الجمعه ٢٩ - ٣ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آذار ١٦, ٢٠١٧
المصدر : جريدة الحياة
سوريا
مهجّرو حلب ينتشرون في شمال سورية وبعضهم إلى تركيا
آلاء عوض 
كثيرة هي القصص والمآسي التي حلّت بأهالي حلب قبل تهجيرهم قسراً قبل نحو شهرين، وتحمل التغريبة الحلبية في طياتها آلاماً وأوجاعاً كشفت جدران المنازل بعضها في مشاهد خروج الأهالي وبعضها الآخر لا يزال مستتراً.

تفيد معلوماتٌ واردة من ناشطين هُجّروا قسراً إلى أن الفترة التي سبقت التهجير والتي اشتدت فيها وتيرة قصف النظام وحلفاؤه على المدينة، شعر الأهالي أن اجتياح حلب بات وشيكاً، فزحف الكثير من العائلات إلى مناطق سيطرة النظام، بعضهم استأجر بيوتاً والقسم الأكبر توجه إلى مخيم (جبرين) القريب من المطار، فيما سربّت القصص في تلك الفترة أن النساء هربن إلى مناطق النظام الغربية خوفاً من دخول (الشبيحة) المدينة واغتصابهن.

وبمقاطعة سريعة للمعلومات تبيّن أن هناك قسماً كبيراً من أهالي حلب الشرقية أُجبروا على ترك منازلهم قبل التهجير القسري الذي خرج بموجبه نحو 50 ألف مدني، في تلك الفترة مُورست انتهاكات بحق الأهالي الحلبيين أجمع، فالذين قرروا البقاء تمت تصفيتهم أو اعتقالهم، أما الذين وصلوا إلى مناطق النظام فلم يسلموا أيضاً، ونقلت بعض مقاطع الفيديو التي انتشرت في تلك الفترة حوادث إعدام ميدانية مورست بحق منْ أبى الخروج.

أين البقية؟

احتضنت حلب الشرقية المحرّرة نحو 300 ألف وبقيت محررة ما يقارب الـ 4 أعوام، وتكشف أرقام المهجّرين في الباصات الخضراء أن من تم نقلهم أقل من الربع، إذاً أين ذهب البقية؟!

أجابت هناء قصاب وهي ناشطة نسائية ومديرة جمعية نساء سورية وواحدة من المهجرات لـ «الحياة»: «خرج قسم كبير من الأهالي قبل التهجير الأخير ولجأوا إلى مناطق حلب الغربية الخاضعة لسيطرة قوات النظام، خروجهم إلى تلك الأحياء لا يعني أنهم نجوا من مكائد النظام إلا أنه لم يكن أمامهم خيارات أخرى، وفي تلك الفترة التي امتدت نحو أسبوعين تعرض قسم كبير من الفارين إلى أحياء النظام إلى انتهاكات واعتقالات خصوصاً بين النساء».

أضافت «من كان يرفض الخروج يُقتل، علماً أن قسما لا بأس به من الأهالي الذين فروا إلى مناطق النظام عاودوا نزوحهم إلى الريف الحلبي أو إلى محافظة إدلب».

(التعفيش) البيوت نُهبت

يتفرّد النظام بممارسة «التعفيش» التي أتقنها وعناصره منذ بداية الثورة ومارسها في كل المناطق، التي سيطر عليها، وتعني سرقة البيوت واستباحة الممتلكات، ولم يكتف مرتزقة النظام بسرقة البيوت التي هجرها أهلها، بل إنهم كانوا يقتحمون البيوت المسكونة ويخرجون أصحابها، ثم يسرقونها أمام أعينهم، ويقول بعض الأهالي أنهم «أحرقوا بيوتهم قبل خروجهم منها، فيما يفيد آخرون بأنهم لغّموا الأرض لقتل ناهبيها».

صالحة. م، وهي امرأة من حلب الشرقية تروي : «بعد تهجيرينا من حلب أنا وعائلتي توجهنا إلى إدلب ومن ثم إلى تركيا، في الأيام الأولى لم يكن لدينا متّسع من الوقت لنسأل ماذا حلّ بمنازلنا، ولكن بعد وصولنا إلى تركيا حاولنا التواصل مع بعض الجيران والأصدقاء وسألناهم تفقّد المنزل، وبصعوبة بالغة استطاعت إحدى السيدات الدخول لتجد المنزل مسلوباً بالكامل».

في قصة مشابهة قالت قصاب «كنت أملك بناء كاملاً مؤلفاً من ثلاث شقق في حي صلاح الدين لي ولأولادي وعندما ذهبت صديقتي لترى ما حصل، وجدت عناصر الأمن العسكري قد استقروا فيه، وحوّلوه إلى مقرٍّ لهم، وقالوا لها إن هذا المنزل كان مملوكاً لامرأة إرهابية، وبنظرة سريعة استطاعت أن تلاحظ أن البيت خالٍ بالكامل حيث تم إفراغه من الأثاث».

ولا تسمح الشرطة الروسية المنتشرة على أطراف المدينة للأهالي بالدخول، ولكن في بعض الحالات التي أصرّ فيها الأهالي على الدخول للاطمئنان الى منازلهم كان يتم الآتي: «بعد دخول المدني إلى بيته، تتم ملاحقته من قبل عناصر النظام وسرقة كل محتويات البيت أما عينيه ومن ثم اعتقاله، وتنقل المسروقات إلى منازل الضباط الخاصة أو إلى خارج المدينة» وفق قصاب.

بشار فندو وهو أحد المهجّرين أكدّ لـ «الحياة»: «أن الأهالي الذين بقوا في بيوتهم وعددهم قليل، كان يدخل على بيوتهم (شبيحة) النظام ويفرّغون المنازل أمام أعينهم بل ويطلبون منهم مساعدتهم في تحميل الأثاث، ومن يرفض ويتمنع تتم تصفيته وإكمال عمليه الإخلاء».

تأكيدًا على ذلك قالت قصاب «إن أحد المدنيين رفض الخروج من المنزل فقتله الشبيحة وأكملوا نقلهم لأثاث البيت فوق جثته».

عن المعلومات القائلة إن عناصر الشرطة الروسية لا تسمح لقوات النظام بالدخول شدّد فندو «أن عناصر النظام لم يبارحوا المدينة، ولديهم الكثير من الحجج للدخول وكان أبرزها أن الجيش الحر وضع ألغاماً وعليهم أن يدخلوا لتفكيكها».

تتّفق قصاب مع فندو بأن «النظام لديه من الحيل ما يكفي للدخول والنهب، وعلى رغم شيوع قوانين روسية تحظّر دخول قوات النظام إلا أن الخروق التي حصلت كثيرة». «معلومات لم يتم التأكد بعد من صحتها أن النظام ينوي تفجير البيوت وخصوصاً المباني المملوكة لشخص واحد، ليحرق قلوب أصحابها، والآن يمنع منعاً باتاً أهالي حلب من الدخول إلى المدينة أو الاطمئنان على بيوتهم، مع حديث بأن خططاً لترميم المدينة قد بدأت» وفق قصاب.

الأطباء قُتلوا والنساء اعتقلن

في مركز إيواء جبرين الذي ضمّ عدداً كبيراً من النازحين من الأحياء الشرقية تم اعداد لوائح بأسماء الواصلين، واعتُقل القسم الأكبر بتهم الإرهاب، أما الناجون فقد تم إلزامهم بالالتحاق القسري بجيش النظام وتحديداً إلى الفيلق الخامس وهنا قال رئيس مجلس مدينة حلب بريتا حاجي حسن لـ «الحياة»: «الشباب تم اعتقالهم مباشرة وأي شاب ثبت أن له علاقة بأي عمل حتى لو كان إغاثياً تمت تصفيته، كذلك تمت تصفية الأطباء بحجة علاجهم الإرهابين، وآخرهم أبو حذيفة ساطو، أخصائي الأطفال، الذي تم استهدافه في حي السكري، إضافة إلى مجموعة من الأطباء الذين لوحقوا وقتلوا ولم نتكمن بعد من توثيقهم بالكامل».

إذاً كان لا بدّ لأهالي حلب المرور من مركز إيواء (جبرين) ليستطيعوا الخروج من مناطق النظام باتجاه الريف. قالت قصاب «الاعتقالات التي مورست بحق النساء مروّعة، فهناك نسبة كبيرة من صديقاتها، والنساء اللواتي كن ناشطات معها في جمعية (نساء سورية) اختفين، ولا أحد يعلم عنهن شيئاً».

من المعروف أن حلب الغربية تشهد أزمة كبيرة في المياه والكهرباء منذ أشهر عدة، يضاف اليها ارتفاع أسعار المحروقات في شكل خيالي، وفي ظل هذه المعطيات فإن كل من بقي من المهجّرين قسراً في المناطق التي يسيطر عليها النظام، يفتقر إلى أدنى متطلبات العيش، ووفقاً لعدد من الناشطين فإن تجار الحروب والأزمات من (شبيحة) النظام والمرتزقة الإيرانيين، يتاجرون بأوجاع المهجّرين ومآسيهم، ويستغلّون ضعفهم وقلة حيلتهم، ليأخذوا منهم أموالًا مضاعفة لقاء عطاءات شحيحة، وتعمّ الفوضى الأرجاء ليصبح الطابع العام لحلب الغربية القتل والخطف والاعتقال.

من جهة ثانية قال فندو «هناك قسم من المهجرين غيروا توجهاتهم، هؤلاء كانوا بالأصل مستعدين لأن يكونوا موالين وأُتيحت لهم الفرصة، فاستخرجوا بطاقات لجان شعبية، وأصبحت أمورهم جيدة، أما النزيهين والمخلصين للثورة، فلم يبدّلوا مواقفهم ودفعوا وما زالوا يدفعون ثمناً باهظاً لها، حيث لا تزال الاعتقالات تطاولهم نساءً ورجالاً وأطفالاً، بتهم الإرهاب، وأوضاعهم المادية والأمنية والاجتماعية المزرية أجبرتهم على السكن في المدارس المحاذية للحسينيات التي أسسها عناصر النظام ويتعرضون لشتى أنواع الإساءات والتهديدات. أما في الأحياء الشرقية التي باتت شبه خالية، وفق حاجي حسن «المياه مقطوعة عنها في شكل تام منذ نحو شهرين، ولا توجد كهرباء ولا خدمات، ولكن هناك قلة قليلة اختارت البقاء بدل النزوح إلى خارجها» مشيراً إلى أن حياتهم عرضة للخطر.

لا يمكن حصر حجم ضحايا كارثة حلب، إلا إن كل المؤشرات تدلّ على أنه كبير، فمن فرّ من الضحايا إلى الأحياء المُسَيطر عليها من قبل النظام، تحت تأثير الصدمة باحثاً عن الأمان، حمى نفسه من احتمال الموت تحت القصف، لكن ما إن انتهت المعركة وجد نفسه محاصراً، بأخطار أكبر، كذلك لا توجد أرقامٌ تفصّل أعداد الباقين تحت تصرّف الشبيحة، وخصوصاً الشباب الذين اقتيدوا للقتال مع قوات النظام مرغمين، وسط تفشي أنباء تفيد بأن العائلات العالقة في حلب الغربية تجمع النقود لدفعها رشاوى لضباط النظام ليأمنوا لهم طريق خروج من المدينة.


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة