Date: Dec 7, 2018
Source: جريدة النهار اللبنانية
استكمال حكومة العراق وتأليف حكومة لبنان ليسا مترابطيْن - سركيس نعوم
يربط محلّلون كثيرون في لبنان والخارج الأزمة الحكومية في لبنان بالأزمة الحكومية في العراق، ويعتقدون أن حل الثانية سيفتح الباب أمام حل الأولى التي تجاوز عمرها الأشهر الستة. أما الأسباب التي تدفعهم الى الربط فكثيرة منها أن الجهة الاقليمية الأشدّ تأثيراً والأعمق وجوداً ونفوذاً هي واحدة في الدولتين الشقيقتين. والمقصودة هنا هي طبعاً إيران. ومنها أيضاً أن الجهة المحلية الأكثر قوة سياسياً وعسكرياً والأوسع نفوذاً في كل من البلدين حليفة موثوقة للأخيرة. وهي في العراق "الحشد الشعبي" الذي أنشأته إيران جيشاً رديفاً والذي يراوح عديده بين 120 و160 ألفاً. أما في لبنان فهي "حزب الله" الذي نجح في عسكرة الطائفة الشيعية بمساعدة طهران وفي تحويلها جيشاً حرّر الجنوب من احتلال إسرائيل، ومنع انهيار نظام سوريا ورئيسها بشار الأسد منذ تعسكر ثورة شعبها ومصادرة التنظيمات الاسلامية المتطرفة حتى الإرهاب لها، بالتعاون لاحقاً مع روسيا. ومن الأسباب ثالثاً، أن الجهة الدولية والجهات الاقليمية التي تعطّل استكمال الحكومة العراقية وتأليف الحكومة اللبنانية هي واحدة. فالولايات المتحدة يتهمها "الحشد الشعبي" بالسعي الى فرض مشروعها في العراق والى إخراج إيران منه نفوذاً سياسياً وعسكرياً. والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة تسعيان الى استقطاب سنة العراق من عرب وأكراد وفي الوقت نفسه الى استمالة شيعته بالتركيز على العروبة المشتركة بينهم، وعلى رغبتهم في دولة سيدة ومستقلة على علاقة جيدة بإيران لكن غير تابعة لها، وهذه الجهات نفسها هي التي تتولى إطالة ازمة حكومة لبنان وتحول دون تأليفها.

هل الربط المفصّل أعلاه في محله؟

قد يبدو كذلك للوهلة الأولى في نظر العديد من اللبنانيين. لكنه ليس كذلك فعلاً لأسباب عدّة قد يكون أهمها اختلاف الظروف كما الأوضاع والتطورات بين العراق ولبنان، رغم أن الجهات المعرقلة استكمال حكومة الأول وتأليف حكومة الثاني هي واحدة تقريباً. فبلاد الرافدين كما تسمى لا تزال تعيش مشكلات كثيرة داخلية (أمن، اقتصاد، فساد، طائفية، مذهبية، عرقيّة...)، لكن ملامح الحل النهائي فيها ولها صارت واضحة. داخلياً تسلمت الغالبية الشيعية فيها الحكم رغم المحافظة الشكلية على مشاركة السنّة العرب والسنّة الأكراد إياها. ورئاسة الوزراء مع الحكومة هي السلطة الأولى في نظامها "الجديد" ويتولاها شيعي، كما يتولى شيعة مثله وزارات مهمة جداً ومؤسسات وأجهزة متنوّعة. وإقليمياً تَكرَّس دور إيران الاسلامية فيها وخصوصاً في أوساط الشيعة وغيرهم بقبول كي لا نقول بموافقة أميركا "عدوّتها". علماً أنها نجحت وببراعة في ملء الرئاسات العراقية الثلاث أي الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء بمؤيّدين لها. وإقليمياً أيضاً لم تتمكن المملكة العربية السعودية رغم "طحشتها" الأخيرة على العراق من استمالة ليس فقط شيعته بل سنّته أيضاً. فالعشائر السنّية في البلدين الجارين والشقيقين رغم قرابتهما لا تكنّ الودّ لبعضها، فضلاً عن أن العراقية تميل أكثر الى تركيا. واقليمياً ثالثاً تردّد أن دولة الامارات حاولت أيضاً الدخول على خط العراق مع السعودية. واعتبر مراقبون مطلعون أن نشاطها فاق نشاط حليفها السعودي الذي لا يمتلك مشروعاً فعلياً للعراق، لكنه قد يستثمر نجاح الامارات اذا حقّقته. وتردّد أيضاً ان قطر، التي مالت الى إيران بعد اختلافها مع السعودية والامارات وفرض الاخيرتين حصاراً قوياً عليها، وضعت لنفسها سياسة عراقية وبدأت تطبيقها باستمالة السنّة. وهي قد تنجح للسبب المذكور أعلاه وأيضاً لعدم ممانعة طهران في ذلك. أما دولياً فإن الولايات المتحدة موجودة في العراق، وترجّح معلومات العارفين والمتابعين في عواصم المنطقة كما في واشنطن أن يستمر وجودها هذا مدة طويلة وحتى بعد تزايد الاستقرار انطلاقاً من دورها السنّي والكردي. وهذا أمر تعرفه ايران وترفضه رسمياً لكنها تتعايش معه عملياً، الأمر الذي يرجّح تعايشاً بينهما فيه لا يرقى الى درجة التعاون المباشر ولاحقاً التحالف، إلا اذا بدأت أزمات المنطقة كلها تسلك طريق الحلول. علماً أن موعد ذلك لا يزال بعيداً.

أما من لبنان فإن وجود إيران واضح ورسمي وقوي مباشرة وبواسطة "حزب الله" وحليفه المسيحي القوي "التيار الوطني الحر". لكن لديه (ولديها) حكم مسيحي قوي شعبياً، والغالبية الدرزية ليست معهما رغم "جزيرة" الوزير السابق وئام وهاب والأمير طلال أرسلان التي قررا منع استفرادها وحمايتها واستخدامها عند الحاجة، رغم واقعية الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط الذي يسعى بكل قوة الى تلافي انجرار طائفته الى صراع مسلح مع الشيعة أو مع غيرهم. لكن في لبنان وجوداً قوياً أيضاً ونفوذاً أقوى للسعودية والامارات عند السنّة وعند قسم مهم من المسيحيين وعند الدروز. كما أن للغرب عموماً بزعامة الولايات المتحدة نفوذاً قوياً عند شعوب لبنان باستثناء الشيعة. فضلاً عن أن تحالف "الحزب" وطهران مع "التيار الوطني الحر" يهتز رغم تمسكهما به تلافياً لانفراط قد يؤذيهما رغم قوتهما العسكرية. ولهذا السبب يحاولان الحؤول دون حصول هذا الحليف على الثلث الحكومي المعطل ويراقبان بدقة وبكل الوسائل سياساته والتحركات. ونفوذ الغرب هذا يشمل المؤسسات الأمنية وفي مقدمها الجيش الذي يحظى بدعمه المباشر تدريباً وتسليحاً. علماً أن اسرائيل الموجودة استخبارياً في العراق (كردستان وغيرها) بعيدة منه جغرافيا ولا تشكل خطراً عليه كما على لبنان. وهذا أمر يزيد من الاختلاف بين أوضاع البلدين رغم بعض التشابه. في النهاية قد يكون من الأفضل للبنانيين حل أزمتهم الحكومية بنفسهم وعدم ربطها بأي أزمة أخرى رغم كون الخارج المتدخل فيها واحداً على تنوعه.