الجمعه ٢٩ - ٣ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آب ١٨, ٢٠١٧
المصدر : جريدة الحياة
سوريا
زحف قوات الأسد شرقاً يعقد معضلة الغرب في سورية
دخلت الحرب السورية منعطفاً جديداً بسعي الرئيس بشار الأسد إلى مد نطاق سيطرته إلى المناطق التي تتم استعادتها من تنظيم «داعش»، وذلك باستخدام القدرات العسكرية التي أتاحتها له اتفاقات الهدنة المدعومة من روسيا في غرب سورية.

وبدعم من روسيا وإيران، تأمل الحكومة بأن تسبق الفصائل المدعومة من الولايات المتحدة في الهجوم على آخر المعاقل الكبرى للتنظيم في سورية وهو محافظة دير الزور التي تمتد حتى الحدود العراقية. وقد هللت دمشق للسيطرة على مدينة السخنة يوم السبت باعتبارها خطوة كبيرة صوب ذلك الهدف.

وجاء الزحف شرقاً صوب دير الزور، وهو أمر لم يكن متصوراً قبل عامين عندما كانت الشواهد تشير إلى أن الأسد في خطر، ليؤكد ازدياد ثقته ويبرز معضلة الحكومات الغربية التي لا تزال تريده أن يرحل عن السلطة من خلال فترة انتقالية يتم التفاوض عليها.

وقد تراجعت حدة الحرب في الغرب السوري الذي يمثل الأولوية عند الأسد بفضل اتفاقات وقف النار المحلية بما فيها اتفاق كان لموسكو وواشنطن دور فيه في الجنوب الغربي. غير أنه لم تظهر أي بادرة على أن اتفاقات وقف النار ستؤدي إلى إحياء محادثات السلام الرامية إلى توحيد سورية من جديد من خلال التفاوض على اتفاق يرضي خصوم الأسد ويساهم في حل أزمة اللاجئين التي بلغت أبعاداً تاريخية.

بل إن صورة الأسد طُبعت على أوراق النقد السورية للمرة الأولى ويشير سعيه إلى تحقيق انتصار حاسم إلى أنه قد يسدد مدافعه صوب جيوب المعارضة في الغرب، ما إن تتحقق أهدافه في الشرق. وقد تصاعدت الهجمات على معقل للمعارضة بالقرب من دمشق في الشهر الحالي.

وساهم قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف دعم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للمعارضة في مزيد من الضعف لحركة المعارضة في غرب سورية وفي الوقت ذاته، حرم المسؤولين عن رسم السياسات في الغرب من أداة من أدوات الضغط القليلة في أيديهم.

وأصبح هؤلاء المسؤولون لا يملكون سوى الوقوف موقف المتفرج بينما يتزايد النفوذ الإيراني من خلال مجموعة من الفصائل الشيعية بما فيها «حزب الله» اللبناني، وهي الفصائل التي كان لها دور حاسم في ما حققه الأسد من مكاسب ويبدو أنها باقية في سورية في المستقبل القريب لتؤكد بذلك صعود الدور الإيراني.

ويأمل خصوم الأسد الآن بأن يخلص حلفاؤه الروس إلى ضرورة عزله من السلطة مع تزايد ثمن العمل على تحقيق الاستقرار في البلاد وإحجام الغرب عن تقديم الدعم لإعادة الإعمار. وبعد سقوط مئات الآلاف من القتلى وسيطرة فصائل على مساحات من البلاد، يقول خصوم الأسد أن سورية لا يمكن أن تستقر من جديد ما دام هو في السلطة.

وقال رولف هولمبو الباحث في المعهد الكندي للشؤون العالمية وسفير الدنمارك السابق لدى سورية: «ما من شك في أن الروس يريدون حلاً سياسياً للحرب. فالحرب مكلفة بالنسبة إليهم، وكلما طال أمدها تضاءل حجم النجاح بالنسبة إلى (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين».

وأضاف: «غير أن الروس يريدون حلاً بشروطهم وهذا حل يبقي الأسد في السلطة». وتابع: «اتفاقات وقف النار تحقق أمرين. فهي تسمح للروس بالسيطرة على المفاوضات السياسية وتبدو مواتية على الصعيد الدولي. لكن الأهم أنها تسمح للأسد وللفصائل المدعومة من إيران بتخفيف العبء عن القوات بحيث تتفرغ للسيطرة على الأراضي التي يوشك تنظيم «داعش» على خسارتها».

معركة دير الزور

في بعض الأحيان، أدى الزحف شرقاً إلى اصطدام القوات الحكومية وحلفائها المدعومين من إيران بالقوات الأميركية والقوات التي تدعمها الولايات المتحدة في حملة منفصلة على «داعش».

غير أن الحملات المتنافسة تجنبت الصدام في معظم الأحيان. فقد تحاشت القوات الحكومية المنطقة التي تقاتل فيها فصائل مدعومة من واشنطن (يقودها الأكراد) تنظيم «داعش» في الرقة. وشدد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على أنه لا يسعى إلى الحرب مع الأسد.

وتعد محافظة دير الزور التي يشطرها نهر الفرات إلى شطرين، وما فيها من موارد نفطية، ذات أهمية حيوية للدولة السورية. ويسيطر التنظيم بالكامل على المحافظة باستثناء معقل للقوات الحكومية في مدينة دير الزور وقاعدة جوية قريبة. كما أنها قريبة من «قوات سورية الديموقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة.

وقال الناطق باسم «قوات سورية الديموقراطية» طلال سيلو لرويترز أول من أمس، أن القوات ستشن حملة باتجاه دير الزور «في المستقبل القريب» علىرغم أن الميليشيات ما زالت تبت في ما إذا كانت سترجئ هذه الحملة إلى ما بعد تحرير مدينة الرقة بالكامل من التنظيم.

غير أن أسئلة تظل بلا إجابة عما إذا كانت الحكومة وحلفاؤها أو الفصائل المدعومة أميركياً تمتلك القوة البشرية اللازمة لتحقيق الهدف. فقد نقل تنظيم «داعش» كثيرين من مقاتليه وقادته إلى دير الزور. ويقول أعيان العشائر المحلية أن الجيش السوري يعول على دعم فصائل العشائر في زحفه.

وقال معارض سوري يحظى بدعم واشنطن وله دراية واسعة بالمنطقة، أن دير الزور ستكون هدفاً صعباً. وأضاف أن عشائر دير الزور تربطها روابط قوية بعشائر العراق» ووصفها بالتزمت الديني.

وقال أندرو تيبلر الخبير في الشأن السوري في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن الأسد يأمل بأن يستعيد الشرعية الدولية من خلال الحملة التي يشنها على «داعش». وقال: «هم يعتقدون أن في وسعهم بذلك الحصول على أموال لإعادة الإعمار، ويعتقدون أن الأمور ستعود إلى سيرتها الأولى. وهذا لن يحدث».

ولم تظهر أي بادرة على أن الدول الغربية مستعدة لقبول الأسد مرة أخرى، إذ اتهمته واشنطن باستخدام الأسلحة الكيماوية خلال الحرب أكثر من مرة كان آخرها في نيسان (أبريل) الماضي. وتنفي سورية استخدام الأسلحة الكيماوية.

الحكم من «فوق الأطلال»

أطلق هجوم نيسان شرارة هجوم صاروخي أميركي على قاعدة جوية سورية. غير أن الرد الأميركي كان محسوباً لتجنب مواجهة مع روسيا ولم ينتج منه أي تحركات أخرى من هذا النوع.

من ناحية أخرى، جاء قرار ترامب وقف برنامج وكالة المخابرات المركزية لدعم المعارضة في مصلحة الأسد، وكان بمثابة ضربة للمعارضة. وتقول مصادر المعارضة أن البرنامج سينتهي على مراحل في نهاية العام.

وسعت دمشق إلى مواصلة تنفيذ استراتيجية التهدئة في غرب سورية فواصلت إبرام الاتفاقات المحلية في مناطق المعارضة، الأمر الذي أدى إلى انتقال ألوف من مقاتلي المعارضة إلى مناطق أخرى يسيطرون عليها في الشمال.

غير أن مناطق لها أهميتها في غرب سورية لا تزال في أيدي المعارضة وعلى رأسها محافظة إدلب في الشمال الغربي ومنطقة تقع في الجنوب الغربي ومنطقة إلى الشمال من حمص وكذلك الغوطة الشرقية بدمشق.

وفي محافظة درعا في الجنوب الغربي، والتي كانت إحدى مناطق الهدنة التي شاركت في إبرامها الولايات المتحدة وروسيا تسعى الحكومة إلى الحصول على استثمارات لإعادة الإعمار وذلك على حد قول محافظها لصحيفة «الوطن»، إذ قال المحافظ أن «مرحلة القصف» انتهت. وفي ضوء موقف الغرب، تأمل الحكومة بأن تكون الصين طرفاً أساسياً في جهود إعادة الإعمار. وستستضيف دمشق هذا الأسبوع معرضاً تجارياً في إطار مساعيها لإعطاء انطباع بأنها بدأت مرحلة التعافي.

وقال ديبلوماسي غربي: «النظام يحرص حرصاً شديداً على الإشارة إلى أنه لا يكترث ولسان حاله يقول: نحن بخير وعلى استعداد تام فعلياً للجلوس فوق الأطلال والتحدث مع أصدقاء سيساعدوننا في مشروعنا».

وقال مدير الاتصالات في مركز كارنيغي الشرق الأوسط مهند الحاج علي أن أفراد عائلة الأسد «هم أساتذة لعبة الانتظار». وأردف أن الوقت في مصلحتهم.
وقال: «لكن، أمامهم تحديان. التطبيع السياسي مع العالم والتحدي الاقتصادي وهو مهم».


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة