السبت ٢٠ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيار ١٣, ٢٠١٧
المصدر : جريدة الحياة
سوريا
سجون «هيئة تحرير الشام» تشبه سجون النظام... مع تعذيب «أيديولوجي»
سلطان جلبي 
«كنت معصوب العينين حين أنزلوني من السيارة، لم أعرف أين أنا والزنزانة المنفردة التي أدخلوني إليها كانت أشبه بكوخ دجاج، هناك بقيت أياماً عدة في الظلمة من دون طعام أو شراب أو حتى فرصة لدخول الحمام حتى شارفت على الموت». هكذا بدأ اعتقال جميل عفيسي طالب الحقوق المنقطع عن سنته الدراسية الأخيرة بسبب مشاركته في تنظيم التظاهرات في 2011، والذي أصبح قائداً لمجموعة من الثوار في 2012، والقائد العسكري للواء شهداء معرة النعمان التابع للجيش السوري الحر في عام 2014. حينها كان والده العقيد المنشق هيثم عفيسي قائداً عاماً للواء ونائباً لرئيس هيئة أركان الجيش الحر. وهي ذات السنة التي جرى احتجازه في نهايتها من قبل جبهة النصرة حيث قضى عاماً وثمانية أشهر متنقلاً بين عدد من سجونها الأمنية والسرية. كانت حرب النصرة ضد فصائل الجيش الحر قد بدأت للتو بالقضاء على جبهة ثوار سورية أكبر فصائل إدلب، وامتدت الحرب حتى مطلع 2017 بالقضاء على سبعة عشر فصيلاً آخر، وكان جميل من أوائل ضحايا تلك الحرب التي ابتلعت مئات من الضباط المنشقين وقيادات الجيش الحر، والشخصيات السياسية بطبيعة الحال، وآلافاً من العناصر حتى أن البعض يقدر عدد مقاتلي الجيش الحر الذين لجأوا إلى الأراضي التركية خلال عامين بأكثر من ستة عشر ألفاً.

شكلت السجون الأمنية لجبهة النصرة، التي تُعرف اليوم هيئة تحرير الشام، أداة فتاكة في تلك الحرب، وهي تختلف عن السجون «المدنية» التابعة لجهازها القضائي المعروف بدور العدل، فالأولى مستقلة وتدار من قبل جهاز أمني سري يضم المهاجرين في مناصبه الشرعية والقضائية والسوريين في مناصبه التنفيذية. ينفذ هذا الجهاز المداهمات والاختطافات وما يلحقها وفق أوامر تأتي من القيادة العليا للنصرة في شكل مباشر بحسب ما يقول عاصم زيدان، مدير صفحة «انتهاكات جبهة النصرة» التي وثقت أكثر من 1625 حالة اعتقال من قبل هيئة تحرير الشام خلال العامين الماضيين. ويضيف عاصم أن «أول وأشهر تلك السجون هو سجن العُقاب في منطقة جبل الزاوية جنوب إدلب والذي بدأت الناس تعرفه منذ 2015، قبله عُرف سجن حارم، كما أن هناك سجناً أمنياً في سرمين وآخر في دركوش وغيرها العديد. وهي أشبه بأفرع الأمن عند النظام تملك كل الصلاحيات وتحتجز الأشخاص لأشهر وربما لسنوات من دون حتى الإفصاح عن وجودهم عندها».

ويقول مسن من أهالي جبل الزاوية: «الشخص إذا اعتُقل فلا خوف من ذلك، أما إذا أختطف... ندرك أنه بات في العُقاب». لقد استهدفت تلك السجون وأجهزتها في شكل خاص مراكز القوة في المجتمعات المحلية المناهضة لهيمنة هيئة تحرير الشام بغية ترهيبها، كما استُخدمت الاعتقالات وفي شكل منهجي كمصدر للمال من خلال الفديات الضخمة التي تشترطها للإفراج عن بعضهم. وقد اتفق كل من تحدثنا إليهم حول هذا الموضوع أن المساومات المالية عبر وسطاء محليين تلعب دوراً حاسماً في معظم الحالات، خصوصاً إذا كان المعتقلون من التجار أو أصحاب الأموال.

عصة القبر

بعد تسعة أيام قضاها جميل عفيسي في كوخ الدجاج نقل إلى سجن أكبر، عرف في ما بعد أنه سجن حارم، حوالى ثلاثة ساعات ونصف قضاها معصوب العينين ويتلقى الضربات بين الفينة والأخرى في السيارة وهم يقولون له سنأخذك إلى دوار النعيم في الرقة، وهو المكان الذي اعتاد داعش أن ينفذ فيه أحكام الإعدام. لكنه وصل أخيراً إلى السجن المذكور، وفي أول حديث تبادله مع مسجون آخر في المنفردة المجاورة قال جميل إنه قائد لواء في الجيش الحر فأجاب الآخر: «راحت عليك».

أساليب التعذيب التي وصفها عدد من الناجين من هذه السجون تبدأ من الضرب بأنابيب السباكة والكابلات إلى تعليق المحتجز من اليدين أو القدمين لمدة أيام. هناك أيضاً الدولاب الشهير وهناك عصة القبر، والأخيرة أشبه بتابوت عمودي مصغر يحشر فيه المعتقل مطوياً ويطبق الباب ثم يضغط الطرف الآخر على جسده لتضيق المساحة أكثر، البعض قضى أياماً في هذا القبر. لكن كل هذا التعذيب لا يهدف بالضرورة إلى أخذ اعترافات أو معلومات. فخلال شهرين قضاهما جميل في سجن حارم تعرض لعشرات من نوبات التعذيب من دون أن يطرح عليه سؤال واحد، «لم أكن أرى وجوه من يضربونني لكن أصواتهم كانت توحي أنهم مراهقون لم يتجاوزوا السادسة عشرة، بعضهم كانوا يتبادلون الأحاديث حول مسائلهم العائلية والبيع والشراء أثناء تعذيبي. يبدأ الضرب وأنا واقف ثم أنهار فأسقط أرضاً فيستمر الضرب حتى أفقد الوعي فأصحو عارياً في غرفة قذرة مليئة بآثار دماء آخرين سبقوني. بعض الأحيان كانوا يعلقونني من ذراعي أو من قدمي ويتركونني ليومين أو ثلاثة».

التعذيب الجسدي هو الجانب الأسهل بحسب أيمن داهش الذي هرب من سجن معرة النعمان بعد تعرضه للقصف، وكان قد قضى خمسة أشهر ونصف في سجن حارم وهو أيضاً كان محظوظاً بأن تم تحويله إلى سجن تابع لأحد «دور العدل». يصف أيمن صراخ الناس وهم يتعرضون للتعذيب كم كان مرعباً، والمرعب أكثر صوت فتح باب الزنزانة الذي يعني أن أحدهم على وشك أن يبدأ بالصراخ، لكنه يضيف: «لم أكن أخاف من الألم بل خفت من الذل».

جميل كان شاهداً على مقتل قائد إحدى الكتائب التابعة للوائه تحت التعذيب في سجن حارم، كان جميل معلقاً من قدميه في نفس قاعة التعذيب حين قُتل إبراهيم خشان المعروف بأبو عمر على يد أحد المحققين. «كنت أسمع إبراهيم يصيح أرجوك لا تضربني على بطني لقد أصبت برصاصتين في معركة تحرير معرة النعمان... بعدها تعالى صراخ إبراهيم مع أصوات الضرب كأن أحداً بدأ يقفز فوق بطنه، ثم تحول الصراخ إلى غرغرة ومات الرجل».

لا يعرف على وجه الدقة عدد السجون الأمنية في مختلف مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، خصوصاً أن العديد منها سري، وبالطبع لا يمكن معرفة عدد المحتجزين في أقبيتها ومغاورها المحفورة تحت الأرض، الناجون من بقع الجحيم تلك هم مصدر المعلومات الوحيد عما حدث ويحدث. أبو يوسف وأبو خديجة وأبو عمر وغيرها أسماء كثيرة لمجهولين اعتقلوا وقتلوا وعذبوا إلى آلاف السوريين من مناهضي هذا التنظيم وآخرين أبرياء حتى من هذا الذنب. جميل أيضاً كان من المحظوظين بالنجاة، خرج إثر تظاهرات وضغط شعبي واسع بعد أن كانوا يفاوضون عائلته على مبلغ مليون دولار مقابل إطلاق سراحه. لا يزال حتى اليوم يعالج الأضرار التي أصابت جسده ويروي حكايات الاحتجاز كأنها أهوال يوم القيامة.



 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة