الجمعه ٢٦ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الأول ٣٠, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
لماذا "حل الدولتَين" هو تمييز عنصري؟ - كرايغ موراي
يستخدم هذا المقال مفهوم الأبارتايد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين عكس الشائع غربيا وعالميا. نعرضه هنا كوجهة نظر جديرة بالنقاش.
ق.ن

أعتقد أنكم جميعاً على اطلاع على الخرائط التي تُظهر التقليص الجذري للأراضي الفلسطينية على امتداد سبعين عاماً بسبب التوسّع السريع للاستيطان الإسرائيلي الاستعماري. نعم، إنها صاعقة ومروِّعة، لكنها تسترجع، بالنسبة إلي، ذكريات قوية عن خرائط أخرى، في وضع مشابه تماماً، يغوص في صلب الأسباب التي تجعل من إسرائيل دولة أبارتايد.

أنشأت دولة الأبارتايد الأولى في جنوب أفريقيا "مناطق للسود" تُعرَف اصطلاحياً بالـ"بانتوستانات"، واقترحت أن تتحوّل هذه "المناطق"، في تتويجٍ لسياسة التمييز العنصري (الأبارتايد)، دولاً مستقلة تؤوي الغالبية السوداء من سكان البلاد في مناطق مسيّجة كانت قاحلة أو صخرية جداً أو خالية من المعادن التجارية بحيث إنها لم تستقطب المستوطنين البيض على امتداد ثلاثة قرون من ممارستهم للنهب. في الواقع، اعترفت جنوب أفريقيا ببعض منها دولاً مستقلة، في حين افتُرِض أن الباقي هو في طريقه نحو الحصول على الاعتراف.

تُسلّط الخرائط فعلاً الضوء على أوجه التشابه الصاعقة بين هاتَين المحاولتين لإضفاء طابع رسمي على حرمان الشعب الأصلي وتجريده من حقوقه. حمداً لله، وعلى الرغم من أنه كان لـ"حل إنشاء مناطق للسود" داعموه، ومنهم تاتشر، إلا أنه لم يحقق قط دعماً خارج إطار النظرة اليمينية المتشدّدة آنذاك، ولم تحصل أيٌّ من "الدول المستقلة" على اعتراف دولي.

كنت أعمل في وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث بصفة المسؤول (السياسي) عن شؤون جنوب أفريقيا منذ 1984 إلى 1986، وقد واجهت مشكلة كبيرة لدى رؤية المحافظين المنتمين إلى أقصى اليمين يدافعون عن سياسة مناطق السود. من عوارض التحول اليميني الاستثنائي في السياسة الغربية على امتداد العقود الثلاثة المنصرمة، أن حل "البانتوستانات" في فلسطين، الذي يُسمّى بطريقة مضحكة "حل الدولتَين"، بات الآن الحكمة المقبولة من جانب الطبقة السياسية والإعلامية.

يتشابه الاقتراح مع ما حدث في جنوب أفريقيا، ليس فقط بسبب تهجير السكان الأصليين إلى جيوب معزولة ومنفصلة، إنما أيضاً لأنه يترك الجزء الأكبر من الأراضي في أيدي شعبٍ استعماري تتجسد هويته وحصريته في القانون بحكم انتمائه الإثني تحديداً. وقد جاء إقرار إسرائيل، خلال العام الجاري، لقانون جديد عن الدولة القومية يُثبّت الدولة على أساسٍ عنصري رسمياً، ليؤكّد الواقع الذي يتجسّد في مئات القوانين والتنظيمات الأخرى. النظام التمييزي القاسي الذي يواجهه غير اليهود في إسرائيل موثَّق على نطاق واسع، ولست في صدد العودة إليه في هذه السطور [...]

ما أريد التطرق إليه في هذا المقام هو التشابه الكبير بين الحجج التي يستخدمها أنصار الأبارتايد، والتي كنت أتعامل معها يومياً في وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث، والحجج التي يستخدمها اليوم أنصار إسرائيل. كانت تصلنا بالبريد قبل ثلاثين عاماً، وليس عبر الإنترنت، لكن الحجج الأساسية هي نفسها.

يتفوقون علينا في أعدادهم، سنُقتَل في أسرّتنا

كان أنصار الأبارتايد يردّدون باستمرار أنه نظراً إلى أن أعداد السود أكبر من أعداد البيض في جنوب أفريقيا، لن يتمتع البيض بأي سلطة أو نفوذ في دولة جنوب أفريقية واحدة وديموقراطية، وسوف يتعرضون للتجريد من حقوقهم والقتل. وكانوا يواظبون على تكرار تصريحات مروّعة منسوبة إلى قوميين سود، بعضها حقيقي وبعضها الآخر مختلَق، لتقديم الإثبات على أنه يتعذّر قيام دولة جنوب أفريقية موحّدة وسلمية. وكانوا يؤكّدون تكراراً أنه في حال قيام دولة وحدوية ديموقراطية، فسوف يؤدّي ذلك حكماً إلى وقوع مجزرة بحق البيض.

أظن أنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن البيض في جنوب أفريقيا الذين كانوا يسوقون هذه الحجج، وأنصارهم في الخارج، كانوا يصدّقون فعلاً هذا الكلام في ذلك الوقت. فبين عامَي 1984 و1986، كانوا يعتقدون فعلاً أن حكم الأكثرية ستكون عاقبته مجزرة بحقهم.

أسمع الحجج نفسها تصدر اليوم عن الإسرائيليين وداعميهم. يتعذّر قيام دولة واحدة تضم الإسرائيليين والفلسطينيين لأنهم سيتفوقون عليهم في الأعداد. وكما في جنوب أفريقيا في ذلك الوقت، غالباً ما تترافق هذه التأكيدات مع هاجس الديموغرافيات العرقية ومعدلات الولادات. ومثلما كان الحال في جنوب أفريقيا سابقاً، تم تلقين الإسرائيليين لدفعهم نحو تصديق هذا الكلام – أي إنهم سيُقتَلون جميعهم إذا لم يُطوَّق السكان الأصليون وتُفرَض سيطرة شديدة عليهم.

بالطبع، لم يحدث أمر مماثل في جنوب أفريقيا. فالشعب الخاضِع يكشف عموماً عن قدرة مفاجئة على المسامحة عندما تتحرر قدرته في هذا المجال. السطوة العِرقية الشديدة، وليس الخضوع، هي التي تؤدّي سريعاً إلى ظهور الاضطراب العقلي لدى الأمة المسيطِرة. اللافت هو أن الحكومة في جنوب أفريقيا انتظرت حتى الآن للقيام بالمحاولات الأولى لتحقيق إصلاح الأراضي الذي طال انتظاره.

كانت الأرض فارغة قبل استعمارنا لها

لقد بذل أنصار تفوّق العرق الأبيض جهوداً هائلة لترويج فكرتهم بأن الجزء الأكثر خلواً من الأمراض والصالح للسكن البشري في أفريقيا كان غير مأهول بطريقة لافتة قبل وصول المستعمرين. ينطوي هذا الكلام على تشويه صاعق للتاريخ، وقد جرى دحضه جملة وتفصيلاً منذ ذلك الوقت. إلا أنه من اللافت أن الحجج نفسها يكرّرها الإسرائيليون وداعِموهم الذين يطلقون العديد من الحجج المنافية للتاريخ، وفيها أن النكبة لم تحدث، وأنه لطالما كان الفلسطينيون يتجمّعون في قطاع غزة، وأنه لا وجود للهوية الفلسطينية، وأن المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية بُنيت على أراضٍ لم تكن مأهولة سابقاً.

الديموقراطية الوحيدة في المنطقة

هذا الزعم تردّدَ تكراراً على ألسنة سكّان جنوب أفريقيا والإسرائيليين على السواء. وقد استند إلى المفهوم الذي يعتبر أن السود في جنوب أفريقيا ليسوا مواطنين، إنما بإمكانهم ممارسة حقوقهم الديموقراطية داخل "مناطق السود"، مثلما تدّعي إسرائيل أن ملايين الفلسطينيين المهجّرين ليسوا مواطنين إسرائيليين إنما بإمكانهم ممارسة حقوقهم الديموقراطية داخل الأراضي المحتلة الفلسطينية التي جُمِعوا فيها. مجدداً، سخِر الإعلام والطبقة السياسية في الغرب من هذه الحجة ورفضوها في حالة جنوب أفريقيا، غير أن التشكيك فيها، في الحالة الإسرائيلية، يُعتبَر أمراً غير مقبول.

السكان الأصليون أصبحوا أفضل حالاً

انطلاقاً من الحجة الإمبريالية التي تُروّج أن الحكم الذي يمارسه العرق السيّد يُحقق منافع اقتصادية للمستعمَرين، كان يُجزَم باستمرار أن السود في جنوب أفريقيا يتمتعون بظروف عمل أفضل بالمقارنة مع جميع الأفارقة الآخرين. بالمثل، تزعم إسرائيل أنها تساعد الفلسطينيين عبر السماح للقوة العاملة الفلسطينية بالتوجّه من المخيمات حيث تُحتجَز وكأنها في قفص، إلى المصانع الإسرائيلية [...]

لا أقبل بحجج أنصار "حل الدولتَين"، تماماً كما لم أقبل بالحجج التي ساقها داعِمو الأبارتايد في جنوب أفريقيا. يجب بذل المجهود اللازم لإقناع الرأي العام بأنه على الرغم من الدعم الواسع الذي تُظهره وسائل الإعلام والسياسيون لحل "الدولتَين"، إلا أنه ليس سوى تكريس نهائي للأبارتايد في إسرائيل.

يجب أن تراعي التسوية المحتملة الوحيدة في فلسطين مبدأ العدالة والكرامة للجميع. وهو ما يتطلب إلغاء الأبارتايد في إسرائيل، واستبداله بدولة وحدوية ديموقراطية بمنأى عن التمييز العرقي والديني. هذا ليس مستحيلاً في فلسطين أكثر مما كان في جنوب أفريقيا. ومخاوف مَن يعتقدون أنه مستحيل وغير منطقي تماماً كمخاوف أنصار الأبارتايد قبل ثلاثين عاماً.

كرايغ موراي
كاتب وناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان Information Clearing House موقع Craig Murray

ترجمة نسرين ناضر


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
وقف نار غير مشروط في غزة بوساطة مصرية
تل أبيب ترفض التهدئة وتستدعي قوات الاحتياط
مصير الانتخابات الفلسطينية يحسم اليوم
استطلاع: «فتح» تتفوق على «حماس» والبرغوثي يفوز بالرئاسة
المقدسيون مدعوون للانتخابات عبر مراكز البريد
مقالات ذات صلة
أيضاً وأيضاً: هل يتوقّف هذا الكذب على الفلسطينيّين؟ - حازم صاغية
حرب غزة وأسئلة النصر والهزيمة! - أكرم البني
إعادة اختراع الإسرائيليّة والفلسطينيّة؟! - حازم صاغية
لا قيامة قريبة لـ«معسكر السلام» - حسام عيتاني
... عن مواجهات القدس وآفاقها المتعارضة - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة