الخميس ١٨ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آب ١١, ٢٠١٩
المصدر : جريدة النهار اللبنانية
لبنان
لبنان: بدء الاستحقاق الأخطر بعد شكليات المصالحة
ما الذي أوصل جهود المصالحة إلى قصر بعبدا؟
لم تفلح الحكومة بعد تماماً في إعادة تطبيع الأجواء السياسية بين مكوناتها، ولكن الجلسة الأولى لمجلس الوزراء بعد شلل الأربعين يوماً من أزمة قبرشمون، بدت مشجعة قياساً بالاحتقانات التي سادت فترة الأزمة. وإذا كان الكلام السياسي داخل الجلسة اقتصر على مداخلة قصيرة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون اختصر فيها مجريات اجتماع المصارحة والمصالحة الذي رعاه الجمعة الفائت في قصر بعبدا ولم تشهد الجلسة أي تطور بارز لهذه الجهة، فإن الالتباس الذي حصل في نهاية الجلسة حول موضوع قرار وزير العمل كميل أبو سليمان بتنظيم العمالة الأجنبية وتداعياته الفلسطينية شكل مؤشراً إلى عودة الملفات والقضايا الساخنة المنتظرة في المرحلة الطالعة، علماً أن لا جلسة جديدة لمجلس الوزراء ستعقد إلا الأسبوع الذي يلي الأسبوع المقبل باعتبار أن رئيس الحكومة سعد الحريري سيسافر إلى الرياض لتمضية عيد الأضحى ومنها إلى واشنطن في زيارة تتضمن انشغالات خاصة به من جهة ولقاءات رسمية أبرزها مع وزير الخارجية الأميركي وربما نائب الرئيس مايك بنس من جهة أخرى.

وسط هذه المناخات بدت الإطلالة الرسمية والحكومية والسياسية الجديدة بعد لقاء بعبدا الجمعة مشوبة بالتساؤلات الكثيفة عما إذا كانت مرحلة ما بعد كسر الانسداد السياسي ستشهد سلاسة في تنفيذ الإيجابيات الموعودة على الصعيدين السياسي والاقتصادي والمالي، أم أن حليمة سرعان ما ستعود إلى عاداتها القديمة عند أول استحقاق؟ ثم إن تساؤلات أكبر دارت وتدور حول الخطوات التالية لتحصين المصارحة والمصالحة التي جمعت إلى الرؤساء الثلاثة عون ونبيه بري والحريري رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان وطبيعة هذه الخطوات التي يقال إنه يجري التكتم حولها منعا لإجهاضها، فيما تقول معطيات أخرى أنه لم يجرِ بعد التوافق التفصيلي حول ما سيلي التحقيقات القضائية الجارية في حادث قبرشمون.

ولكن ما أعلنه أرسلان أمس في مؤتمره الصحافي لجهة استعداده لتسليم المطلوبين من فريقه إلى القضاء كما عدم ممانعته في مثول الوزير صالح الغريب أمام التحقيق إذا اقتضى الأمر، شكل تطوراً إيجابياً لجهة بداية سريان موجة جدية في البلاد لتلافي تداعيات كانت لتكون شديدة الخطورة لولا استدراك الأمور بهذه الطريقة. ويعتقد أن الأسابيع القليلة المقبلة ستكفل تظهير الكثير من أبعاد استدراك الوضع اللبناني ومنعه من الانزلاق نحو متاهات كانت تتهدده بانهيارات سياسية واقتصادية وربما مالية، فإذا بالفرملة التي حصلت في اللحظة الأخيرة تعكس قرارات كبيرة داخلية وخارجية بمنع الانزلاق اللبناني نحو الهوة الخطرة.

والمهم بعد الأمور الشكلية التي بدأت بلقاء المصالحة ومن ثم بإعادة إحياء الحكومة وإرسال الرسالة إلى المجتمع الدولي بطريقة البريد السريع، أن تمضي الطبقة الرسمية والسياسية في تحمل تبعات إنقاذ البلاد من متاهات الضعف البنيوي الاقتصادي والمالي التي تتصل بالواقع السياسي كما بات ثابتاً. وهنا بيت القصيد ومحك التحدي الأساسي في الأيام والأسابيع المقبلة.

ما الذي أوصل جهود المصالحة إلى قصر بعبدا؟
وجدي العريضي
إذا أردت أن تعرف ماذا جرى في الأيام القليلة الماضية من تطورات واتصالات ومواقف على خلفية أحداث البساتين - قبرشمون وما رافقها من صخب سياسي وارتفاع منسوب التصعيد، فما عليك إلا أن تعلم أنّ كل هذه العناوين أوصلت إلى لقاء قصر بعبدا، إذ لا أحد بإمكانه إنكار أو إخفاء حقيقة عوامل الربح والخسارة ومن استطاع أن يلعبها "صولد وأكبر" أو أن يخرج من هذا الحصار منتقلاً من موقع الدفاع الهادئ إلى قلب الهجوم...

هذا ما انسحب على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي حاول عرقلة خصومه من "التيار الوطني الحر" إلى النائب طلال أرسلان وسائر منظومة قوى الثامن من آذار في منطقة الجزاء، ليسدد في مرماهم ركلات ترجيحية نجح من خلالها في هز شباكهم، وصولاً إلى العامل الآخر الذي لم يتوقعه قصر بعبدا وحلفاؤه وهو البيان المسمار الصادر عن السفارة الأميركية في بيروت.

وهنا ثمة معلومات أنّ هذا البيان بمضمونه وعباراته تخطى عوكر ليصل إلى الإدارة الأميركية، وبمعنى أوضح لم تخفِ جهات كثيرة أنّه بيان صادر عن أعلى المستويات في واشنطن لأنّهم تيقنوا أنّ هناك عهد وصاية جديداً أو انقلاباً يحضّر في لبنان لضرب رموز وطنية لها جذورها وتاريخها، أي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، والانتقال إلى حلفاء آخرين لـ"سيد المختارة" بينهم رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع وإحراج رئيس الحكومة سعد الحريري، فإما يبقى متمترسا في التسوية الرئاسية أو يرحل عنها، بحسب مصادر سياسية بارزة. ولكن من الطبيعي انّ الحريري قرأ كل هذه التطورات، إلى موقف الرياض الداعم بقوة لجنبلاط وجعجع، وعليه سعى رئيس الحكومة للتوصل إلى تسوية داخلية وإلا سيكون إلى جانب حلفائه، وعلى هذا الأساس لوحظ أن أيا من وزراء ونواب "تيار المستقبل" لم يردّ على انتقادات طاولت رئيس الحكومة من بعض نواب تكتل "لبنان القوي".

من هنا، تتابع المصادر وتكشف ما جرى للتوصل إلى هذه الصيغة ولقاء بعبدا، وإن لم تكن ثمة مصالحة بل مصارحة قد تؤدي لاحقا إلى ميني – تسوية، لأنّه في الوقت الراهن وفي الظروف الاستثنائية الداخلية والإقليمية والدولية لا مجال لـ"دوحة" جديدة أو "سان كلو" جديد، وقد يكون المطروح عودة طاولة الحوار في قصر بعبدا أو لقاء موسع لهذه التسوية أو المصالحة، مشيرةً إلى أنّ عوامل عدة كان لها أثرها البالغ في صمود جنبلاط، وبالتالي إلى لقاء بعبدا.

بدايةً لا شك، وهذا أمر واقع، أنّ الزعيم الجنبلاطي خبير محلف و"حرّيف" في الأزمات والمفاصل الصعبة وله باع طويل في هذا المضمار، إذ ترك رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب أرسلان يصرخ ويصعّد وحصل ما حصل بعد حادثة البساتين، فكان أن عادت مشهدية بداية حرب الجبل من خلال الالتفاف الدرزي الجامع حوله وغير المسبوق في ظروف وأجواء سياسية واقتصادية ومعيشية كهذه، إضافةً إلى "الفاولات" المتتالية من خلال مواقف وزير الخارجية جبران باسيل وتصعيده وسائر "البرتقاليين" في اتجاه المختارة ونبش القبور وفتح صفحات الماضي، إلى تشويشهم على المصالحة، ما ولّد مخاوف لدى المسيحيين حيث تلقف جنبلاط ذلك وتمركز وكلاء داخلية الحزب ومسؤولو الفروع الاشتراكية في البلدات المسيحية داعمين ومطمئنين إياها ومؤكدين الوقوف إلى جانبها وحتى المشاركة مع الاهالي في القداديس وفي مناسباتهم، وكان لتلك الخطوة صدى إيجابي وتحديدا عند الكهنة والفاعليات في هذه البلدات.

إضافةً الى ذلك التقى جنبلاط أصدقاء وسفراء عرب وغربيين، وهو بالمحصلة يلتقيهم في المختارة وكليمنصو بشكل دائم، من دون أن يكون اعتمد، كما قال خصومه، سياسة القناصل والوصاية وسوى ذلك، بل تم وضعهم في أجواء ما يجري من تدخل قصر بعبدا ووزراء القصر بالقضاء وبشكل منحاز إلى جانب النائب أرسلان، ما أدى إلى مؤتمر صحافي لقيادة الحزب التقدمي الاشتراكي حيث كشف الوزير وائل أبو فاعور المستور سياسيا وقضائيا.

وتتابع المصادر: "أما القنبلة التي خلّفت أضرارا عند الفريق المناهض لجنبلاط فكانت بيان السفارة الأميركية، وبالتالي فإنّ السفراء الأوروبيين والخليجيين يدعمون هذا البيان وتلك هي مواقفهم، لكن أحد أبرز المقربين من الزعيم الجنبلاطي قال لـ"النهار": "ليكن واضحا لدى الجميع أنّ جنبلاط لم ولن يراهن يوما إلا على الأوفياء في الجبل، وهؤلاء هم من يجبرون الجميع على التنازل والانكفاء والاتعاظ من أخطائهم ومواقفهم، وهم أيضا مَن يبقون المختارة صامدة في وجه من يتعرض لها، إضافةً إلى أنّ القوات اللبنانية وعبر رئيسها سمير جعجع كان لها موقف مشرّف، والأمر عينه لأحزاب مسيحية ولشرفاء كثر في وجه هذا الاستهداف لجنبلاط"، وبالتالي فإنّ بيان السفارة صوّب المسار الذي يسلكه العهد وحلفاؤه لأنّه بالمحصلة يعيد البلد إلى زمن القمع والبعث ومن يدور في فلكه.

ويبقى أخيرا أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وفق الذين التقوه أخيرا، بدا مستاءً في الأيام الماضية من موقف بعبدا المنحاز ومن عدم التجاوب مع مبادراته، إلى أن وصلت التقارير من المؤسسات المالية الدولية التي تُعتبر جرس إنذار أخير للبنان قبل أن يلحق بركب اليونان وربما أكثر، فما كان منه إلا أن رفع الصوت عاليا وكان له الدور الأبرز من خلال مساعيه وحكمته في تهدئة الأوضاع. وعليه الأيام القليلة المقبلة ستوضح هذا المسار وإلى أين ستصل الأمور. 


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة