السبت ٢٠ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: حزيران ٣, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
«حماس»: قائمة قتل وعلاقات متناقضة - مهنّد الحاج علي
أحرجت الانتفاضة السورية في 2011 العديد من حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد، بمن فيهم حركة حماس. في ذلك الوقت، كانت هذه المنظمة الإسلامية تتخذ من دمشق مقرّاً لها، وكان استمرارها في مراقبة ذبح المتظاهرين بصمت، السنّة بصورة رئيسة، ليمثّل النفاق المطلق. فكيف يمكن لحماس أن تطلب من المسلمين أن يتضامنوا مع ضحايا الظلم الفلسطينيين، بينما تفشل هي في إدانة الأعمال الوحشية ضدّ المدنيين السوريين؟

لكن هذا التحوّل في موقف حماس استغرق وقتاً. فبسبب العزلة الدولية، كانت علاقات المنظمة تقتصر على إيران وحليفتها العربية الوحيدة، سورية. وعلى رغم الضغوط الدولية، استمرت دمشق في توفير ملاذ لحركة حماس خارج الأراضي الفلسطينية. مع ذلك، في 2012، تغيّر الوضع مع فوز الإخوان المسلمين في مصر، المنظمة الأم للحركة، بالأغلبية في أوّل انتخابات برلمانية في البلاد. انتخاب محمد مرسي، مرّشح الإخوان المسلمين، رئيساً لمصر في ذلك العام ساعد حماس على وضع لمساتها الأخيرة على انشقاقها عن نظام الأسد. غير أنّ المنظمة راهنت على موجة من التغيير في المنطقة، لكنْ انتهى بها المطاف بخفّي حُنين.

بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية المصرية، كانت حماس قد أوضحت بالفعل الاتجاه الذي تميل إليه. ففي نيسان (أبريل) 2012، اتخذت المنظمة للمرّة الأولى موقفاً في شأن الانتفاضة السورية في الجامع الأزهر في القاهرة، وهو المرجع الديني السنّي الأبرز، إذ عبّر إسماعيل هنيّة، رئيس وزراء الحكومة التي تقودها حماس في غزة، في اجتماع هناك عن تضامنه مع «شعب سورية البطل».

بعد ذلك، بدا أنّ انخراطها في الأحداث في سورية يزداد. فمن 2012 فصاعداً، ظهرت أنباء عن دور الحركة في تدريب المقاتلين المناهضين للنظام في سورية، وتحديداً لناحية بناء الأنفاق وتصنيع الصواريخ. وقد اتّهم النظام السوري حماس بأنّها على صلة بـ «أكناف بيت المقدس»، وهي جماعة فلسطينية متمرّدة مقرّها في مخيّم اليرموك للاجئين. ووصلت التوتّرات إلى وتيرة عالية بعد اعتقال مأمون الجالودي، وهو حارس خالد مشعل الذي كان آنذاك رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. فقد بُثّت اعترافاته حول مشاركة حماس في الانتفاضة السورية على التلفزيون السوري، الأمر الذي دفعها إلى الإنكار.

صحيح أنّ كتائب أكناف بيت المقدس حُلّت في ما بعد، إلا أنّ حماس دفعت ثمناً باهظاً بسبب خطأها الاستراتيجي في الحسابات. ويعود ذلك إلى حدّ كبير للإطاحة في 2013 بمحمد مرسي، ما ترك حماس من دون راعٍ في القاهرة أو دمشق. لقد قام النظام المصري الجديد بتضييق الخناق على الحركة، فدمّر الأنفاق بين مصر وغزّة، التي وفّرت شرياناً اقتصادياً حيوياً للأراضي الفلسطينية. وعلى رغم أنّ حماس توافقت لاحقاً مع إيران وحزب الله، إلا أنّ التوتّرات لا تزال قائمة.

في المقابل، لم يكن النظام السوري راغباً في أن يكون أكثر تصالحية مع حماس، وبقي مقاوماً لاستئناف العلاقات، ورافضاً الإفراج عن ناشطي المنظمة المعتقلين في سورية.

تفاقمت هذه العزلة النسبية بعد طرد قطر صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي الجديد لحركة حماس وقائد العمليات، في حزيران (يونيو) 2017. فهو لم يجد ملاذاً مستقراً، واضطر منذ ذلك الحين للتنقل بين ماليزيا وتركيا وإيران ولبنان. وبينما تحدّثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن العلاقات الدافئة بين حماس وحزب الله وإيران، ما زال مسؤولو الحركة مقتنعين بأنّ العودة إلى تحالف ما قبل 2012 أمر بعيد المنال.

أدّى عدم وجود قاعدة خارجية وفقدان الحلفاء منذ زمن طويل إلى اتّباع حماس نهجاً مختلفاً في مقارعة إسرائيل، من شأنه تعزيز قدرات المنظمة وصدقيّتها عندما تتضاءل. وهي فعلت ذلك من خلال السعي إلى تطوير قدراتها التكنولوجية، لا سيّما استخدام الطائرات من دون طيار، بحيث يمكن أن تعزّز فعاليتها العسكرية. ومع ذلك، دفعت الحركة ثمناً، تمثّل برد فعل فتّاك من قبل الاستخبارات الإسرائيلية، إذ ازداد استهداف ناشطيها المشاركين في مثل هذه الجهود في شكل ملحوظ في الثمانية عشر شهراً الماضية.

ففي 15 كانون الأوّل (ديسمبر) 2016، اغتال قاتلان محمد الزواري، وهو مهندس طيران تونسي وخبير طائرات من دون طيار، بالقرب من منزله في صفاقس في تونس، ونعتْه كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، كأحد أعضائها. وقد ألقى اغتيال الزواري الضوء أيضاً على جانب لا يتم الحديث عنه في حماس، وهو تجنيد غير الفلسطينيين في جهودها العسكرية.

أصبحت هذه الصلة العابرة للحدود أوضح بعد الاختفاء المؤقت لطه محمد الجبوري واعتقاله لاحقاً في الفيليبين في كانون الثاني (يناير) الماضي، وهو خبير متفجرات عراقي مرتبط بحماس. بمجرّد الإفراج عنه، سافر الجبوري إلى تركيا التي رحّلته إلى العراق، بناءً على طلب السلطات هناك. وقالت مصادر حماس لصحيفة «الأخبار» اللبنانية المؤيدة لحزب الله، إنّ الجبوري الذي كان يعمل في قطاع الدفاع العراقي حتى الغزو الأميركي في 2003، استُدرج إلى فخّ قرب مانيلا من قبل عملاء الموساد، ثم تمّ استجوابه. ووفقاً للتقرير، فهو ينتمي إلى «وحدة البحوث» نفسها التي ينتمي إليها الزواري. وذكرت «الأخبار» أيضاً أنّ حماس حاولت في ما بعد، عبر إيران، تأمين الإفراج عن الجبوري في العراق، لكن من دون جدوى. وبالنظر إلى نفوذ إيران في بغداد، أظهرت هذه الحادثة التوتّر المستمرّ بين إيران وحماس، حتى بعد أشهر من زيارة العاروري لطهران.

استمرّت وتيرة الاغتيالات من دون انقطاع. ففي كانون الثاني الماضي، نجا محمد حمدان، وهو مدرّس كيمياء فلسطيني تابع لحماس، من هجوم بسيارة مفخخة في صيدا، جنوب لبنان. وبعد أسابيع، في 21 نيسان (أبريل)، قُتل فادي البطش، وهو مهندس فلسطيني على صلة بحماس، بالرصاص في كوالالمبور في ماليزيا، أثناء توجّهه إلى مسجد لإقامة صلاة الفجر. ونقلت «نيويورك تايمز» عن مصادر استخباراتية في الشرق الأوسط قولها إنّ البطش «كان قد أرسل إلى هناك للبحث والحصول على أنظمة سلاح وطائرات من دون طيار لحماس». وقال أحد مسؤولي الاستخبارات للصحيفة إنّ «جهود الحركة لزراعة علمائها المقيمين في الخارج كانت تدار من إسطنبول (...) وكان من المقرّر أن يلتقي البطش برئيس الوحدة، ماهر صلاح، لدى وصوله إلى تركيا».

صلاح هو شخصية مثيرة للاهتمام في هذه الشبكة. فقد سبق أن كان ضابطاً مالياً قيادياً في حماس، ومقيماً في الخليج حتى توقيفه في السعودية في 2015. ومنذ ذلك الحين، بدا صلاح، الذي أصبح الآن قائداً للحركة في الخارج، غير قادر على الحفاظ على إقامة دائمة، في ما يشبه إلى حدّ بعيد وضع العاروري وفريقه.

لقد أثّرت صعوبات حماس في شكل عميق على ركائزها الأيديولوجية والسياسية. ففي خطوة مفاجئة، أعلنت الحركة العام الماضي قبولها حلّ الدولتين مع إسرائيل، على أساس حدود 1967. وأخيراً، عبّر قادتها في غزّة عن استعدادهم للتفاوض على وقف إطلاق نار طويل الأمد مع إسرائيل. وعلى رغم وجود اختلاف بين حلّ الدولتين والوقف الموسّع لإطلاق النار، إلّا أن هذا التغيير في موقف حماس كان مؤشّراً جيّداً على كيفية سعي المنظمة إلى الخروج من عزلتها.

فتحت عملية المصالحة البطيئة مع إيران وسورية عيون حماس على الواقع. لقد وسّع الصراع السوري فجوة انعدام الثقة بين حماس وبين طهران ودمشق، حتى لو كانت الاجتماعات وبيانات التضامن قد أدّت إلى صور فوتوغرافية وعناوين وردية. لكنّ سجناء حماس ما زالوا يقبعون في السجون السورية والعراقية، فيما يجري تعقّب أفراد من المنظمة حول العالم. حقاً، يمكن في بعض الأحيان أن تكون الجروح الذاتية أسوأ الجروح.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
وقف نار غير مشروط في غزة بوساطة مصرية
تل أبيب ترفض التهدئة وتستدعي قوات الاحتياط
مصير الانتخابات الفلسطينية يحسم اليوم
استطلاع: «فتح» تتفوق على «حماس» والبرغوثي يفوز بالرئاسة
المقدسيون مدعوون للانتخابات عبر مراكز البريد
مقالات ذات صلة
أيضاً وأيضاً: هل يتوقّف هذا الكذب على الفلسطينيّين؟ - حازم صاغية
حرب غزة وأسئلة النصر والهزيمة! - أكرم البني
إعادة اختراع الإسرائيليّة والفلسطينيّة؟! - حازم صاغية
لا قيامة قريبة لـ«معسكر السلام» - حسام عيتاني
... عن مواجهات القدس وآفاقها المتعارضة - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة