الجمعه ٢٩ - ٣ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آب ٣, ٢٠١٩
المصدر : جريدة النهار اللبنانية
سوريا
لماذا كانت واشنطن شبه صامتة إزاء الهجوم على إدلب؟
جورج عيسى
قبل إعلان دمشق موافقتها على وقف لإطلاق النار في إدلب تزامناً مع انعقاد جولة محادثات حول مسار "أستانا" في قازاقستان، برز اختلاف كبير أمكن ملاحظته بين خطاب الإدارة الأميركيّة في أيلول 2018 وخطابها اليوم إزاء الحملة العسكرية على إدلب. في ذلك الوقت، لم يتوانَ الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب ومستشاروه عن إطلاق التهديدات والتحذيرات إزاء أيّ تحرّك من روسيا أو حلفائها ضدّ المحافظة التي يعيش فيها حوالي 3 ملايين شخص نصفهم تقريباً نازحون من مناطق أخرى. تركّز التحذير آنذاك على مخاطر استخدام السلاح الكيميائي. لكنّ المسؤولين الأميركيّين حذّروا أيضاً من مغبّة إطلاق عملية عسكرية واسعة. اليوم يبدو أن الصورة انقلبت، ذلك أنّ الصمت الذي قاطعته بعض بيانات العتب أو التغريدات الرئاسيّة، هو الذي ساد في البيت الأبيض خلال الأشهر القليلة الماضية. فما الذي تغيّر؟

نتائج المعارك

استمرّت الحملة العسكرية التي شنّها الجيش السوريّ على محافظة إدلب ومناطق من حماه منذ أواخر نيسان الماضي وقد أدّت إلى نزوح أكثر من 400 ألف شخص إلى المناطق الحدودية التركيّة. في آب وأيلول 2018، ساهمت التهديدات الأميركية جزئيّاً في توصّل الرئيسين الروسيّ فلاديمير بوتين والتركيّ رجب طيب إردوغان إلى اتّفاق سوتشي الذي قضى بإقامة منطقة منزوعة السلاح بعرض 15 إلى 20 كيلومتراً على حدود المحافظة. وكان من المفترض أن يتمّ القضاء على التنظيمات المتطرفة وفي مقدمتها "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً) في منتصف تشرين الأول 2018. ومع فشل تركيا في تنفيذ المهمّة، أعطت روسيا الضوء الأخضر لشنّ العمليّة بعدما تحدّثت مراراً عن ضرورة استعادة القوات السوريّة سيطرتها على المحافظة.

لكنّ الهجوم العسكريّ لم يكن سهلاً لأنّ التقدّم البرّي لم يسِر بنفس وتيرة القصف الجوّي الذي أمّنه الروس. تغيّر الوضع قليلاً الاثنين الماضي بعدما سيطر الجيش السوري على بلدتي الجبين وتل ملح الاستراتيجية في شمال حماه وقد تبادل الطرفان السيطرة عليهما خلال الأسابيع القليلة الماضية. وحتى مساء الأحد الماضي، وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل حوالي 2800 شخص منذ بداية العمليّات من بينهم 1012 مقاتلاً  (630 جهادياً) و 936 عنصراً من القوات السوريّة والمسلّحين الموالين لها.

"خلط أولويّات"

تعاني إدلب من تحوّلات إقليميّة جديدة والولايات المتّحدة غير بعيدة منها. وفقاً لبعض المحلّلين، منذ أيلول 2018 وحتى تمّوز 2019، تغيّرت نظرة الإدارة الأميركية إلى الملفّ السوريّ بما ينعكس بالضرورة على النظرة إلى العمليّة العسكريّة في إدلب.

"الوضع الإقليميّ الحاليّ أجبر الولايات المتحدة على خلط أولويّاتها". هكذا يستهلّ رئيس "مركز المعلومات الأوروبي-الخليج" (إيجك) ميتشل بلفر تعليقه ل "النهار" حول الرؤية الأميركيّة الجديدة إلى الملفّ السوريّ.

وبما أنّ هذا الملفّ ليس منعزلاً عن الأزمة الإقليميّة المستجدّة وتحديداً التوتّرات في الخليج العربيّ، يمكن فهم آليّة التحوّل في الأولويّات الأميركيّة بحسب بلفر. وهو أوضح أنّ واشنطن بدأت تراعي مصالح روسيا في سوريا لكنّها ضاعفت ضغطها في الخليج العربيّ "من أجل تقييد، وفي نهاية المطاف، دحر النفود الإيرانيّ من هناك".

هل "الهوس" هو الدافع؟

مراعاة المصالح هي جزء من التحليلات التي توقّعت أن تكون موسكو وواشنطن قادرتين على التنسيق في سوريا. في 19 تمّوز كتب الخبير الروسي في الشرق الأوسط والمحاضر الزائر في "معهد موسكو الرسميّ للعلاقات الدوليّة" إيغور ماتفييف أنّ العاصمتين تعملان على إيجاد أشكال من التعاون في سوريا بغضّ النظر عن التوتّر الإعلاميّ بينهما. وذكر في موقع "ألمونيتور" أنّ هذا الأمر "يعكس هوس إدارة دونالد ترامب بردع إيران وتأمين مصالح إسرائيل شرقي المتوسّط".

أضاف ماتفييف أنّ روسيا والولايات المتّحدة تتقاسمان أهدافاً مشتركة في سوريا. و"الهلال" الذي تسيطر عليه إيران شرقي المتوسّط هو "كابوس" للأميركيين وحلفائهم في المنطقة.

من جهته، يعتقد بلفر "أنّ الولايات المتّحدة تعلّمت كيف تستوعب المصالح الروسيّة في شرق المتوسّط وعوضاً عن أن تنظر إليها حصراً من خلال عدسة كونها معتدياً، هي تنظر إلى موسكو كأفضل فرصة لزرع الاستقرار في سوريا من دون خلق فراغ تملؤه إيران وتركيا. هذا يساعد في تفسير ردّ الفعل الأميركيّ الناعم جدّاً للعمليّات في وَحَول إدلب".

"ليس مجّانيّاً"

صحيح أنّ فهم التداخل بين الملفّين السوريّ والإيرانيّ يسهّل إدراك أسباب التعقيدات على طريق حلحلة الوضع الأمنيّ في إدلب بشكل نهائيّ. لكنّ التسليم الأميركيّ بالدور الروسيّ العسكريّ، وربّما السياسيّ لاحقاً، يثير التساؤل عمّا ستحصل عليه الولايات المتّحدة في المقابل.

يرى ماتفييف أنّ موسكو تنظر إلى طهران على أنّها "شريك استراتيجيّ في سوريا". لكنّه أشار إلى أنّ روسيا قلقة من محاولات إيران الأحاديّة للاستثمار في وكلائها ضمن الجيش والأجهزة الأمنيّة وكذلك في المجتمعات الدينيّة والاقتصاديّة وهذا يزيد من تغذية التنافس الروسيّ-الإيرانيّ على الأرض.

بلفر، المحاضر البارز أيضاً في جامعة براغ الميتروبوليّة، يقدّم ل "النهار" وجهة نظر مشابهة حيث يوضح أنّ واشنطن تنتظر من موسكو الكثير في مقابل الاعتراف بدورها. لكنّه يرى أنّ طهران ليست منافساً عرضيّاً لموسكو في سوريا:

"هذا الاعتراف ليس مجّانياً. ستتوقّع الولايات المتّحدة من روسيا أن تحترم مصالحها باحتواء إيران في الخليج. ويجب على هذا ألّا يكون صعباً جدّاً بما أنّ روسيا، وبشكل متزايد، ترى إيران كمنافس استراتيجيّ عوضاً أن تكون شريكاً – في الشرق الأوسط وما وراءه".

إذا تمّ التوصّل فعلاً إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فالتكهّنات عن أسباب هذا التطوّر ستكون مطروحة بقوّة. هل للأمر علاقة ببطء التقدّم الميدانيّ وكلفته أم برسالة أرادت روسيا توجيهها إلى أنقرة حول ضرورة تطبيق اتّفاق سوتشي؟ في مرحلة التحوّلات الإقليميّة غالباً ما تفتقر الأسئلة الكثيرة إلى أجوبة واضحة.


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة