الأربعاء ٢٤ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ٢, ٢٠١٨
المصدر : جريدة النهار اللبنانية
سوريا
هل تهتمّ موسكو بتشكيل اللجنة الدستوريّة بالرغم من اعتراض دمشق؟
هل تهتمّ موسكو بتشكيل اللجنة الدستوريّة بالرغم من اعتراض دمشق؟
جورج عيسى 

أعادت قمّة اسطنبول تسليط الضوء على عدد من مكامن العقد في الملفّ السوريّ ومن بينها تشكيل لجنة لصياغة مسوّدة دستور جديد للبلاد. عُقدت القمّة بعد أيّام على مباحثات أجراها في دمشق الموفد الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا. لكنّ الأخير أوضح لاحقاً أنّ المباحثات حول تشكيل اللجنة لم تشهد أي تقدّم.

يصعب توقع ما إذا كان دي ميستورا سيستطيع تحقيق خرق في هذا الموضوع قبل مغادرته منصبه نهاية الشهر الحالي. وأعلن الموفد الأممي أنّ الحكومة السوريّة ترفض أيّ تدخّل للأمم المتّحدة في تشكيل اللجنة، علماً أنّه يقع على عاتق المنظمة الأممية تعيين ثلث الأعضاء المستقلّين داخلها، بينما يعود تعيين الثلثين الآخرين إلى الحكومة السوريّة والمعارضة بشكل متساوٍ. خلال جلسة لمجلس الأمن يوم الجمعة الماضي، تحدّث دي ميستورا عن ملخّص مباحثاته مع وزير الخارجيّة السوري وليد المعلم قائلاً: "لم يقبل الوزير المعلّم دوراً للأمم المتّحدة بوجه عام في تحديد أو اختيار ... القائمة الثالثة" مضيفاً أنّ وزير الخارجيّة "أشار إلى أنّ الدستور السوريّ مسألة بالغة الحساسيّة وتتعلّق بالأمن القومي". قد لا يكون كلام المعلّم مستغرباً لأنّه غير مفصول عن مسار النزاع السوريّ الذي ترى دمشق أنّه قد "حُسم" لصالحها. ولهذا السبب ستبذل جهدها لعرقلة تأليف تلك اللجنة.

مؤشرات لفهم موقف موسكو

خلال قمّة اسطنبول، طالب الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون نظيره الروسيّ فلاديمير بوتين بفرض ضغط على دمشق لمنع عملّ عسكريّ محتمل في إدلب. وعلى الأرجح، سيكون على الغرب الطلب من روسيا فرض ضغط مماثل على الحكومة السوريّة من أجل القبول بتشكيل اللجنة الدستوريّة. لكن لا بدّ من وجود مصلحة مباشرة لموسكو كي تفرض ثقلها في هذا الملفّ. غير أنّ رؤية موسكو قد تكون شبه متطابقة مع رؤية دمشق إلى تأسيس لجنة كهذه. فهي ترى أنّ تدخّلها في النزاع السوري سمح لها بتحقيق الانتصار العسكريّ على الأرض وتعزيز دورها الإقليميّ في سوريا وخارجها. بالتالي، قد يؤدّي تأسيس هذه اللجنة إلى تقليص النفوذ الروسيّ في مصير البلاد خصوصاً أنّ ثلثي أعضائها سيكونون غير محسوبين على موسكو.

في الأساس، تمّ الاتّفاق على تأسيس اللجنة الدستوريّة التي ستضمّ 150 شخصية في كانون الثاني الماضي، خلال مؤتمر السلام في سوريا الذي استضافته سوتشي. عُقد ذلك المؤتمر في وقت كانت لا تزال مناطق عدّة خارج سيطرة الحكومة السوريّة، ولذلك يطرح تبدّل المشهد الميدانيّ بشكل كبير خلال 10 أشهر تشكيكاً مشروعاً بأنّ روسيا لا تزال مقتنعة بفكرة تأسيس اللجنة.

على أيّ حال، هذا ما تحدّث عنه ديبلوماسيّون غربيّون خلال جلسة مجلس الأمن يوم الجمعة الماضي حين تمّ التطرّق إلى هذا الموضوع. فقد قالت سفيرة بريطانيا إلى الأمم المتّحدة كارن بيرس: "إمّا أنّ روسيا قدّمت للأمم لمتّحدة ولهذا المجلس ضمانات ثبت أنّها أضعف من أن تلبّيها أو أنّ الأمر برمّته كان ستاراً يهدف إلى تشتيت الانتباه والجهود بينما تواصل روسيا وسوريا وإيران الحملة العسكريّة". أمّا الموفد الروسيّ إلى الأمم المتّحدة فاسيلي نيبينزيا فأعلن أنّه "لا يوجد هنالك أي أساس لوضع مواعيد مفتعلة لتشكيل اللجنة الدستوريّة". وشدّد أيضاً على أنّه "يستحيل فرضها بشروط تتعارض مع إرادة الأطراف السوريّة نفسها".

ليونة من بوتين؟

لا شكّ في أنّ المعنيّ الأوّل ب "الأطراف السوريّة" التي تحدّث عنها نيبينزيا هي الحكومة السوريّة الرافضة لأيّ دور أمميّ مباشر بتعيين أسماء الأعضاء المستقلّين. بالتالي، يعطي كلام نيبينزيا مؤشّراً مهمّاً إلى أنّ دمشق وموسكو متّفقتان حول هذا الموضوع. لكنّ الموقف المتشدّد للسفير الروسيّ أعقبه موقف أكثر ليونة لبوتين خلال قمّة اسطنبول. فهو تحدّث عن "ضرورة إطلاق عمل اللجنة الدستوريّة في جنيف" لكنّه لفت النظر أيضاً إلى ضرورة تمتّعها ب "الشرعيّة". لم يكن متوقّعاً إطلاق بوتين موقفاً متشدّداً خلال القمّة تفادياً للتوتّر واحتمال إفشالها، لكنّه بالمقابل لم يكن كامل الوضوح في الدفع باتّجاه تشكيل اللجنة علماً أنّ لغة البيان نفسها لم تكن كذلك إذ أشارت إلى تأسيس اللجنة الدستوريّة "في حال سمحت الظروف بذلك".

مقاربة مختلفة

قد تكون المؤشّرات الأوّليّة توحي فعلاً بأنّ الروس غير مهتمّين بتأسيس اللجنة. لكن على الصعيد الاستراتيجيّ، حتى مع تحييد عامل النفوذ الذي يمكن للغرب ممارسته في مسألة إعادة الإعمار، يرى البعض أنّ هنالك مصلحة لموسكو في التوصّل إلى دستور جديد للدولة السوريّة. يرى الدكتور مايكل شارنوف، بروفسور مشارك في دراسات الشرق الأوسط في مدرسة دانيال مورغان للدراسات العليا للأمن القومي، أنّ "لدى روسيا مصلحة استراتيجيّة في دستور سوريّ مستقبليّ يؤكّد على العلمانيّة واحترام حقوق الأقليات". ويوضح شارنوف ل "النهار" أنّه "بعد أن استثمرت كثيراً جداً في الحفاظ على الحكومة السوريّة، ستتطلّع موسكو إلى جني الثمار. وستسعى روسيا إلى نفوذ أعظم في المستقبل السياسيّ لسوريا، وإحدى طرق تحقيق ذلك قد تكون عبر التأثير (في إنشاء) لجنة دستوريّة متعاطفة مع هواجس موسكو".

ردّ فعلٍ محتمل لدمشق

إذاً، وفقاً لهذا التحليل، قد يكون هنالك احتمال لدى الكرملين بالقبول في تشكيل لجنة جديدة بشرط إعطائه كلمة وازنة في تشكيلها من خلال تمتّعه، على سبيل المثال، بنوع من الفيتو على بعض الأسماء التي قد تختارها الأمم المتّحدة. لكن ماذا سيعني ذلك بالنسبة إلى دمشق الرافضة لأيّ دور أمميّ في تشكيل اللجنة؟

بالنسبة إلى شارنوف، قد لا يمرّ هذا الأمر بسهولة لدى الرئاسة السوريّة: "على الأرجح، سيرفض الأسد الاقتراحات الروسيّة وهذا قد يعقّد الروابط الثنائيّة السوريّة والروسيّة".


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة