الخميس ٢٨ - ٣ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: حزيران ١٩, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
لوبي «الأقدام السوداء» الجزائري قد يشكّل سفراء الخارج بالتصالح - محمد عبدالرحمن عريف
«الأقدام السوداء» هم آلاف الفرنسيين الذين غادروا الجزائر بعد استفتاء تـــقرير المصير الذي أجري في 3 تمـوز (يوليو) 1962، والذي استعادت الجزائر بموجبه سيادتها بعد ثورة دامت 7 سنوات. كما يعرف أن «الأقدام السوداء» هم المدنيون الفرنسيون الذين استوطنوا الجزائر بين 1830 و1962.

ويسود خلاف بين الجزائر وباريس بسبب تحويل مطالب جزء كبير منهم إلى العدالة، ومعظمها في شأن ممتلكات تركها أصحاب التسمية بعد استقلال البلاد. وترد الجزائر برفض هذه الدعاوى، إذ يعتبر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة استرجاع السلطات هذه الممتلكات «أمراً شرعياً».

سبق أن عوّضت الحكومة الفرنسية مَن فقدوا أملاكهم على دفعتين، عندما غادر معظمهم البلاد يوم استقلال الجزائر، ثم عند صدور مرسوم تأميم الأراضي الزراعية في 20 آذار (مارس) 1963، خصوصاً «المهجورة» منها. وصدرت لاحقاً ثلاثة قوانين لتعويضهم في عهد الرؤساء جورج بومبيدو (1970), فاليري جيسكار ديستان (1974) وفرنسوا ميتيران (1987). كذلك أصدر الرئيس أحمد بن بلة في 1 تشرين الأول (أكتوبر) 1963 مرسوماً خاصاً بتأميم آخر ممتلكات المستعمرين. وحاول بعض «الأقدام السوداء» الحصول على تعويضات من الحكومة الجزائرية. لكن السلطات الجزائرية رفضت ذلك بدعوى أنها لم تطردهم وأن رحيلهم كان طوعياً. كما أن لجوءهم إلى اللجنة الدولية لحقوق الإنسان جاء سلبياً لقبول اللجنة بردود الحكومة الجزائرية.

في أيار (مايو) 2016، أطلق مدير أملاك الدولة محمد حيمور النار على هؤلاء الفرنسيين الراغبين في استرجاع عقاراتهم في الجزائر، مقدراً عددها حينها بـ180 ألف عقار، متسائلاً: «ماذا يريد هؤلاء؟ هل نطرد الجزائريين الذين يسكنون هذه المنازل ويدفعون الضرائب منذ 40 سنة لنعيد منحهم إياها؟ وإن كانوا يملكون أدلة بأن هذه العقارات من حقهم فليتقدموا بها، فالدولة عندنا لا تظلم أحداً». وذهب حيمور بعيداً، حينما قال أن الكثير من الأقدام السوداء لجأت إلى القضاء لاسترجاع ما تسميه بـ «حقها في السكنات والعقارات»، إلا أن المحاكم فصلت في مجمل هذه القضايا لمصلحتنا، وأن عدداً كبيراً منها حُكم فيها بعدم التأسيس، متسائلاً كيف يغادرون الجزائر من دون إبلاغ السلطات أو الإشعار بالشغور ويتركون السكنات فارغة، ثم يعودون ليقولوا أنهم يرغبون في استرجاع «حقوقهم».

نُقل عن حيمور وقتها أنه في زيارة الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس في نيسان (أبريل) 2016 للجزائر، جاءت مطالبته بتأسيس لجنة لدراسة ممتلكات الفرنسيين، مرتبطة معظمها بأملاك الدبلوماسيين، والملف حينها كان على طاولة وزارة الخارجية الجزائرية، لتفصل في الحالات العالقة كافة.

وعن ملف السكنات المدعمة، قال حيمور إن مديرية أملاك الدولة تحصي 22 ألف هكتار من الأراضي المخصصة لإنشاء سكنات «أل أس بي» و «عدل» و «ال بي بي»، و17 ألف هكتار لإنجاز سكنات اجتماعية إيجارية، أي بإجمالي 39 ألف هكتار لإنجاز السكنات المدعمة، وذلك في رد على المشككين بعدم وجود عقار لإكمال مشاريع السكن العالقة، في وقت أفاد بأن عملية تصفية بطاقة السلبية للاستفادة من سكنات عدل تشارف على الانتهاء، وأن مقص مديرية أملاك الدولة أفرز 1500 ملف يمتلك صاحبه مسكناً، أي لا تحق له الاستفادة مجدداً، وهو ما قال إن وزارة السكن ستفصل فيه بمعرفتها الخاصة، في حين أكد إتمام 95 في المئة من ملفات السلبية من إجمالي 585 ألف مسجل بين المستفيدين من عدل 2001، و2002 و2013، وأن الملف سيتم غلقه بشكل نهائي قريباً.

الحقيقة أن ما سهل مطالبة الأقدام السوداء هو عدم تسجيل هذه الممتلكات باسم مالكيها الجزائريين من بعض الإدارات في مختلف الولايات، على رغم أن القانون كان يلزمهم بنقل الملكية بعد ترك هذه المنازل من الفرنسيين عقب الاستقلال، فالـــعاصــــمة الجزائر لوحدها يوجد بها نحو 6 آلاف منزل كان يقطنها الأقــــدام السوداء، وقد يصبح محل خلاف، وهذا الوضع هو ما دفع الأقدام السوداء إلى تشكيل جمعية بالتعاون مع أطراف داخلية، مستغلين عدم تقييد هذه الممتلكات. لكن الرابطة الــــجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لا تحصر القضــية في مجرد خلاف بين الجزائر والمستعمر القديم.

ما حدث أخيراً أن رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى دعا رجال الأعمال إلى الاستعانة بـ «لوبي الأقدام السود»، ما يشكل دعوة مصالحة رسمية لا سابق لها مع هذا الملف الذي يشكل موضع خلاف بين البلدين. واستخدم أويحيى مصطلح «الأقدام السوداء» في خطاب مقتضب ألقاه أمام رجال أعمال جزائريين، ودافع فيه عن سياسات الحكومة الخاصة بفرض قيود على الاستيراد، مطالباً باعتماد المتعاملين الاقتصاديين على من سماهم أولاً (قدماء الجزائر الموجودون في الخارج)، والاستعانة بأولئك من لوبي الأقدام السوداء، فيمكن تحقيق انتصارات في الأسواق الدولية خصوصاً في أفريقيا. ويعود ذلك لأن الوزير أمضى 20 سنة ديبلوماسياً في أفريقيا. الواقع أن السلطات الجزائرية تتجنب إعطاء رأيها في ملف «الأقدام السود» بسبب حساسيته داخل منظمات ثورية وجمعيات أبناء المجاهدين والشهداء، لكنها لا تمنع في الوقت ذاته زيارة الأشخاص المعنيين بهذه التسمية الجزائر. يبقى أن هؤلاء يحتلون في فرنسا مناصب عليا، واحرزوا نجاحات كبيرة على الصعيد الاقتصادي والثقافي والسياسي، بحيث اندمجوا في المجتمع الفرنسي وانقلبوا إلى «لوبي قوي» يتحسب له في كل موعد انتخابي. حيث أنشأت جماعات اليمين المتطرف في فرنسا ما سمته «الاتحاد من أجل الدفاع عن حقوق الفرنسيين المطرودين من الجزائر ومن بلدان أخرى».

نعم نصت اتفاقيات إيفيان لإنهاء الاحتلال الفرنسي في الجزائر، والموقعة بين الحكومة الجزائرية المؤقتة ونظيرتها الفرنسية في 18 آذار (مارس) 1962 على اختيار الأقدام السوداء خلال 3 سنوات بين نيل الجنسية الجزائرية أو الاحتفاظ بالفرنسية واعتبارهم أجانب، وكان قادة جبهة التحرير يرفضون الجنسية المزدوجة للأقدام السوداء.

وينتمي للأقدام السوداء أسماء بارزة مثل الكاتب الشهير ألبير كامو والمغني أنريكو ماسياس وإيف سان لوران مصمم الأزياء الشهير والفيلسوف جاك دريدا وغيرهم.

* كاتب مصري


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
انطلاق «تشريعيات» الجزائر اليوم وسط أجواء من التوتر والاعتقالات
بعد عامين من اندلاعه... ماذا تبقى من الحراك الجزائري؟
لوموند: في الجزائر.. انتخاباتٌ على خلفية القمع المكثف
انتخابات الجزائر... الإسلاميون في مواجهة {المستقلين}
انطلاق حملة انتخابات البرلمان الجزائري وسط فتور شعبي
مقالات ذات صلة
فَراغ مُجتمعي خَانق في الجزائر... هل تبادر النُخَب؟
الجزائر... السير على الرمال المتحركة
"الاستفتاء على الدستور"... هل ينقذ الجزائر من التفكّك؟
الجزائر وفرنسا وتركيا: آلام الماضي وأطماع المستقبل - حازم صاغية
الجزائر بين المطرقة والسندان - روبرت فورد
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة