الجمعه ٢٦ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون ثاني ١٩, ٢٠١٩
المصدر : جريدة النهار اللبنانية
سوريا
تعقيدات "المنطقة الآمنة" ... هل سيحصل إردوغان على ما يريد؟
جورج عيسى
إذا تمكّن الرئيسان الأميركيّ دونالد ترامب والتركيّ رجب طيّب إردوغان من إنشاء "منطقة آمنة" في شمال شرق سوريا بعمق ثلاثين كيلومتراً، فقد تدخل المنطقة مرحلة جديدة من تقاسم النفوذ وما يرافقها عادة من تجاذبات كبيرة. فالمنطقة المفترضة قد تبقي جزءاً كبيراً من شمال سوريا خارج النفوذ الروسيّ، كما يمكن أن تسرّع من تواصل الأكراد مع دمشق لو ضمنت تركيا الإشراف المباشر عليها. لكن قبل البحث في التداعيات، كيف انطلقت المفاوضات بين الأميركيّين والأتراك حول هذه المنطقة؟ وكيف أمكن قراءة التهديد الأميركيّ لأنقرة قبل إجراء الاتّصال الهاتفيّ بين الرئيسين؟

هذه الأسئلة وغيرها، أجابت عليها الصحافيّة والكاتبة السياسيّة المتخصّصة في شؤون سوريا والشرق الأوسط إيفا كولوريوتي التي تطرّقت أيضاً إلى الانعكاسات على العلاقات بين الأتراك والأكراد والروس والأميركيّين خلال وبعد إنشاء المنطقة المفترضة.

بداية المفاوضات وحدود المنطقة

بالنسبة إلى كولوريوتي لن يكون التهديد الذي أطلقه ترامب على تويتر مؤثّراً على التواصل بين واشنطن وأنقرة: "بغضّ النظر عمّا قاله ترامب في ملاحظاته عن المنطقة الآمنة والتحذير الموجَّه إلى أنقرة من تداعيات فتح حرب ضدّ الميليشيات الكرديّة في شرق سوريا، من المؤكّد أنّ المحادثات التركيّة-الأميركيّة ستتصاعد خلال المرحلة المقبلة. وفقاً للمعلومات التي أملكها، قام أحمد الجربا، زعيم عشائري مهمّ لمجموعات عربية في منطقة شرق الفرات، بزيارة أنقرة على رأس وفد والتقى بمسؤولين بارزين من وزارة الخارجيّة التركيّة". وأضافت: "وفقاً للمصدر، أتى الوفد بعرض مدعوم أميركيّاً يقوم على تحمّل مسؤوليّة حماية المنطقة الآمنة التي تمتدّ من حدود نهر الفرات على الحدود السوريّة التركيّة وحتى بلديّة المالكية في الجزء الشماليّ للشرق السوريّ القريبة من الحدود العراقيّة بعمق 20 ميلاً (30 كيلومتراً)".

تلقّف إيجابيّ ... ولكن

لم يبرز مانع أمام أنقرة للقبول بهذا العرض، بل أكثر من ذلك، لقي الأخير ترحيباً من الأتراك: "نظرت تركيا بإيجابيّة إلى المقترح بناء على أنّها ستنشر نقاط المراقبة الخاصّة بها في هذه المنطقة. على الرغم من هذا الجواب الإيجابيّ من تركيا، هدّد ترامب في تغريدة بعقوبات اقتصاديّة". لكنّ هذه التهديدات بحسب كولوريوتي لم تأتِ اعتباطيّة بل حملت في طيّاتها بعض الأهداف:

"سعى ترامب إلى توجيه رسالتين، واحدة لطمأنة الأكراد وداعميهم من الأوروبّيّين ومن داخل الكونغرس بأنّه لن يسمح بعمليّة عسكريّة تركيّة ضدّ المليليشيات الكرديّة في المنطقة. الرسالة الثانية كانت موجّهة إلى #تركيا بألّا ترفع سقف مطالبها وبأن تقبل ما هو معروض عليها".

هل فهمت تركيا الشقّ المتعلّق بها من هذه الرسالة؟ إن تمّ الاستناد إلى الهدوء التركيّ النسبيّ في الردّ على التغريدة الرئاسيّة، يبدو أنّ إردوغان كان مستعدّاً للتعامل مع الواقع السياسيّ الذي رسمته الولايات المتّحدة لأنقرة، بما أنّ المسؤولين الأتراك لم يكونوا في الأساس بعيدين عن التصوّر الأميركيّ الذي من المتوقّع أن يصبح تصوّراً مشتركاً خلال الفترة المقبلة. لكن بالنسبة إلى كولوريوتي، "المسألة الأهم هي ما سيحصل تالياً".

مشكلة أخرى

ترى الكاتبة السياسيّة نفسها أنّ "تركيا تتعامل مع المسألة السوريّة عبر حلّ (العقد) خطوة بخطوة لا كحزمة كاملة. رفعت الميليشيات الكرديّة طلباً إلى واشنطن (أواسط الأسبوع الحاليّ) مؤكّدة رفضها للمنطقة الآمنة لأنّها تتضمّن مدينة القامشلي، عاصمتها المستقبليّة. مصير سائر مناطق الشرق السوريّ هو مشكلة أخرى. البيان الحديث ل ‘قوّات سوريا الديموقراطيّة‘ أكّد فشل المحادثات مع نظام (الرئيس السوريّ بشّار) الأسد. من هنا، إنّ ما يقرب ممّا تراه هذه الميليشيات على أنّه مستقبلها هو تشكيل دولتها داخل حدود نهر الفرات والجزء الجنوبيّ من المنطقة الأمنيّة. بالتأكيد، تدرك تركيا وجهات نظر ‘قوّات سوريا الديموقراطيّة‘ الحاضرة على الطاولة. إذا حدث هذا في النهاية، فسيكون بالدعم الأميركيّ الضمنيّ، بالدعم الأوروبّي تحت القيادة الفرنسيّة، وبالدعم الإسرائيليّ".

بحسب هذا التحليل، يفسّر عدد اللاعبين المنخرطين في الملفّ الكرديّ سبب التعقيدات المنتظرة في هذا الإطار. لكنّ روسيا لن تقبل باستثنائها من الحلّ في شمال شرق سوريا حتى ولو كان موقّتاً. من جهة ثانية، إنّ الاعتراف الأميركيّ بدولة كهذه، على الرغم من الاعتراف بنفوذ تركيا الإقليميّ وأمنها الحدوديّ يفتح الباب حول تساؤل جديد طرحته كولوريوتي نفسها: "هل ستقبل أنقرة بهذه الدولة بعيداً عن حدودها مع وجود المنطقة الآمنة؟" قبل أن تجيب: "الجواب واضح".

الدليل في تجربة غير بعيدة

تستند الكاتبة إلى تجربة كردستان العراق، كي تشير إلى أنّ الرفض التركيّ سيكون حازماً: "بغضّ النظر عن واقع أنّ قيادة كردستان العراق، خصوصاً (مسعود) بارزاني، كانت قريبة من أنقرة علناً، وعلى الرغم من انفتاح الاقتصاد والمعلومات التي أمّنتها قيادة كردستان العراق وخصوصاً المعلومات الاستخباريّة، والتي كانت سبباً في إضعاف قوّة وتأثير حزب العمّال الكردستانيّ في جبال قنديل وجنوب شرق تركيا، لم توافق أنقرة على استقلال المنطقة وحتى أنّها قامت بنشر قوّاتها لتفاديه ودعمت تدخّل #طهران وحلفائها العراقيّين لوقفه عسكريّاً. لكنّ الوضع في المناطق السوريّة الكرديّة أكثر تعقيداً وخطورة على تركيا. الميليشيات الكرديّة في سوريا هي يد حزب العمّال الكردستانيّ الذي يشكّل العدوّ الأوّل لأنقرة التي تطارد أبرز قادة هذه الميليشيات".

إذاً، بحسب ما يتبيّن، لن تنهي المنطقة الآمنة التوتّر بين تركيا والمقاتلين الأكراد، ربّما لأنّ أنقرة مدركة لمحدوديّة هذه المنطقة في قدرتها على فكّ ارتباطهم ب "العمّال الكردستانيّ" في تركيا. لذلك أوضحت كولوريوتي: "من هنا، عمليّاً، إنّ خطوة إنشاء منطة آمنة هي تأجيل لمواجهة كرديّة-تركيّة مستقبليّة".

هل أصبح دخول منبج أسهل؟

"حاليّاً، يحاول إردوغان وإدارته الفوز بانتصار ميدانيّ قبل الانتخابات المحلّيّة في 31 آذار، ومن المرجّح أن تكون مدينة منبج الجزء الأضعف من المقاربة التركيّة-الأميركيّة. يُحتمل أن توافق أميركا على إرضاء إردوغان عبر إعطائه ضوءاً أخضر لدخول المدينة. غير أنّ العائق أمام تركيا في هذه المنطقة هو موسكو. وفقاً لمصادر محلّيّة، أرسلت روسيا كتيبة دخلت جنوب مدينة منبج وتمركزت في قرية عريمة. لهذا السبب سيلتقي إردوغان بنظيره الروسيّ (فلاديمير بوتين) في موسكو في الثالث والعشرين من الشهر الجاري لمحاولة أخذ ضوء أخضر لهذا التقدّم. ومع ذلك، لدى موسكو رأي آخر. من المحتمل أنّ الطريق الوطنيّة من حلب إلى اللاذقيّة سيستخدمه بوتين لمحاولة عقد صفقة حول منبج في مقابل جنوب إدلب".

إردوغان واحتمالات النجاح

"في السنتين الأخيرتين، أظهرت أنقرة قدرة عالية في تفادي والحفاظ على مصالحها من دون الاصطدام باللاعبين الدوليّين في الأزمة السوريّة. بالاستناد إلى هذه التجارب السابقة، من المرجّح أن تكون أنقرة قادرة على أخذ ما تريده، لكن تدريجيّاً. إنّ الاتّصال الهاتفيّ، بين إردوغان وترامب يعد يوم واحد على التهديدات بفرض عقوبات اقتصاديّة، تؤكّد عدم راحة إردوغان وعدم رغبة ترامب للدخول في أزمة جدّيّة" بين البلدين.

تؤمّن هذه القراءة إحاطة واسعة بمصير شمال شرق سوريا بعد الانسحاب الأميركيّ. بالمقابل، وبناء على هذا التحليل، يمكن ترقّب تسارع الأحداث في الأيّام والأسابيع القليلة المقبلة. ولعلّ اللقاء المرتقب قريباً بين إردوغان وبوتين سيكون محطّة أساسيّة على طريق تسهيل إنشاء هذه المنطقة ... أو حتى تعقيده.


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة