| | Date: Dec 16, 2018 | Source: جريدة الحياة | | هل هناك جديد في سورية؟ - محمد بدرالدين زايد | تأتي تهديدات تركيا بعملية عسكرية خلال أيام ضد القوات الكردية شرق الفرات لتعيد مناخ التوتر العسكري في الساحة السورية عقب فترة هدوء نسبي، في رد فعل واضح لتقدم قوات سورية الديموقراطية ذات الأغلبية الكردية والمدعومة أميركياً ضد داعش حليف وربيب تركيا، على أن احتمال التصعيد هذا أمر ليس مؤكداً بعد، خاصة بعد الاتصال التليفوني بين أردوجان وترامب والذي تلاه بيان تركي يؤكد تفاهم الجانبين، وليس من المؤكد بعد أن هذه التطورات ستغير من تراجع نسبي ملحوظ في التغطية الإعلامية الدولية والعربية لهذه الساحة السورية بشكل لافت، خصوصاً مع طغيان أخبار أخرى خاصة دولية وإقليمية، على أنه لو تركنا جانباً الآن احتمالات التحرك التركي فإن ثمة تطورات مهمة تستدعي النظر في دلالاتها وما ستتركه من آثار، من بينها أن المبعوث الدولي ديمستورا يجري لقاءاته الأخيرة، ويستعد لإلقاء بيانه الختامي في مجلس الأمن بعد أقل من أسبوع من الآن، وكان لقاؤه الأخير بوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مهماً في هذا الصدد، حيث دعا الأخير في المؤتمر الصحافي المشترك إلى التعامل مع الأزمة السورية وفق مقاربات جديدة تأخذ بعين الاعتبار الحقائق على الأرض، وتستهدف إنهاء الأزمة ومساعدة السوريين على استعادة أمنهم واستقرارهم، مضيفاً أن حماية سورية والحفاظ على وحدتها هو الهدف الذي تتكاتف الجهود من أجله، كما ذكر الوزير الأردني أن ثمة غياباً غير مقبول للدور العربي في جهود حل الأزمة، ما يعد من أهم التصريحات العربية بشأن سورية أخيراً، من ناحية أخرى قال ديمستورا إن هناك صفحة ستطوى بشأن الأزمة وأن هذا ليس برحيله، وإنما بتغير الوضع على الأرض، ما يصب في تأكيد ما طرحه الوزير الأردني.
وفي اتجاه آخر كان المبعوث الأميركي في سورية جيمس جيفري يلتقي مهجرين ومسؤولين في منظمات المجتمع المدني في مدينة غازي عنتاب التركية، وبرفقته نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون المشرق العربي جويل ريبورن كما ينتقل أيضاً إلى الأردن. ومن ناحية أخرى أشار رئيس المركز الوطني لإدارة الدفاع في روسيا الفريق أول ميخائيل ميزينسيف إلى أن الولايات المتحدة تستمر بعناد غير مفهوم في السيطرة على مساحة 55 كيلومتراً حول منطقة التنف حيث ينتشر نحو 6 آلاف إرهابي يعرقلون تفكيك مخيم الركبان بحماية القوات الأميركية الموجودة بشكل غير شرعي على أراضي دولة مستقلة. وعلى صعيد التطورات المهمة أيضاً الاجتماع الذي عقد الأربعاء الماضي في وزارة الدفاع الروسية بين ممثلي وزارتي الدفاع الروسية والإسرائيلية، أما آخر المعلومات المهمة فهي تللك الخاصة بتجديد السفارات الإيطالية واليونانية والأهم الإماراتية.
ما يمكن استنتاجه مما سبق كثير، ففي القريب العاجل المشهد العسكري لو تحرك بسبب تركيا رغماً عن معارضة واشنطن التي سارعت وأعربت عن قلقها ومعارضتها لهذه الخطوة فإن هذا سيعني عودة التوتر بين تركيا والولايات المتحدة بعد تهدئة ملحوظة لأسباب عديدة، فضلاً عن أنه سيظل في منطقة جغرافية محدودة لها نفس الرمزية والدلالات في الأزمة السورية، فهناك سيطرة روسية سورية إيرانية على غالب أنحاء البلاد، إلا من جيبين رئيسيين، أولهما منطقة التوتر التركي الأميركي سابقة الذكر، وهي تلك الشريط الحدودي الذي تحدث عنه القائد العسكري الروسي والذي تنوي فيه تركيا التحرك مجدداً، وثانيهما هي أدلب، وهذان الجيبان ما يمكن وصفه بالفيتو الأميركي التركي على المشهد السوري وعلى عملية التسوية وإنهاء الأزمة في سورية لصالح نظام بشار الأسد، والسؤال المعلق هو هل يمكن أن يستمر هذا الجمود العسكري بلا حدود؟ وهو ما سيجيب سؤال السياسة عن بعضه الآخر، فمسألة أدلب ما زالت على جمودها، إلا من شكوى خافتة عن استياء روسي من عدم تنفيذ تركيا التزاماتها بشأن أدلب وقد مرت شهور وليس مهلة الشهر الواحد الذي طلبته تركيا في السابق لنزع سلاح الفصائل المتطرفة، فالطرف التركي مراوغ ومناور كعادته وربما أيضاً ليس لديه القدرة الكافية على تنفيذ هذا الالتزام، ما يعود بنا إلى استنتاج أكثر أهمية وهو استمرار عجز أي من الأطراف الرئيسية وأقواها روسيا عن فرض إرادتها في هذا الصراع سواء لأن أحداً لا يريد الدخول في حرب واسعة النطاق وبالقطع لا تريد روسيا مثل هذه الحرب مع تركيا، أو لأن الأمر معقد بما يكفي، فضلاً عن أن هذه السمة أيضاً تمتد للفيتو الأميركي من خلال هذا الوجود العسكري شبه الرمزي.
كما تستمر أحد أهم السمات الأخرى وهي أن اللاعبين الرئيسيين هم روسيا وتركيا وإيران، وبرفقتهم الولايات المتحدة بقوة الفيتو والتعويق وليس التأثير الحقيقي، دون أي من العرب- كما سبق وأشار كثيرون- ثم تأتي أهمية تصريحات الوزير الأردني الصفدي سابقة الذكر لتعتبر شهادة رسمية عربية مهمة، وبالطبع سورية ذاتها من بين هؤلاء العرب الغائبين عن مستقبلها، ودليل ذلك اجتماعات الآستانة بمشاركة الأطراف الثلاثة وحدهم. وحدها روسيا تملك غالبية الأسهم في هذه الأدوار الخارجية كونها الأقوى عسكرياً على الأرض، ومن يستطيع ويسعى إليه كل الأطراف الأخرى وأولهم إسرائيل، ولكنها، أي روسيا، لا تملك إمكانية الحسم الكامل وحدها.
وفي مقابل استمرار هذا الجمود العسكري والسياسى- إلا من عدم الوضوح حول ما أسفر عنه اجتماع آستانة الأخير بشأن اللجنة الدستورية - يأتي قيام عدد من الدول بتجديد سفاراتها كأهم تعبير عن التحسب لتحرك الموقف، وقرب بدء مرحلة جديدة، كما أنها تؤشر أيضاً إلى استقرار الأوضاع في العاصمة دمشق أمنياً بكل ما يعنيه هذا من دلالات مهمة لا يمكن تجاهلها. كما تأتي تلميحات ديمستورا واضحة أيضاً بأن صفحة طويت، ما يعني اعترافه بأن الواقع السوري على الأرض لا بد أن يبدأ التعامل معه بشكل أكثر جدية وواقعية، في كل هذا يخفت بشكل ملحوظ أي حديث عن المعارضة السياسية السورية، والتي كانت بالأصل عاجزة بعد أن عجزت خلال أوقات الصراع عن أن يكون لها ذراع عسكري حقيقي، وكانت الفصائل العسكرية الأقوى هي تلك المدعومة من الخارج ما كان يجعلها بلا مستقبل حقيقي منذ البداية.
في الأخير مازلنا عند المعادلة نفسها التي كتبنا عنها أوائل العام من أن السبب الرئيس لبطء تسوية الأزمات العربية هو أنها أحد المراكز الرئيسية للصراع الدولي والإقليمي على النفوذ والسيطرة في ظل التحولات الدولية الجارية ما بين ترتيبات دولية سابقة هيمنت فيها الولايات المتحدة وترتيبات مقبلة ما زالت قيد التبلور والنضج، ولكن أيضاً هذه المظاهر الجديدة وقوة الأمر الواقع الذي يتشكل في سورية يمكن أن يفرض نفسه تدريجياً، وربما سيكون شكل اختيار المبعوث الدولي الجديد وطريقة أدائه أحد المؤشرات المهمة عما إذا كنا قريبين من التسوية أم أنها ليست جاهزة بعد، فضلاً عن مدى تحمل الأطراف المختلفة، وتحديداً تركيا والولايات المتحدة، استمرار كلفة الجيوب العسكرية المستمرة في سورية - خارج سيطرة روسيا والدولة السورية وحلفائها – خصوصاً أن هذه الكلفة دون أفق واضح.
* كاتب مصري. | |
|