الجمعه ٢٩ - ٣ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: حزيران ٨, ٢٠١٨
المصدر : جريدة النهار اللبنانية
مصر
"المواطنون الشرفاء" أداة "سرية" لترويع المعارضة بمصر... من هم ومن يحركهم؟
القاهرة- ممدوح وافي 
تحدث مشاركون في إفطار "الحركة المدنية الديمقراطية" المصرية المعارضة، في مقر النادي السويسري بمحافظة الجيزة، أول أمس، عن هجوم عنيف تعرضوا له من مجموعة من البلطجية، قاموا بقلب الطاولات والطعام على الأرض، وطاردوا الضيوف، وأصابوا بعضهم بجروح متباينة، وصاحب الهجوم هتاف "تحيا مصر يا خونة يا عملاء".

ومنذ سنوات بات الوصف الأكثر تداولا للأشخاص الذين يهاجمون المعارضين السياسيين في مصر، هو "المواطنون الشرفاء"، وهو وصف أصبح ينم عن سخرية سياسية، رغم أنه بدأ أول الأمر كجزء من الخطاب الإعلامي الذي تبنته وسائل إعلام محسوبة على السلطة، تظهر من خلاله رفض المصريين لرؤية المعارضة، وتأييدهم الجارف للنظام الحاكم. 

وقالت الحركة المدنية في بيان لها، عقب الهجوم: "أثناء إقامة الحركة المدنية الديمقراطية لحفل إفطار بالنادي السويسري بحي الكيت كات بالجيزة، حصل هجوم عاصف من بلطجية المواطنين الشرفاء، إذ قام حوالي ٢٠ بلطجياً شريفاً بتدمير البوفيه، ورشقوا الحضور بالأطباق الصيني والسلاطين والكراسي، وقد أصيب من جراء ذلك الهجوم عدد من الحاضرين بإصابات مختلفة أخطرها إصابة فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي في رأسه ".

وأشار البيان إلى أن "المشاركين في الإفطار بلغ عددهم حوالي مئة مشارك بينهم وزراء سابقون: د. احمد البرعي، د. عمرو حلمي، كمال أبو عيطة، وسفراء: شكري فؤاد، معصوم مرزوق، وأعضاء برلمان حاليين وسابقين، ورؤساء أحزاب سياسية مدنية، وعدد من قادة الأحزاب، وقادة الفكر والإعلام، والأكاديميين، وشخصيات عامة، ونشطاء مجتمع مدني". 

تاريخ "الشرفاء"

في العام 2013، تردد وصف "المواطنين الشرفاء" في وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي بمصر كثيراً. وكان الوصف يطلق في بداية الأمر على الأشخاص الذين يتصدون لتظاهرات الإسلاميين من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، القيادي بجماعة "الإخوان المسلمين".

وبمرور الوقت بات وصفاً متداولا في وسائل الإعلام المحسوبة على السلطة، ويطلق على المجموعات التي تهاجم التجمعات السلمية والشخصيات المدنية المعارضة للنظام الحاكم، أو حتى الرافضة لبعض سياساته المثيرة للجدل.

واستخدم الوصف في السنوات الأخيرة بكثافة، خاصة عام 2016 إبان التظاهرات المعارضة لتسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، وتظاهرات نقابة الصحافيين المصريين ضد اقتحام قوات الشرطة لمقرها، وإلقاء القبض على صحافيين اثنين كانا متحصنين في مقر النقابة بعد علمهما بمطاردة الأمن لهما.

وكان موقع صحيفة "الفجر" المصرية نشر تقريراً بعنوان "الصدفة تقود (الفجر) لكشف لغز بلطجية العشوائيات في عمومية الصحافيين"، وذلك في 5 أيار 2016، يوضح أن واحدة من "المواطنين الشرفاء" الذين حاصروا الصحافيين في نقابتهم، ووجهوا لهم ألفاظا مخلة بالآداب العامة، وإشارات بذيئة، واعتدوا عليهم في بعض الأحيان أمام رجال الشرطة، كانت قد أجرت لقاء مع الصحيفة، كواحدة من سكان منطقة "تل العقارب" العشوائية التي صدر قرار بإزالتها، وقالت إنها أمضت 10 سنوات في السجن، وتعيش مع شقيقتها التي كانت سجينة أيضاً، وطالبت الصحيفة بايصال ندائها الى المسؤولين.

وقال خالد داود، رئيس "حزب الدستور" وأحد المشاركين بحفل إفطار النادي السويسري في تدوينة له على صفحته بموقع "فايسبوك": "ما شهدته اليوم يتجاوز أسوأ عصور مبارك انحطاطا، حيث إن الأساليب قديمة، واعتداءات البلطجية معهودة، ولكن ليس لهذه الدرجة. التجمع كان مناسبة اجتماعية بحتة، إفطار في شهر رمضان المبارك كما يفعل ملايين المصريين، لم يكن تظاهرة أو مؤتمراً سياسياً (...) نعم الغالبية تعارض النظام الحالي وسعيه الحثيث لإعادة بناء أسوأ نمط للدول الديكتاتورية، ويهدر أموالنا المحدودة، وما زلنا نتمسك بحقنا وأملنا في بناء مصر العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ونحذر من عواقب السياسات الحالية".

من يديرهم؟

لا أحد يملك دليلاً قاطعا على من يستخدم "المواطنين الشرفاء" لترويع المعارضين، لكن المؤكد والثابت من الشهادات المتواترة، ومقاطع الفيديو المصورة، هو أنهم يستهدفون قوى المعارضة بصورة محددة، وأن ظروفهم المعيشية في المناطق العشوائية شديدة الفقر، ومستوياتهم التعليمية المتواضعة أو المنعدمة، لا توفر لهم رفاهية تكوين رؤية سياسية واضحة ومناهضة لقوى المعارضة، ومتابعة فعالياتها السياسية عن كثب، ومعرفة مواعيد وأماكن تجمع المعارضين للسلطة، حتى وإن كان حفل إفطار على نطاق ضيق، وجهت إليه دعوات محدودة لشخصيات محددة.

ونشر الحقوقي جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، مجموعة من الصور لحادث النادي السويسري، وقال في تغريدة له على صفحته بموقع "تويتر": "آثار آخر هجوم للمواطنين الشرفاء اليوم ضد رؤساء أحزاب، ووزراء سابقين، وصحفيين، وأدباء، بإفطار في النادي السويسري، نفس المواطنين الشرفاء بموقعة الجمل، العباسية، مظاهرات الأرض. أفلتوا من العقاب سابقا ففعلوها اليوم. مفيش دليل أنهم تابعين للنظام؟ جايز، لكنه دليل فشل النظام في حماية المواطنين".

وإذ لا دليل موثوقاً يثبت تبعية "المواطنين الشرفاء" للنظام الحالي، إلا أنه في أعقاب ثورة 25 كانون الثاني 2011 التي دفعت الرئيس الأسبق حسني مبارك إلى التنحي، نشرت تقارير تتهم وزارة الداخلية في عهد مبارك، بأنها تدير قرابة 400 ألف بلطجي ومسجل خطر، لقمع المعارضة، وللتحكم في الانتخابات.

وأشارت مواقع إخبارية في أعقاب الثورة، إلى أن عددا من "المواطنين الشرفاء" لهم سجلات إجرامية مدونة بوزارة الداخلية، ووجهت أصابع الاتهام لأجهزة أمنية تديرهم في الخفاء، بهدف ترويع المعارضين للسلطة، دون إقحام نفسها في المشهد بصورة مباشرة، تجنبا لانتقادات حقوقية وإعلامية دولية.

وكان الاتحاد الأوروبي وجه انتقادات لأوضاع حقوق الإنسان والحريات في مصر نهاية الشهر الماضي، بعد توقيف السلطات لعدد من المعارضين والنشطاء السياسيين، وقالت وزارة خارجية الاتحاد "إن المدافعين عن الحقوق الأساسية والديمقراطية يجب ألا يخشوا التعرض لرد. ننتظر من السلطات المصرية أن تحترم الدستور المصري والالتزامات الدولية".

ورفضت القاهرة الانتقادات واعتبرتها غير موفقة، وقالت وزارة الخارجية المصرية: "إن لا مواطن في مصر يتم القبض عليه أو محاكمته بسبب ممارسته نشاطاً في مجال حقوق الإنسان، أو لتوجيهه انتقادات ضد الحكومة المصرية، وإنما لاقترافه جرائم يعاقب عليها القانون".

ووسط هذه السجالات، والأحداث، تبقى هالة من "السرية" محيطة بـ"المواطنين الشرفاء"، لا أحد يعرف على وجه اليقين من يستخدمهم، والسلطة لا تجري تحقيقاً حاسما حول من يسخرهم في ترويع المعارضة. وتعيد هالة السرية هذه إلى الذاكرة، واحدة من أطرف القصص السياسية الساخرة في مصر، وهي قصة "المطار السري" الذي تحولت منطقته بمرور الوقت إلى محطة شهيرة يعرفها كل المصريين في أعقاب نكسة العام 1967، وأصبح سائقو الحافلات ينادون عند الاقتراب منها: "المطار السري" حد نازل "المطار السري"؟ لكن السلطة التي أدت سياستها إلى النكسة، حينها، ظلت مصرة على أنه سري، ويحاكم من يقترب منه أو يصوره.


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة