الأحد ٥ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ٢٩, ٢٠١٧
المصدر : جريدة الحياة
اليمن
الميليشيات تحتكر تجارة الأغذية في صنعاء
صنعاء - عادل عبدالله 
لم يدخر تحالف الحوثي - علي صالح، الذي انقلب على السلطات الشرعية في صنعاء، وسيلة لابتزاز المواطنين القاطنين في المحافظات التي لا تزال تحت سيطرتهم، وتجريعهم الويلات، بفعل استحواذ الميليشيات على كل موارد الدولة، وإيقاف صرف مرتبات الموظفين لسبعة أشهر، وفرض الإتاوات الباهظة على التجار والمستوردين، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية والخدمات إلى مستويات قياسية، لتتفاقم معها الأزمة الإنسانية، التي دفعت بحوالى 18 مليون يمني إلى دائرة العوز والمجاعة، وفق تقديرات المنظمات الدولية.

آخر وسائل الابتزاز جاءت في شكل قرار لحكومة الانقلاب المشكلة مناصفة بين الحوثيين وحزب الرئيس السابق علي صالح، والتي أقرت نظاماً جديداً لصرف المرتبات، تصرف بموجبه مواد غذائية للموظف بما يوازي نصف راتبه الشهري، إلى جانب صرف 30 في المئة من الراتب نقداً، و20 في المئة تودع في حساب توفير بريدي يفتح للموظف، ووفق التصريحات المعلنة لأعضاء الحكومة، فإن جميع الترتيبات المتعلقة بصرف المواد الغذائية استكملت، وتقوم مختلف مؤسسات الدولة مدنيةً وعسكريةً بمنح كل موظف «بطاقة سلعية» تثبت هويته، وقسائم شراء بمبالغ مالية متفاوتة تساوي في مجملها نصف راتبه.

ووفق قرار الحكومة الانقلابية، فإن «العمل بنظام البطاقة السلعية إلزامي لمختلف مؤسسات الدولة، واختياري بالنسبة للموظفين»، وطلبت وزارة التجارة والصناعة التي تشرف على المـــشروع، من الجهات الحكومية التوجه إليها للحصول على الأوليات الخاصة بالاشتراك في نظام البطاقة السلعية، وإنزال إعلان في كل جهة للموظفين الراغبيـــن في الاشتراك، وإعداد كشف مالـــي بالموظفين المسجلين، يتضمن سقـــوفهم المالية والمبلغ الإجمالي، وتوقيع العقد مع التاجر الذي اتفقت معه الحكومة لتزويد الموظفين بالمواد الغذائية، وتحرير شيك بالمبلغ المطلوب لمصلحة التاجر، وقيده في حسابه طرف البنك المركزي، حتى تتمكن الجهة من استلام قسائم الشراء من التاجر وتوزيعها على موظفيها.

وعلى رغم عدم إلزام الحكومة للموظفين بالحصول على البطاقة السلعية، إلا أنها تجبرهم على الاشتراك لعدم وجود بدائل أخرى للحصول على حقوقهم المالية، حيث أكدت الحكومة التزامها بقيد نصف الراتب للموظف الذي لا يرغب في الحصول على مواد غذائية، في حسابه البريدي من دون أن يسمح له بالسحب من هذا الحساب، ما يعني حرمانه من الراتب، بخاصة مع الاعتقاد السائد في أوساط موظفي الدولة، أن حكومة الانقلاب لن تلتزم بدفع الـ30 في المئة من الراتب نقداً وفق قرارها، وستكتفي بنصف الراتب المخصص للمواد الغذائية فقط، والذي يفتح أمامها باباً جديداً وواسعاً للفساد، ويتيح لها ابتزاز موظفي الدولة بكل حرية.

وتتضح صورة التلاعب أكثر، من خلال اتفاق الحكومة مع تاجر واحد مغمور وغير معروف في الأوساط التجارية، هو أبو نبيل القرماني ليكــــون المتعهد الوحيد، ويقوم بدوره بعقد اتفاقات أخرى مع المولات وكبار المـــوردين والتجار، تمنحهم حق تزويد موظفـــي المؤسسات بالمواد الغـــذائية، ويتـــولى هو سداد القيمة للتجار والموردين، ما يكشف وفق مصــادر اقتصادية عجز المتعهد الوحيد عــن توفير المواد المطلوبة لجميع الموظفين، وفي الوقت ذاته يرفع أسعار السلع، من خلال إضافة نسبة على الأسعار لهذا التاجر ومن يقفون خلفه، وهو الهدف من هذه العملية برمتها.

وتؤكد المصادر الاقتصادية التي تحدثت إلى «الحياة» أن حصر تزويد موظفي الدولة في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين على تاجر واحد، يتعامل مع كبار المولات والموردين والتجار، من شأنه «إلحاق الضرر الفادح بصغار التجار وأصحاب البقالات والمحلات الصغيرة، الذين سيواجهون الكساد، باعتبار أن جميع الموظفين سيحصلون على احتياجاتهم من المواد الغذائية، مقابل نصف الراتب من الموردين المتفق معهم، وبالتالي سيكون الإفلاس مصير صغار التجار المنتشرين في الأحياء والشوارع الفرعية، الذين قد يضطر أغلبهم إلى إغلاق محلاتهم، نتيجة توقف الإقبال عليها ما سيجعلهم عاجزين عن تحمل نفقات الإيجار والضرائب والإتاوات التي تفرضها عليهم الميليشيات».

كما أن إجبار الموظفين على استلام مواد غذائية مقابل نصف الراتب، وعدم صرف النصف الآخر سيدفعان الموظفين للدخول في «مواجهات مع مالكي المنازل التي يستأجرونها، والذين يطالبونهم بالإيجارات المتراكمة عليهم منذ سبعة أشهر، وفق تأكيد العديد من الموظفين الذين تحدثوا إلى «الحياة»، ويقولون إن هناك احتياجات أخرى لا تقلّ أهمية عن المواد الغذائية، مثل «الغاز المنزلي، والمياه، ومواجهة نفقات العلاج، والوفاء بالرسوم والمستلزمات الدراسية لأولادهم، ورسوم الانتقال بوسائل النقل العامة، أو البنزين لمالكي السيارات الخاصة، وكلها تحتاج المال الذي لا يحصلون عليه من مرتباتهم، ما يعني أن المشكلة والمعاناة ستبقيان قائمتين لفترة طويلة، بخاصة والاتفاق الموقع مع التاجر لمدة عام كامل».

مصادر مطلعة في حكومة الانقلاب كشفت لـ «الحياة»، أن الحكومة «صرفت للتاجر القرماني مبلغ 10 بلايين ريال يمني كدفعة أولى، من قيمة المواد الغذائية، التي من المتوقع أن تصل قيمتها شهرياً إلى بين 15 و20 بليون ريال»، وأضافت المصادر أن الجهات الحكومية ملزمة بموجب الاتفاق، «بتحرير شيكات للتاجر بما يساوي نصف الراتب الإجمالي لموظفي كل جهة، وقيده في حسابه لدى البنك المركزي في صنعاء، وفروعه في المحافظات التي تسيطر عليها ميليشيات الحوثي وصالح، قبل الحصول على قسائم الشراء التي سيتم توزيعها على الموظفين، ليتمكنوا من الحصول بموجبها على المواد الغذائية من التاجر المحدد لهم».

وأكدت المصادر الحكومية أن «صرف الدفعة المقدمة للتاجر، وتحرير الشيكات باسمه من مختلف الجهات بنصف رواتب الموظفين، يكشفان أن السيولة النقدية متوافرة لدى الحكومة والبنك المركزي في صنعاء، وأن المتعهد وكل التجار والموردين الذين سيمنحون حق تزويد الموظفين بالمواد الغذائية، سيستلمون حقوقهم مقدماً ولن يبيعوا هذه المواد بالآجل كما أشيع في أوساط الموظفين»، وتساءلت المصادر: «لماذا إذاً لم يصرف نصف الراتب نقداً للموظفين؟!، ومنحهم الحرية لترتيب أولوياتهم في إنفاق نصف الراتب وفق احتياجاتهم، بدلاً من إجبارهم على شراء مواد غذائية بنصف الراتب كاملاً».

وتابعت المصادر: «إن الفساد هو السر الكامن وراء كل ذلك، حيث تهدف الميليشيات من هذه الخطوة إلى جعل الحركة التجارية تتركز في فئة قليلة من التجار، وبالتالي مضاعفة أرباح هذه الفئة في شكل كبير جداً، ما سيمكن الميليشيات من مقاسمة هؤلاء التجار، الأرباح التي ستدرّها عليهم عملية تحريك مبلغ كبير يصل إلى نحو 20 بليون ريال شهرياً»، وأوضحت المصادر أن «التاجر القرماني والذي بات المتعهد الوحيد لتزويد موظفي الدولة بالمواد الغذائية، يمثل واجهة فقط لنشاط الميليشيات الحوثية في القطاع التجاري، والتي تسعى في شكل محموم للسيطرة على مختلف الأنشطة التجارية في البلاد».

وأشارت المصادر إلى أن الميليشيات الحوثية سبق وسيطرت «في شكل كامل على تجارة المشتقات النفطية، وغزت سوق الأدوية بالعديد من التجار الجدد، وفتحت عشرات الشركات العاملة في تداول وصرف العملات، وأعداد كبيرة من المعارض الجديدة لتجارة السيارات المنتشرة في مختلف شوارع العاصمة صنعاء والمحافظات الأخرى، كما استولت في شكل كامل على موارد الدولة من الجمارك والضرائب والاتصالات، وها هي اليوم تبسط يدها على النشاط التجاري المتخصص في المواد الغذائية الأساسية والاستهلاكية، ما يعني أنها تسعى في شكل محموم لاحتكار السوق والسيطرة عليه في مختلف المجالات، من دون أي اعتبار أو رحمة بأصحاب الرأسمال والعاملين في مختلف الأنشطة التجارية».



 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
الحوثيون يطردون آخر الأسر اليهودية من اليمن
الحكومة اليمنية تقر برنامجها بانتظار ثقة البرلمان
التحالف يقصف معسكرات للحوثيين بعد أيام من الهجوم على أرامكو
الأمم المتحدة: سوء تغذية الأطفال يرتفع لمستويات جديدة في أجزاء من اليمن
الاختبار الأول لمحادثات الأسرى... شقيق هادي مقابل لائحة بالقيادات الحوثية
مقالات ذات صلة
هل تنتهي وحدة اليمن؟
عن المبعوث الذابل والمراقب النَّضِر - فارس بن حزام
كيف لميليشيات الحوثي أن تتفاوض في السويد وتصعّد في الحديدة؟
الفساد في اقتصاد الحرب اليمنية
إلى كل المعنيين باليمن - لطفي نعمان
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة