الثلثاء ٧ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آب ٥, ٢٠١٨
المصدر : جريدة النهار اللبنانية
سوريا
هل يتأثّر اتفاق منبج برفض تركيا إخلاء سبيل برانسون؟
جورج عيسى
"لقد حذّرنا الأتراك من أنّ الوقت قد حان للإفراج عن القسّيس برانسون". ربّما قلّة فقط توقّعت أن يخاطب وزير الخارجيّة الأميركيّ مايك بومبيو الأتراك بهذه اللهجة، هو الذي خاض معهم مفاوضات طويلة لحلّ الخلافات حول مصير مدينة منبج السوريّة. وشدّد بومبيو على ضرورة إدراك أنقرة أنّ العقوبات الأخيرة المفروضة على وزيريها "دليل على تصميمنا". 

مرّت العلاقات بين أنقرة و واشنطن بعدد من المطبّات السياسيّة تعلّق أبرزها بدعم الولايات المتّحدة للمقاتلين الأكراد في سوريا خلال الحرب على داعش. يضاف إلى ذلك عدم قبول الولايات المتّحدة بتسليم الداعية فتح الله غولن المقيم في بنسلفانيا والمتّهم بالتخطيط للانقلاب الفاشل في تمّوز 2016 إلى السلطات التركيّة. وعلى الرغم من إصرار الأميركيّين على عدم تسليم غولن للأتراك طالما أنّهم لم يوفّروا "أدلّة مقنعة"، وعلى الرغم من التهديدات الصريحة التي أطلقها المسؤولون الأتراك ضدّ القوّات الأميركيّة في منبج، حافظ الطرفان على خطوط التواصل بينهما. ولعلّ إحدى ثمار هذا التواصل كانت اتفاقهما على خريطة طريق في منبج، كرّسها وزيرا خارجيّة البلدين بومبيو ومولود جاويش #أوغلو أوائل حزيران الماضي.

انعطافة العلاقة

بدا أنّ الطرفين متّجهان إلى تحسين العلاقات تدريجيّاً، مع ذهاب ضبّاط أتراك إلى قاعدة عسكريّة أميركيّة في تكساس للاحتفال رسميّاً بشراء مقاتلات "أف-35 أي"، علماً أنّ الأتراك قرّروا شراء منظومة أس-400 الروسيّة، ممّا أثار جدلاً خصوصاً بين الكونغرس والبنتاغون. وعبّر القائم بأعمال السفارة الأميركيّة في أنقرة فيليب كوزنيت خلال احتفال بمناسبة الرابع من تمّوز عن "وجود مؤشرات قوية جدّاً إلى أنّ إعادة بناء العلاقة التركيّة-الأميركيّة هي أولويّة مهمّة". والتقى الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب بنظيره التركيّ رجب طيّب أردوغان على هامش قمّة دول حلف شمال الأطلسي في بروكسيل. بحسب عدد من التقارير، تناقش الطرفان حول إطلاق سراح القسّيس الأميركي المحتجز في تركيا منذ تشرين الأوّل 2016 أندرو برانسون، خادم كنيسة بروتستانتيّة في إزمير، وساد التفاؤل داخل أروقة البيت البيض. لكنّ لقاء الرئيسين ثمّ إجراءهما اتّصالاً بعد القمّة لم يعنِ أنّ قضيّة احتجاز برانسون كانت تسير نحو الحلحلة. فقد أخرج القسيس من السجن بسبب تدهور صحّته لكنّه نقل إلى الإقامة الجبريّة، ففرض الأميركيّون عقوبات على وزيري الداخليّة سليمان صويلو والعدل عبد الحميد غول. وردّ أردوغان بتجميد أصول وزيري العدل والخارجيّة الأميركيّين في تركيا.

وجدت أنقرة وواشنطن الجمعة كوّة صغيرة في جدار الأزمة بحسب ما أعلن أوغلو واصفاً محادثات أجراها مع نظيره الأميركيّ على هامش اجتماع وزاريّ إقليميّ في سنغافورة بأنّها "بنّاءة". وفي الوقت نفسه، قال إنّهما ناقشا خطوات مشتركة محتملة حول إدلب ومنبج. من جهتها، قالت أيضاً الناطقة باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة هيذر نويرت إنّ الوزيرين أجريا محادثات "بنّاءة". وقبل توجّهه إلى سنغافورة، كرّر بومبيو تأكيده أنّ الوقت قد حان لعودة برانسون إلى الولايات المتّحدة.

حين هدّدت واشنطن بفرض العقوبات على تركيا، قال الرئيس التركيّ إنّ بلاده لن تتراجع إذا وُوجهت بها منبّهاً الأميركيّين إلى "أنّهم يجب ألّا ينسوا أنّهم سيخسرون شريكاً صادقاً". ويوم الجمعة أيضاً، أعلن أردوغان توقّعه بألّا تتأثر خريطة الطريق حول منبج بالمسائل الأخرى العالقة بين البلدين. لكنّ قدرة الولايات المتّحدة وتركيا على الفصل بين هذه المشاكل تبقى محطّ شكّ لدى عدد من المراقبين.

"ورقة" بيد أردوغان

يرى وزير الخارجيّة التركي الأسبق يسار ياكيس أنّ هنالك مؤشرات لغياب الثقة بين البلدين، وأوّلها وضع برانسون تحت الإقامة الجبريّة. وكتب في موقع "أحوال" التركيّ منذ عشرة أيّام أنّ أردوغان قد يبقي ذلك كورقة بين يديه "في حال احتاج إليها". وأضاف أنّ غياب الثقة قد يؤثّر أيضاً على التعاون الأميركي التركي في سوريا لإخراج "وحدات حماية الشعب" من منبج. "تستخدم أنقرة لغة تصالحيّة حول تطبيق الاتفاق الثنائيّ حول هذا الموضوع، لكنّ عدد مقاتلي وحدات حماية الشعب الذين سيغادرون يبقى لغزاً. هنالك تقارير تقول إنّ العديد منهم سيرجعون من خلال مسارات أخرى".

إنّ مجرّد إمكانيّة استخدام برانسون كورقة تفاوض بحسب تعبير ياكيس يعني أنّ الفصل بين الملفّات الخلافيّة بات على الأرجح بحكم الملغى. يضاف إلى ذلك أنّ الاتهامين الكبيرين الموجّهين إلى القسّيس الأميركيّ، التورّط في محاولة الانقلاب والتعامل مع حزب العمّال الكردستانيّ، قد يدفعان تركيا إلى رفع ثمن مقايضته بالنسبة إلى الأميركيّين، ليشمل ربّما قضيّة منبج. أمّا حديث ياكيس عن "لغز" أعداد المقاتلي الأكراد الذين سيغادرون المدينة فقد يكون متوافقاً مع ما ذكره مصدر من داخل وزارة الخارجيّة التركيّة لوكالة "رويترز" في 16 تمّوز الماضي: "تقارير أنّ حزب الاتحاد الديموقراطي/وحدات حماية الشعب انسحبت كلياً من منبج لا تعكس الحقيقة" كما أنّها "مبالغ بها".

المفتاح... من منبج إلى برانسون؟

في 10 تمّوز، وجد الكاتب السياسيّ التركيّ سميح إديز أنّ تركيا تنتظر أجوبة على الكثير من الأسئلة التي تطرحها حول منبج، لكن لا مؤشرات إلى أنّ أجوبة واضحة قد تخرج إلى العلن قريباً. كذلك، لا شيء يضمن أن تأتي الأخيرة وفقاً لما تحبّه أنقرة، في وقت يشير بعض الصحافة التركيّة إلى أنّ الولايات المتّحدة تؤمّن المزيد من الأسلحة إلى "الوحدات". بالنسبة إلى ما كتبه إديز في موقع "ألمونيتور"، إنّ منبج تحمل مفتاح تحسّن العلاقات الثنائيّة.

لكن اليوم، قد يكون ملفّ برانسون هو ما يحمل تلك المفاتيح. ولغاية الآن، يعتري نهاية هذه القضيّة الكثير من الغموض لجهة موعد حلّها وطريقة تسويتها. ففي هذين العنصرين ما يؤكّد أو ينفي صحّة توقّع الرئيس التركيّ بعدم تأثّر اتفاق منبج بسائر الملفّات الخلافيّة المشتركة.


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة