فإن تأسيس مناخ أكثر مدنيّة (Secular) ينطوي على خطر نشوء مقاومة وطنيّة للسياسات الداخليّة للحكومة وفرض قيود على سياستها الخارجيّة.
هل هناك حدود للخطّ الإسلامي المُتشدّد في العربيّة السعوديّة؟ | |
|