الأربعاء ١٧ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آب ٥, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
إدلب «أم المعارك» ... ولكن - قسطنطينو سيولدو
الحرب لم تنته في سورية. ففي وقت استعاد جيش بشار الأسد درعا والقنيطرة، يعد الخبراء الاستراتيجيون في دمشق حملة على آخر معاقل العدو: إدلب. ووصف الموقع اللبناني «المصدر» المعركة المقبلة بأم المعارك. وهو مصيب في وصفه. ووفق الموقع هذا، حين تنتهي معارك حوض اليرموك، ستنصرف قوات دمشق إلى شمال غربي البلاد لاستعادة سهل الغاب وجسر الشغور. وفي وقت تركز القوات الخاصة على هذه المنطقة، تتجه قوات الحرس الجمهوري والفرقة المجوقلة الرابعة إلى جبل التركمان وجبل الأكراد، في جوار اللاذقية. فتحكم القبضة على الحدود السورية– التركية، ما يحول دون تقدم قوات أنقرة أو القوات التابعة لها على نحو ما حصل في الكانتون الكردي شمالاً.

وهذه الخطوات هي ركن استعادة شمال غربي سورية. وقد ينضم الأكراد إلى الجيش والميليشيات. فمقاتلو روجافا قد يشاركون الجيش السوري في حصار إدلب، على نحو ما ينص، في جزء منه، اتفاق ما بعد النزاع. والأسد يحتاج إلى مزيد من السواعد، في وقت يحتاج الأكراد إلى ما لا يسعهم تحصيله إلا من طريق الحرب. والأعداء من صنف واحد، سواء كانوا «جهاديين» أم من يدور في فلك تركيا.

وتعد القوات المسلحة الروسية للحملة على إدلب منذ أسابيع. فالوفد الذي أرسلته موسكو إلى درعا لإقناع الثوار بالاستسلام قال للمسلحين ألا يتوجهوا إلى الشمال على ما فعلت غيرهم من المجموعات المسلحة. ونصح المستشارون الثوار بإلقاء السلاح والاعتراف على الفور بحكومة دمشق لأن المعركة المقبلة، بعد الجنوب، هي مدينة الشمال الغربي. وسلاح الجو الروسي يشن غارات منذ أشهر على المدينة الواقعة في قبضة الجهاديين، ولكنه لم يسبق له أن أمطر بالقذائف المنطقة هذه. وكانت الغارات غالباً ما تشن إثر هجمات المجموعات الناشطة في المنطقة هذه.

ففي الأشهر الأخيرة، زاد عدد عمليات تنفذها الميليشيا المحلية على قاعدة حميميم الجوية الروسية بواسطة طائرت الدرون. وفي شباط (فبراير) الماضي، أمطر سلاح الجو الروسي إدلب بسيل من النيران رداً على اسقاط طائرة «سو-25» وقـــائدها رومان فيليبوف الذي فجر نفسه لتفادي الوقوع في أيدي الأعداء. ومع انتهاء معارك الجنوب، في وسع قوات فلادمير بوتين الانشغال بأقرب منطقة إلى قواعدهم. فسلاحا الجو والبحر الروسيان يعدان لتحرير المناطق القريبة من مراكز القيادة الروسية في سورية والواقعة ما بين اللاذقية وحميميم وطرطوس. وعليه، ليس مفاجئاً أن السفن الروسية المبحرة في الأيام الأخيرة عبر البوسفور شوهدت وهي محملة بالسلاح والآليات الموجهة إلى الجيش السوري.

وتقع إدلب على بعد كيلومترات قليلة من الحدود التركية، ولطالما تابعت أنقرة شؤونها. وآلت إليها (إلى تركيا) في مفاوضات كتلة آستانة، مسؤولية المحافظة السورية في الشمال الغربي جراء قربها الجغرافي وقدرتها على ضبط كوكبة الثوار الذي سيطروا على المنطقة، والجيش السوري الحر تحديداً. وإثر إنشاء مناطق خفض التصعيد، نشر الجيش التركي مراكز مراقبة على امتداد شمال غربي سورية. وهذه النقاط كانت عقبات سياسية واستراتيجية في وجه الجيش السوري. فالأسد أدرك أنه لا يسعه التقدم في هذه المنطقة. ولكن اليوم، الأوضاع تغيرت. ولم تعد إدلب واحدة من جبهات حرب دمشق الكثيرة، بل صارت الجبهة الوحيدة. وأردوغان في وضع غير مريح. فهو يدافع عن «جهاديي» المنطقة، في وقت يدرك أن الوضع هذا لن يدوم. فهو لا يسعه الوقوف ضد بوتين، الشريك السياسي الثمين في الشرق الأوسط.

واحتمال أن تنتهي اتفاقات آستانة في أدلب، كبير. ولكن هذا المآل كان متوقعاً. فالاتفاق بين سورية وتركيا على إرسال الثوار إلى الشمال في باصات بدا على الدوام أنه نابع من رغبة في إرجاء المشكلة إلى حين استعادة دمشق الحدود مع إسرائيل والأردن. وهذه المشكلة لا تذلل إلا في معركة أخيرة. وفي إدلب يجتمع الثوار الذي لم يستسلموا أمام دمشق، وصارت المحافظة معقل الإرهاب الإسلامي. وستشهد معركة التطهير النهائية. ففي أرضها يرص الشيشانيون الذين هزموا على يد بوتين في حرب القوقاز والأويغور الذين قدموا من الصين لدعم الخلافة، ومقاتلو داعش الذين فروا من مناطق أخرى من سورية وغيرهم من العراق، الصفوف لمواجهة الأسد. وإلى جانب هؤلاء يقاتل الفرع السوري من «القاعدة» وثوار الغوطة الشرقية ودرعا والقنيطرة.

ولا شك في أن تسمية معركة إدلب بأم المعارك بالغ الرمزية. ولكن من العسير ربط كلمة أم، وهي ترتبط بالحياة والولادة، بحصار لن يؤدي إلا إلى موت المئات على جبهتي المعركة. ولكن إدلب لن ترتبط بالموت فحسب بل هي قد تلد مستقبلاً جديداً. ففي هذا الحصار، يقرر مستقبل سورية.

* عن «برافدا ريبورت» الروسي، 29/7/2018، إعداد منال نحاس
اخر تحديث في 31 يوليو 2018 / 20:14

 


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة