السبت ٢٠ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ١٩, ٢٠١٧
المصدر : جريدة النهار اللبنانية
لبنان
"ضربة معلّم" للديبلوماسية الفرنسية...كيف حفظ ماكرون ولودريان ماء الوجه للجميع؟
موناليزا فريحة
مع وصول رئيس الوزراء سعد الحريري الى باريس انتهى الفصل الاول من الأزمة الحكومية اللبنانية التي أثارتها استقالته المفاجئة من الرياض. وحصل ذلك بوساطة مباشرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى الرياض والذي يتطلع إلى دور في الازمة الكبرى المتمثلة في التوتر السعودي-الايراني ومنع انهيار الاتفاق النووي الذي نزع الرئيس الاميركي الصدقية عنه. 

Ahlan wa sahlan ...هكذا غرد الرئيس الفرنسي على حسابه على "تويتر" مرحباً بالحريري في الاليزيه مع شريط قصير يظهر الرجلان يصعدان يداً بيد الدرج الداخلي في الاليزيه في طريقهما الى اجتماعهما الثنائي.  وفي تعريدة لاحقة، أكد أن الاهتمام الذي نوليه لاسقرار لبنان هو ثمرة تاريخ العلاقات الشخصية العديدة بين بلدينا.

هذا الترحيب الحار ليس إشارة عابرة في سياق الازمة التي نجحت باريس في تفكيك ألغامها. هو رسالة واضحة ومباشرة للدعم الفرنسي للحريري، واحتفاء بنجاح حققته الديبلوماسية الفرنسية الغائبة منذ فترة عن الشرق الاوسط.

وبغض النظر عن السؤال الابرز المتعلق بمستقبل الحريري، لا بعودته شبه المحسومة الى لبنان، أتاحت مبادرة فرنسا، بحسب صحيفة "الموند الفرنسية، اخراج الحريري من وضع حساس، مع تقديمها "مخرجاً للسعوديين الذي وضعوا أنفسهم في وضع صعب".

واستثمرت باريس صلاتها التاريخية مع بيروت لنسج حل لم يعترض عليه أحد من الافرقاء اللبنانيين ونجح وزير خارجيتها جام-ايف لودريان في تأمين اخراج لائق له.

ويقول الباحث البارز في معهد "إيريس" الفرنسي للأبحاث الاستراتيجية والجيوسياسية كريم اميل بيطار لـ"النهار" إن فرنسا حققت انجازاً ديبلوماسياً في لبنان، ودورها كان اساسياً في خفض التوتر وتأمين اخراج لائق، إذ إنها حريصة على استقرار هذا البلد وابعاده من حرب المحاور.

الواضح أن باريس نجحت في تحقيق هذا الاختراق نتيجة علاقاتها الجيدة مع السعودية. وهي علاقات بدأت مع الرئيس السابق جاك شيراك وتراجعت قليلاً مع الرئيس نيكولا ساركوزي الذي تقرب من قطر، لتعود وتقوى في عهد فرنسوا هولاند.

ويقول بيطار: بعد الجفاء الذي ساد العلاقات بين الرياض وواشنطن خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما، صارت فرنسا أبرز الحلفاء الغربيين للمملكة".

كذلك، اضطلع وزير الخارجية جان إيف لودريان، بدور بارز في هذه الازمة، فهو نسج إذ كان وزيراً للدفاع خمس سنوات في عهد هولاند، علاقات عسكرية قوية مع زعماء المنطقة، بينهم ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد وولي العهد السعودي.

ويقول ادريان ديزوان ، الباحث في العلاقات الدولية والاستراتيجية شؤون مسيحيي الشرق الاوسط إن فرنسا نجحت بين سرية لودريان وإغراء ماكرون، في إنجاز "ضربة معلم" في الشرق الاوسط، موضحاً أن ماكرون استغل وتيرة الأزمة خلال افتتاحه لوفر أبو ظبي ولقائه محمد بن زايد، المؤثر جداً لدى ولي العهد السعودي. ومن أبو ظبي انتقل الى الرياض حيث بحث مع ولي العهد سبل تغيب العقل في الازمة.

والواضح أن جهود الاليزيه بدأت تؤتى ثمارها مساء الثامن من تشرين الثاني في العاصمة الاماراتية. وبحسب صحيفة "الموند":"خلال تناول ماكرون العشاء مع ولي عهد أبو ظبي بعد افتتاح اللوفر، اتصل محمد بن زايد بالامير محمد بن سلمان وحصل منه على موعد للرئيس الفرنسي".

وخلال اللقاء الذي استمر ثلاث ساعات بين ولي العهد السعودي والرئيس الفرنسي في مطار الرياض، بحث الرجلان خصوصاً في ملف لبنان ومصير الحريري الذي كان استقبل قبل ذلك السفير الفرنسي فرنسوا غوييت في منزله بالرياض. وفي الايام التالية، اجرى ماكرون اتصالين هاتفيين بولي العهد السعودي.

ويوم الاربعاء الماضي، بدا أن هذا الفصل من الازمة يقترب من خواتيمه مع اعلان ماكرون من بون أنه دعا الحريري الى الاليزيه. والجمعة، صرح  في حديث صحافي في ختام قمة أوروبية بمدينة غوتبورغ الاسوجية أن "استقبال الحريري غدا يتم بالتشريفات المخصصة لرئيس حكومة، مستقيل بالتأكيد، ولكن استقالته لم تقبل في بلاده بما إنه لم يعد إليها".

وكلن  لودريان تولى الخميس في لقائه مع ولي العهد السعودي والحريري في الرياض اخراج التسوية.

زيارة ماكرون لايران

وتزامنت التسوية المعلنة مع اعلان وزير الخارجية الفرنسي ارجاء زيارته لإيران التي كان يتوقع أن يقوم بها الاسبوع المقبل للتحضير لزيارة ماكرون للجمهورية الاسلامية. كذلك، رفع الوزير الفرنسي في مؤتمر صحافي في الرياض النبرة ضد ايران متهماً اياها ب"محاولة الهيمنة".

كذلك، أبدى الرئيس الفرنسي استعداده "للحوار" مع إيران متمنيا "أن تتبع ايران استراتيجية في المنطقة أقل هجومية وان تتمكن من توضيح سياستها (الصاروخية) البالستية التي يبدو انها لا تخضع لضوابط".

وجاء الرد الايراني سريعاً، إذ قال علي أكبر ولايتي مستشار الشؤون الخارجية لدى المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي أن برنامج الصواريخ البالستية الايراني "لا يمت بصلة" إلى ماكرون.

لبنانيا، يتمثل التحدي المقبل لباريس باعادة الحريري الى بيروت لكي يقدم استقاله بالشكل المناسب.

ولكن باريس المدركة لحجم التوتر بين الرياض وطهران، تعرف جيداً أن الازمة الراهنة في لبنان لن تتبدد بسهولة وهي مرتبطة أساساً بالوضع الاقليمي. من هذا المنطلق قد تكون الزيارة المرتقبة لماكرون لطهران استكمالاً لعودة الديبلوماسية الفرنسية الى الشرق الاوسط.

ويقول بيطار: "تواجه باريس ضغوطاً من شركات فرنسية ومجموعات رجال أعمال لتحسين العلاقات مع طهران . وهناك علاقات تجارية ونووية بين شركات فرنسية وايرانية منذ توقيع الاتفاق النووي بين مجموعة 5+1 وايران". وعلى رغم حساسيات بين البلدين تعود الى الثمانينات، يمكن أن تضطلع باريس بدور وساطة بين طهران وواشنطن والرياض، ولكن زيارة الرئيس الفرنسي لا تزال بحاجة الى مزيد من التحضير.


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة