| | Date: Dec 20, 2018 | Source: جريدة الحياة | | الحالة العربية في نهاية 2018 - إبراهيم الصياد | اقترب عام 2018 من بلوغ منتهاه، ما يدفعنا إلى التوقف لتأمل الحال العربية الراهنة بالرصد والتحليل، ولا بد أن نقرر بداية أن 2003 يعتبر عاماً فاصلاً في التاريخ العربي الحديث وترتبت عليه تداعيات وانكشفت حقائق في السنوات اللاحقة له، لأن هذا العام تحديداً كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر «البعير»، إذ رفع الستار عن أبعاد «الكارثة»، التي تطورت واستفحلت لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بخاصة اعتبارا من أواخر عام 2010، عندما خيَّم ما سمي «الربيع العربي» على المنطقة. وبنيت على هذه الكارثة أحداث المنطقة العربية واعتبر الغزو الأميركي للعراق بالتعاون مع بريطانيا بعد نحو سبع سنوات «نقطة بداية تنفيذ الخطة».
وطُرح آنذاك سؤال: هل الغرض من هذا الغزو كان إسقاط نظام حكم الرئيس صدام حسين فقط بداعي ما تردد عن امتلاك بغداد أسلحة دمار شامل؟ أم أن هناك أهدافاً أخرى مستترة لاسيما وثبت بعد سنوات قليلة أن هذا الزعم لم يكن سوى أكذوبة كبرى خططت لها الحكومتان الأميركية والبريطانية؟
إن تطورات الأحداث السياسية خلال الأعوام التي تلت عملية سقوط بغداد أوضحت أن نظام صدام لم يكن الهدف بقدر ما كان الغزو المقدمة للعبة كبيرة يتم من خلالها استنفاد القوة العربية وتفكيك أوصال العالم العربي بتفتيت دوله من خلال إضعاف القوى منها والإجهاز على الضعيف فيها ثم تحويله إلى منطقة ملتهبة تنشغل بصراعات داخلية وحروب أهلية. وأدت تلك العملية إلى تعطل برامج وخطط التنمية في الدول المستهدفة بخلق حال عدم الاستقرار فيها وبات واضحا أن المستقبل المنظور – على الأقل – في هذه المنطقة من العالم صار غامضاً إلى حد كبير.
ولعل نظرة سريعة إلى خسائر غزو العراق تؤكد أن هناك مخططاً مدروساً حيكت وتحاك خيوطه ضد عالمنا العربي؛ إذ أوضحت الإحصاءات الموثقة للخسائر البشرية والمالية التي سبَّبها العدوان الأميركي على العراق أن عدد القتلى من العراقيين بلغ مليوناً و455 ألفاً و590 مواطناً عراقياً، في حين بلغ عدد القتلى من العسكريين الأميركيين 4801 ضابط وجندي، وقتل 3487 عسكرياً من صفوف الحلفاء الآخرين، وتكلفت الحرب على الجانبين تريليوناً و705 بلايين و856 مليون دولار وتقدر خسائر الوطن العربي وحده بـ830 بليون دولار (بحسب التقديرات الرسمية الصادرة من الجانب
الأميركي).
أما في ما يتعلق بسورية؛ فتشير تقديرات محايدة إلى أن عدد ضحايا في الحرب الأهلية تجاوز نصف مليون شخص مدني منذ عام 2011 غير العسكريين، وكان مبعوثاً للأمم المتحدة في سورية قدر عدد وفيات الحرب بحواىي 400 ألف قتيل عام 2016، ونتساءل: من المسؤول عن عملية سفك الدماء العربية بهذا الشكل؟
ليس خافياً على أحد أن الولايات المتحدة أعطت إشارة البدء لانطلاق عصر الإرهاب الذي يضرب عالم اليوم ويقض مضاجع البشرية، ولم يكن ليتحقق ذلك إلا بخلق الظروف الملائمة لاستنساخ كيانات إرهابية على غرار «طالبان» و«القاعدة»، ومن بينها تنظيم الدولة المسمى «داعش»، ومن عجائب الأشياء أن 70 في المئة من ضحايا التنظيمات الإرهابية المتأسلمة في حربها باسم «الإسلام» ضد الإنسانية من «المسلمين». وتعتبر ثورات «الربيع العربي» هزَّات ارتدادية حدثت وتغيَّرت أوضاع وأستبدلت بنظم جديدة ومنذ عام 2010 شهد العالم العربي ما وصفه البعض بحال الانحطاط غير المسبوق، الذي يفوق ما سمي عصر الانحطاط في إحدى مراحل التاريخ العربي خصوصاً وأنه يحدث في القرن الحادي والعشرين، وهو عصر من المفترض أن تحرز فيه الشعوب الأخرى، مزيداً من التقدم والارتقاء.
وتشاءم البعض، عندما رأى أنه لا توجد أي مؤشرات على أن هناك مستقبلاً عربياً أفضل، إذ أن معظم الجروح العربية مازالت ملتهبة ونازفة وتستعصي على الشفاء، وتعود هذه النظرة التشاؤمية إلى ثلاثة عوامل موضوعية:
أولاً تراجع فكرة التوحد القومي العربي بعد أن سيطر الانقسام المذهبي والعرقي الشعوبي على الفكر والعقل العربي في كثير من التوجهات.
ثانياً تعتبر إسرائيل الطرف الإقليمي الأكثر استفادة من الوضع العربي الراهن وإن كان لا يمكن اتهام الدولة العبرية بأنها مسؤولة عما يفعله العرب بأنفسهم طالما أنهم تكفلوا بتدمير بلادهم.
ثالثاً الدوائر الغربية تشخص الكوارث العربية بأنها تحدث بأيدٍ عربية لكن ماغاب عن هذا التشخيص المتعمد أن هناك أيادي خفية أحياناً وسافرة أحياناً أخرى تحرك خيوط المؤامرة على المستقبل العربي. وخلاصة القول، إن الولايات المتحدة نجحت نسبياً في تنفيذ خطة التدمير الذاتي ، في بعض الدول العربية، ويكفي نظرة شاملة لنجد أن عدداً من الدول العربية مازال يعاني هذا التدمير أليس ما يحدث في كل من العراق وسورية وليبيا نوعاً من التدمير الذاتي؟
وعلى أي حال، نلاحظ أن ما تقدم، جاء تحليلاً مباشراً وكاشفاً للحال العربية، وأوضح حقيقة أن هناك من يخطط حتى اللحظة، لإعادة رسم خريطة الوطن العربي من جديد، خريطة مختلفة كل الاختلاف عما درسناه في مستهل حياتنا لجغرافية العالم العربي، من الناحية الاقتصادية والجيوبولتيكية، وعلى رغم ذلك نتعلق بإمكانية قيام العقل الجمعي العربي بخلق إرادة مشتركة قادرة على التصدي لمؤامرة التفتيت وانقاذ الأمة قبل فوات الأوان.
* كاتب مصري. | |
|