الجمعه ٢٦ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيلول ١٩, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
بين ليل اللاذقية وصفقة إدلب، روسيا ليست على ما يرام - سميح صعب
بعد ساعات من القصف الصاروخي لمطار دمشق ليل السبت - الاحد الماضي، قال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إن اسرائيل لن تجازف بتحمل مفاجأة عسكرية ثانية كتلك التي هزت الدولة العبرية في حرب 6 تشرين الاول 1973. كان نتنياهو بذلك يعلن بطريقة غير مباشرة المسؤولية عما قالت وسائل اعلام اسرائيلية إنه قصف اسرائيلي لطائرة شحن ايرانية وصلت للتو الى مطار دمشق وعلى متنها أسلحة.

اسرائيل مطلقة اليدين في قصف ما تشاء في سوريا ووقتما تشاء، شرط ابلاغ القوات الروسية في سوريا لئلا يحصل تصادم غير مقصود بين الطيران الروسي والطيران الاسرائيلي. هذا جوهر التنسيق الروسي - الاسرائيلي، لكن الابلاغ قبل دقيقة واحدة من غارة اسرائيلية على اللاذقية ليل الاثنين، لم يكن كافياً لطائرة الاستطلاع الروسية "إيل-20" كي تبتعد عن مسرح العمليات، فكان ان أسقطت بصاروخ أرض - جو روسي الصنع من طراز "إس-200" تزودته سوريا ابان الحقبة السوفياتية. وكانت موسكو واضحة في تحميل اسرائيل المسؤولية عن الحادث الذي أسفر عن مقتل 15 جندياً روسياً، متهمة الطيارين الاسرائيليين بالاختباء وراء الطائرة الروسية الأمر الذي جعلها هدفاً لنيران المضادات الارضية السورية.

لكن السؤال الذي لا مفر من طرحه، هو هل كان الهدف الذي قصفته اسرائيل في اللاذقية من الالحاح، بحيث لا يحتمل التأخير مدة تكفي لابلاغ الجانب الروسي عبر الخط الساخن ان اسرائيل ستنفذ غارة في سوريا؟ هذا التساؤل يقود الى تساؤل يسوق، لماذا اختارت اسرائيل اللاذقية التي ظلّت بمنأى نسبياً عن الغارات الاسرائيلية؟ ولماذا في اللحظة التي كان الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان يوقعان اتفاقاً يجنب إدلب هجوماً محتملاً للجيش السوري؟ فهل ثمة رسالة اعتراض اسرائيلية على الاتفاق، أم ان التزامن كان محض مصادفة؟ وهل ان اقتراب القصف الاسرائيلي من قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية هو أيضاً بمثابة رسالة سياسية من اسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الى بوتين؟

ولفهم السلوك الاسرائيلي، ينبغي العودة قليلاً الى الايام التي سبقت غارة اللاذقية. في 9 أيلول أعلن الجيش الروسي اقفال شرق المتوسط امام حركة الطيران المدني والسفن بداعي إجراء مناورات للسفن الحربية الروسية المتمركزة قبالة السواحل السورية. وبعد ذلك بأيام أطلقت روسيا بمشاركة الصين ومنشوريا أوسع مناورات منذ 40 عاماً تجري على الاراضي الروسية شارك فيها 300 الف جندي وآلاف الدبابات والطائرات ومئات السفن الحربية. وخلف عرض القوة الروسي رسائل في شتى الاتجاهات، إلا أن المعني المباشر كان بطبيعة الحال الولايات المتحدة.

كيف ردت واشنطن على المناورات الروسية؟ لقد استرعى الانتباه أن تطلق وزارة الدفاع الاميركية مناورات مشتركة مع مقاتلين من المعارضة السورية في قاعدة التنف عند مثلث الحدود السورية - الاردنية - العراقية. كذلك ترافقت المناورات مع تعزيزات عسكرية أميركية الى شمال شرق سوريا تحت غطاء شن هجوم على الجيب الاخير لتنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) شرق الفرات في محاذاة الحدود السورية - العراقية. وصاحب ذلك تصعيد في الشروط الاميركية للانسحاب من سوريا ليس أقلها "اقتلاع" ايران من هذا البلد وإقرار حل سياسي من بنوده تنفيذ بيان جنيف لعام 2012 والذي ينص على انتقال سياسي في سوريا. وبينما كانت روسيا تسعى عبر مسار أستانا الى إيجاد تسوية في إدلب، كانت المصاعب تتراكم في وجه بوتين. فإردوغان دفع بقواته الى داخل إدلب وبلغت دباباته حاجز مورك في ريف حماه من جهة وسهل الغاب من جهة أخرى. والزحف العسكري التركي كان من شأنه منع أي احتمال لنشوب مواجهة عسكرية في إدلب لأن ذلك سيعني مواجهة مباشرة مع الجيش التركي. وهذا ما لا يريده بوتين ولن تغامر فيه إيران وتالياً لن تقدم دمشق على توريط حليفيها في معركة لا يوافقان عليها.

وقبل ذلك قابلت أوروبا الجهد الروسي لاعادة اللاجئين السوريين الى بلادهم بفتور واضح وكذلك محاولات إرساء أسس إعادة الاعمار. وكان الشرط الاوروبي غير قابل للمساومة: لا مجال للمساهمة في إعادة الاعمار قبل توافر الحل السياسي إنطلاقاً من جنيف وليس إنطلاقاً من أستانا أو سوتشي. وفي الوقت عينه كانت تتراكم التحذيرات الغربية من محاولة اقتحام إدلب عسكرياً لأن من شأن ذلك إطلاق موجة جديدة من اللجوء السوري لا قبل للقارة الأوروبية بتحملها. وهكذا وجد بوتين نفسه امام جبل من المصاعب، فكان لا بد من صفقة مع إردوغان في إدلب تنزع ولو لبعض الوقت احتمالات التفجير العسكري. لعل اسرائيل لمست ضعفاً في الموقف الروسي، فقررت تجاهل ابلاغ حميميم ما تنتويه حيال اللاذقية. وثمة احتمال آخر أن تكون تل أبيب التي منحت روسيا مكسباً عسكرياً وسياسياً في القنيطرة ودرعا قبل أشهر، باتت واثقة من ان موسكو لن تغضب منها إذا ما تجاهلت الخط الساخن. فكانت ضجة اللاذقية.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة