الجمعه ١٩ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: حزيران ٤, ٢٠١٧
المصدر : جريدة الحياة
مصر
قصف درنة يعكس تطور المنظومة العسكرية المصرية
القاهرة – أحمد رحيم 
عززت مصر في الأعوام الأخيرة تسليحها في أفرع القوات المسلحة الرئيسة، فزودت قواتها الجوية سرباً من طائرات «الرافال» الفرنسية قوامه 24 طائرة تسلمت منها 9 طائرات على مدى العامين الماضيين، إضافة إلى تعزيز أسطولها الجوي من طائرات الأباتشي و»إف 16»، فضلاً عن امتلاك طرازات متقدمة من المقاتلة الروسية «سوخوي».

كما شهدت القوات البحرية المصرية نقلة نوعية في تسليحها تمثلت في امتلاكها للمرة الأولى حاملتي طائرات من طراز «ميسترال» الفرنسية ترسو إحداها في البحر الأحمر والثانية في البحر المتوسط، فضلاً عن امتلاكها غواصة ألمانية حديثة تعاقد الجيش المصري على تزويده 4 منها، وتسلم العام الماضي أولاها، وهي نوع من الغواصات يمثل إضافة وقفزة تكنولوجية للقوات البحرية المصرية. كما اشترت مصر فرقاطتين بحريتين من طراز «فريم» الفرنسي.

هذا التطوير في القوات البحرية والجوية رافقه تطوير في تسليح القوات البرية أيضاً، ممثلاً في تطوير صناعة الدبابة «أبرامز» في إطار مشروع مصري- أميركي، فضلاً عن تطوير التسليح الشخصي.

كثير من الصفقات العسكرية المصرية لا تُعلن تفاصيله، لكن الصفقات التي يُمكن اعتبارها إضافة نوعية أو تطويراً غير نمطي لأسلحة الجيش يتم إعلانها، ضمن سياسة تنويع مصادر التسليح التي اتبعتها مصر منذ عام 2013 بعد إطاحة الرئيس السابق محمد مرسي وممارسة الولايات المتحدة ضغطاً على الجيش المصري عبر تعليق واشنطن جزءاً من المساعدات العسكرية المقدمة لمصر.

هذه الصفقات الكبرى التي دخل الجيش المصري بمقتضاها مرحلة جديدة من التصنيف الدولي بامتلاكه للمرة الأولى أصنافاً من الأسلحة لم تكن ضمن منظومته العسكرية، أبرزها حاملات الطائرات، طالما قوبلت بجدل داخلي، إذ تعالت أصوات مطالبة بالحد من التسليح في تلك المرحلة التي تواجه فيها البلاد مشكلات اقتصادية هيكلية، وتوفير النقد الأجنبي لمواجهة تلك المشكلات ودفع الاقتصاد المتردي، لكن الرد غير المباشر على تلك المطالب كان يأتي على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي وقيادات عسكرية لتؤكد أن امتلاك تلك الأسلحة بات ضرورة في ظل ما تعانيه منطقة الشرق الأوسط من تعقيدات وتداخلات، ولحماية الأمن القومي المصري وسط منطقة تموج بالتغيرات والاضطرابات.

الترجمة العملية لتلك التصريحات تمثل واقعاً في الضربة العسكرية الأخيرة التي وجهها الجيش المصري لمعوقل متطرفين في مدينة درنة شرق ليبيا تورطوا في دعم وتدريب عناصر شاركت في مذبحة قتل فيها نحو 30 مسيحياً في صحراء المنيا أثناء رحلة دينية إلى دير الأنبا صموئيل، وفق ما صدر من تصريحات رسمية مصرية.

وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن معلومات دلت على أن معسكرات الإرهابيين في ليبيا تمثل خطراً على الأمن القومي المصري، جازماً بأن منفذي هجوم ليبيا شنوا هجمات سابقة ضد مصر، وأنهم على صلة بالمعسكرات التي قصفت في ليبيا. وحسب مسؤول أمني بارز، فإن منفذي هجوم المنيا يتبعون «خلايا عنقودية داعشية» تورطت في تفجيرات الكنائس التي أرقت مصر في الشهور الماضية.

كل تلك المعطيات دفع مصر إلى ضرورة الرد، على الأقل لـ «ردع» تلك التنظيمات، وهو هدف تحقق في رأي وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي، الذي قال إن الضربة الجوية حققت نتائجها في ردع تلك التنظيمات ومن يدعمها.

القصف المصري بحسب المعلومات المتوافرة، استهدف درنة والجفرة في الوسط، وذلك لتعزيز الوجود العسكري عند مثلث الحدود المصري- الليبي- السوداني، وهي منطقة تمثل تحدياً أمنياً بالنسبة إلى مصر، بسبب وعورة تضاريسها، فضلاً عن استخدامها في تهريب الإرهابيين والأسلحة، ما يفسر انتقال درجة الخطر من المنطقة الشرقية في سيناء إلى المنطقة الغربية، خصوصاً في الجانب الجنوبي من الصحراء الغربية.

لكن يبقى السؤال: هل كان الجيش المصري ليتمكن من الرد في غضون ساعات بتوجيه ضربة جوية ضد معسكرات المتطرفين في درنة من دون التطوير الذي شهده على صعيد التسليح والتدريب في الفترة الأخيرة؟

الإجابة في رأي مسؤول سابق في الاستخبارات ومستشار أمني حالي: «لا».

المستشار الأمني قال لـ «الحياة» إن قصف معسكرات المتطرفين بعد ساعات من قتل المسيحيين عمل ليس سهلاً، لافتاً إلى أن أول دلالة على هذا الأمر أن جهاز الاستخبارات والاستطلاع في الجيش وفي الاستخبارات العامة يمتلك معلومات مدققة عن تمركزات تلك الجماعات التي تقع على بعد نحو 200 كيلومتر غرب الحدود المصرية، ولها قطعاً طرق للوصول الآمن إلى منطقة الحدود على رغم سيطرة الجيش الوطني الليبي على المنطقة من درنة إلى أمساعد الليبية المتاخمة لمدينة السلوم المصرية.

وقال إن البداية تكون دائماً بتدقيق تلك المعلومات التي في حوزة أجهزة الاستخبارات المصرية مع معلومات الجيش الوطني الليبي الذي تدعمه القاهرة، وبعد ذلك يتم البدء بتوجيه الضربة التي يشارك فيها أكثر من 60 طائرة استطلاع وتأمين ومقاتلات وتتم على مراحل، أولاها الاستطلاع وتأكيد المعلومات من خلال طائرات استطلاع تنفذ مهمتها في ظل حماية جوية من الطائرات متعددة المهام التي ترافقها طوال خط السير وفي منطقة العودة، وطائرات لاكتشاف أي تهديدات أرضية وطائرة لتأمين الاستطلاع اللاسلكي وتأمين الأسراب حتى نهاية المهمة، فضلاً عن توفير تأمين إلكتروني بواسطة تشكيلات عدة تمثل أيضاً دعماً إلكترونياً لطائرات الضربة، وبعد الاستطلاع والتأمين يبدأ تنفيذ الضربة الجوية عبر مجموعة من الهجمات الجوية المركزة التي تقتضي تأميناً من القوات البحرية من ناحية الساحل، وهذا التأمين تم على الأرجح من خلال حاملة الطائرات «ميسترال» الراسية في البحر المتوسط.

وأشار إلى أن الضربة الجوية تتم من خلال مجموعة من الهجمات المركزة على أنساق متعددة، منها نسق الحماية والتأمين من الدفاع الجوي المعادي، ونسق الإطلاق، ونسق المسح الذي يقوم بالتأكد من تدمير الأهداف المحددة، ونسق تأمين القوات حال استهداف إحدى طائرات السرب، وهذا النسق يكون جاهزاً لتنفيذ عملية إنزال محتمل لقوات «كوماندوز» من طائرات «الأباتشي» و»الشنوك» لتأمين منطقة التقاط الطيار في حال اضطراره إلى القفز، فضلاً عن أن أسراب «الأباتشي» الهجومي تكون مستعدة دائماً للهبوط لإعادة ملء خزانات الوقود.

وأوضح أن النتيجة المباشرة لتنفيذ الضربة الجوية في درنة بهذا المقدار العالي من الدقة والسرعة تُظهر «كفاءة القوات ومدى التنسيق العالي في العمل الجماعي وارتفاع مستوى التدريب»، لافتاً إلى أن الصفقات العسكرية الأخيرة جعلت مصر قادرة على توسيع مسرح العمليات العسكرية ليطاول نقاطاً خارج أراضيها، وهو أمر بات ضرورياً في ظل الأوضاع التي تشهدها المنطقة حالياً.

وأضاف أن طائرات «الرافال» الفرنسية التي امتلكتها مصر أخيراً هي طائرات متعددة المهام، وتحقق السيطرة الجوية بدرجة عالية، وتملك خصائص فنية وأنظمة قتالية متطورة، فضلاً عن أنها مزودة أنظمة استطلاع وقتال في الوقت ذاته، ويمكنها تعقب العديد من الأهداف الجوية والأرضية وصد الهجمات المعادية.


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة