| | Date: Dec 14, 2018 | Source: جريدة النهار اللبنانية | | خطر تصادم الدول المتدخلة في سوريا كبير في 2019 - سركيس نعوم | يعتقد باحثون عميقون في مركز أبحاث أميركي بالغ الجدية وكبير المعرفة وواسع الاطلاع أن المرحلة المقبلة من الصراع السوري يمكن أن تكون الأكثر ضرراً وإيذاءً. وهم يعطون ثلاثة أسباب لاعتقادهم هذا، أولها أن المعركة بين نظام الأسد والمتمردين بدأت تضعف بعدما صار صاحب اليد العليا إذا جاز التعبير، كما بعد انهيار الدولة الاسلامية (داعش) علماً أن خطر حصول اصطدامات أو اشتباكات بين الدول المتدخّلة في سوريا سيكون أكبر في العام المقبل 2019. وثانيها أن الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل يمكن أن تتورّط في صدامات مع بعضها أو مع بعض الدول الأخرى الداخلة أيضاً في الحرب السورية في شكل أو في آخر. وثالثها أن الدول المذكورة كلها لن تستطيع إلغاء الخطر المذكور في السبب الأول رغم عملها المستمر لخفض حدة الصراع وتصعيده.
كيف يبرّر هؤلاء "توقّعهم" المذكور أعلاه؟
يقولون أولاً إن الحرب الأهلية السورية قد لا تكون دخلت مرحلة النسيان على الأقل عند الملايين الذين تأذوا منها، لكنّ الصراع لم يعد يقود الدوائر الدولية أو بالأحرى يشغلها كما في السابق. والسبب سيطرة النظام في دمشق على معظم المناطق الآهلة في البلاد وخمود الجبهات وإن نسبياً. لكن رغم أن صراعاً حامياً أصبح مستبعداً الى حد كبير فإن السنة المقبلة تبقى مشحونة بخطر عواصف نارية جديدة. وهذه المرة ليس بين النظام والمتمردين بل بين الدول التي دخلت ساحة الصراع السورية أو تدخّلت فيها. في السنوات الماضية تجمعت الدول الكبرى والدول الاقليمية من أجل المحافظة على مصالح وتحقيق أهداف. بعض الأخيرة أنجز مثل إلحاق الهزيمة "بداعش" ولكن عدداً منها لا يزال من دون تحقيق. فتركيا وإسرائيل وإيران وأميركا وروسيا قد تكون مصلحتها ضئيلة في خوض حرب في ما بينها. لكن متابعتها أهدافاً متنوعة، فضلاً عن النقص البسيط في مجال المناورة على مسرح يحتشد فيه الممثلون أو اللاعبون الدوليين، يعني أن أي عمليات عسكرية قد تجرّ وعلى نحو غير متعمّد أو ربما متعمد الى صدام بين دولة وأخرى. وقد يكون لذلك تشعبات دولية وربما شاملة.
ويقول الباحثون أيضاً إن الخطر الرئيسي نابع من الرغبة المستمرة لنظام سوريا وحلفائه وخصوصاً إيران في استعادة مزيد من الأراضي الخارجة عن سيطرتهم. ودمشق وطهران قد تركزان اهتمامهما على منطقتين رئيسيتين هما شمال وشمال غرب سوريا حيث يسيطر الأكراد المدعومين من تركيا، وشرق وشمال شرق سوريا حيث السيطرة الأهم لـ"قوات سوريا الديموقراطية" الكردية في معظمها والمدعومة أميركياً. ورغم الوجود التركي والأميركي بالقرب من المنطقتين فإن القوات "الشرعية" السورية قد لا تبقى بلا تحرّك. كما أن تجنب النشاط العسكري حول إدلب يبدو ضعيفاً. ومن شأن ذلك زيادة خطر الصدام بين قوات الأسد وقوات أردوغان الموجودة هناك والداعمة للمتمردين من حلفائها. واذا ضمنت دمشق مساعدة روسيا لعمليات عسكرية في إدلب فإن حظوظ المواجهة التركية – السورية تكبر. علماً أن أولوية موسكو هي الخروج من الصراع الكبير مع الاحتفاظ بعلاقات ودية مع تركيا. لكنها بدأت تتوتر بل تغضب بسبب عدم تقدّم أنقرة على طريق تنفيذ نزع سلاح المتمردين المتطرفين في إدلب الذين يهاجم بعضهم قواتها. ولأن دمشق تبحث عن عذر لمتابعة القتال فإن الكرملين مندفع لتسوية الوضع هناك تلافياً لهجوم إيراني سوري على إدلب قد يتحول حرباً مع تركيا.
ماذا عن أميركا؟ يجيب الباحثون أنفسهم أنها تتابع تنفيذ كبح وجود إيران ومصالحها في سوريا. إذ أن عدداً هاماً من قوات الأولى متمركز قرب مواقع "قوات سوريا الديموقراطية". واذا ازدادت حدة الصراع بين واشنطن وطهران في الـ2019 فإن المعركة بين الثانية و"قسد" يمكن أن تشكل صداماً أميركياً - ايرانياً. وقد يستدرج ذلك قوات سوريا وروسيا الى الاشتراك فيه.
ويلفتون الى أن لتركيا مصلحة شديدة في المنطقة المُتحدَّث عنها. فهي حريصة على إضعاف "قوات حماية الشعب الكردية" فيها وعلى "سبق" أميركا لسحقها. لكن الأخيرة أجبرت أنقرة على إعادة التفكير في استراتيجيتها ولا سيما بعد إعلانها نية البقاء مدة أطول في سوريا. وستحاول تركيا تلافي التصادم مع قوات أميركا في هذه البلاد رغم أنها لا تفعل شيئاً لتخفيف التوتر والضغوط بين الحلفاء إسماً داخل "الناتو". لكنها ستبحث دائماً عن طرق لإضعاف "الوحدات" المشار اليها سواء باستهداف قادتها الأكراد أو القادة العرب المتعاونين معهم، ذلك أنها ترفض البقاء في سوريا على الهامش.
ماذا عن إسرائيل؟ يجيب الباحثون أنفسهم أن لها أيضاً سبباً طاغياً للانخراط في الحرب الأهلية السورية هو إيران. ولهذا السبب "ضربت" صاروخياً وبالطيران الحربي مواقع لقواتها وحلفائها داخل سوريا. طبعاً ردّت إيران في أيار الماضي على الضربة. وفي أيلول ردّ سوريون نظاميون فتسببوا باسقاط طائرة حربية روسية خطأً. دفع ذلك موسكو الى تعزيز الدفاع الجوي السوري والى تهديد إسرائيل بالردّ في حال التكرار، وقد تؤدي حوادث مشابهة مستقبلاً الى مواجهة بين قوات إسرائيل وروسيا أو الى حرب واسعة مع إيران يمكن أن تشمل "حزب الله" في لبنان.
في اختصار، يخلص الباحثون، لا دولة من الدول التي دخلت المستنقع السوري راغبة في معركة مع الدول الأخرى. وهي ستتخذ الاحتياطات القصوى لخفض تصعيد الصراع. لكن مع انتشار قوى كبرى قرب بعضها في ساحة صغيرة ومع مجموعة المصالح المتصارعة والطموحات المتنافسة فإن أخطار أن تشعل شرارة حريقٍ ضخمٍ كبيرٍ جداً. ويعني ذلك ان انخفاض المواجهة وحدّتها في سوريا قريباً يبقى احتمالاً ضعيفاً. | |
|