الجمعه ٢٩ - ٣ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: شباط ٢٢, ٢٠١٨
 
معضلة «المقاتلين الأجانب» تطغى على مؤتمر ميونيخ للأمن - بشير عبدالفتاح
يحفل شعار «الهاوية والعودة» الذي رفعته الدورة الـ54 لمؤتمر ميونيخ الأمني، بإشارات تحذير من «هاوية مهلكة» و «عودة غير محمودة العواقب». أما «الهاوية»، فتتمثل في ما يمكن أن يؤول إليه العالم إذا لم تتضافر الجهود لوضع حد لتفاقم الصراعات وانتشار النزاعات المسلحة، بالتوازي مع التهاب سباق التسلح المحموم، سواء على مستوى الأسلحة التقليدية، أو على صعيد أسلحة الدمار الشامل والمنظومات التسليحية الاستراتيجية كالصواريخ الباليستية المتعددة القدرات والمديات والمهام. وأما «العودة» فتتجلى في المقاتلين الأجانب المنضوين تحت لواء تنظيم «داعش» الإرهابي، وخطرهم على أوطانهم الأصلية أو على البلاد التي وردوها كمتجنسين أو مهاجرين أو مقيمين، أو حتى لاجئين.

واكتسبت قضية «المقاتلين الأجانب» زخماً ملفتاً بعدما أعلنت قوات سورية الديموقراطية في وقت سابق من الشهر الجاري، توقيفها أربعة مقاتلين أجانب تابعين لتنظيم «داعش» رغم الإعلان عن دحره قبل نهاية العام المنصرم. فيما قدرت دراسة نشرتها «مجموعة سوفان» التي يديرها عميل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، أعداد المقاتلين الأجانب المنضمين إلى «داعش» في سورية والعراق، بما يربو على ثلاثين ألفاً، جاؤوا من نحو 86 دولة، نصفها آسيوي وثلثها إفريقي وبقيتها أوروبية. واستشعاراً لخطورة تلك الظاهرة وضعت دول العالم قضية «المقاتلين الأجانب» على قمة أولويات ملتقياتها الإقليمية وفعالياتها الدولية. فبعدما عرّف مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 2178 بتاريخ 24/09/2014، المقاتلين الأجانب، على أنهم أولئك الأفراد الذين يسافرون إلى دولة غير التي يقيمون فيها أو يحملون جنسيتها، بغرض ارتكاب أعمال إرهابية أو تدبيرها أو الإعداد لها أو المشاركة فيها أو توفير تدريب على أعمال الإرهاب أو تلقي ذلك التدريب، عقد مجلس الأمن الدولي عام 2016 جلسة خاصة ترأسها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وتبنت بالإجماع قراراً يحظر نشاط المقاتلين الأجانب ويجرم انتقالهم بين دول العالم، كما ناشد دول العالم وضع قوانين صارمة لمحاسبة هؤلاء مع توفير المعلومات للدول الأخرى بغية منع دخولهم لأراضيها. وهو ما أفضى إلى انحسار أعداد المقاتلين الأجانب المنضمين إلى صفوف «داعش» في العراق وسورية، وعجّل دحر التنظيم في البلدين.

وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، استضافت إيطاليا مؤتمراً لوزراء داخلية مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى (كندا وفرنسا وألمانيا واليابان وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة)، إضافة إلى كل من المفوض الأوروبي للهجرة والشؤون الداخلية والمواطنة ديميتريس افراموبولوس، ومفوض الاتحاد الأوروبي للأمن جوليان كينغ، والأمين العام لمنظمة الشرطة الدولية (إنتربول) يورغن شتوك، لبحث التعاون الاستخباري في مجال مكافحة ظاهرة «المقاتلين الأجانب» والحد من قدرات المتطرفين.

وفي الكويت اجتمع وزراء خارجية دول التحالف الدولي المناهض لـ «داعش» منتصف الشهر الجاري، وأكدوا ضرورة تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الظاهرة نفسها، فيما أعلن وزير الخارجية الأميركي تقديم 200 مليون دولار لدعم جهود التحالف الدولي لاستئصال شأفة «داعش» وضمان عدم عودة مقاتليه إلى العراق وسورية، علاوة على الحيلولة دون انتقالهم إلى بؤر أخرى حول العالم واتخاذها ملاذات بديلة. وكان الاتحاد الأوروبي أعلن قبلها بأسبوع عن تخصيص بليون يورو إضافية لمحاربة «داعش» في سورية والعراق، يوجه 400 مليون يورو منها للأغراض الإنسانية، بينما يذهب الباقي لدعم جهود محاربة الإرهاب ومكافحة انتقال المقاتلين الأجانب حول العالم، من «داعش» وإليها.

وقبل أيام، سلّط مؤتمر ميونيخ للأمن الضوء على قضية المقاتلين الأجانب، فأكد أن هزيمة «داعش» في العراق وسورية كانت بمثابة انتصار للتحالف الدولي ضد الإرهاب في معركة، لكنها لا تعني القضاء على الإرهاب. كما أبرز المؤتمر على لسان وزير الداخلية الألماني تــوماس دي ميزير، وكل من مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ومستشار الأمن القومي ماكماستر، ارتباط ظاهرة المقاتلين الأجانب بقضيتي الهجرة واللجوء، عبر كشف مساعي الإرهابيين للتنقل من بلد إلى آخر عبر الاندساس وسط قوافل اللاجئين والمهاجرين. بدوره، أعرب وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال مؤتمر ميونيخ، عن قلق بلاده البالغ من انتقال عناصر «داعش» من سورية والعراق إلى بقاع أخرى، مؤكداً ما سبق أن أعلنه الناطق باسم القوات المسلحة المصرية العقيد تامر الرفاعي من أن عملية «سيناء 2018» الهادفة إلى تطهير مصر من الإرهاب، إنما ترمي إلى الحيلولة دون قدوم مقاتلي «داعش» للبحث عن ملاذات آمنة بديلة في سيناء وصحراء مصر الغربية.

غير أن تلك الفعاليات الدولية لم تكن لتهدئ مخاوف العالم من تعاظم تهديد المقاتلين الأجانب، والذي بدأ يتفاقم جراء عجز المجتمع الدولي عن الاتفاق على آليات عملية جماعية ناجزة لاحتواء ذلك الخطر المتنامي. فبعدما أكد أن الحرب ضد «داعش» لم تنته بعد، أخفق مؤتمر وزراء دفاع التحالف الدولي، الذي استضافته روما أخيراً، في التوصل لاتفاق نهائي بشأن ما يجب فعله إزاء المقاتلين الأجانب الذين تم اعتقالهم في سورية والعراق، والذين باتوا يشكلون تهديداً خطيراً، خصوصاً إذا تسنى لهم الإفلات من العدالة. فبينما عّبر الوفد الأميركي في الاجتماع المغلق بقيادة وزير الدفاع جيم ماتيس عن أمله في إقناع الحلفاء بتحمل مسؤولية أكبر حيال المقاتلين الأجانب، رفض الحلفاء فكرة استقبال المحتجزين منهم في بلدانهم الأصلية لمقاضاتهم.

وبينما شدّد مؤتمر ميونيخ على ضرورة تكثيف التعاون الدولي لإنهاء ظاهرة المقاتلين الأجانب، لم يحدد المؤتمرون آليات واضحة وصارمة تضمن تحويل تلك الغاية إلى إجراءات ملموسة ضمن جدول زمني محدد. وهو الأمر الذي دفع وزير الخارجية المصري إلى الإعراب عن أسفه خلال كلمته أمام المؤتمر، من افتقار المجتمع الدولي لرؤية عملية موحدة ومتكاملة تجاه خطر المقاتلين الأجانب، فضلاً عن افتقاده الجدية والحزم في مساعيه لتقويض المنظومة الإرهابية بكل ما تتضمن من تنظيمات وشبكات تمويل وخلايا نائمة وذئاب منفردة.

* كاتب مصري
 


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة