الأربعاء ٨ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون ثاني ٢٥, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
لماذا تحالفت واشنطن مع الأكراد السوريين؟ - محمد سيد رصاص
في أثناء معركة عين العرب- كوباني في أيلول (سبتمبر) 2014 ضد «داعش»، ظهر مقدار التعويل الأميركي على الأكراد السوريين وتنظيمهم السياسي الرئيسي «حزب الاتحاد الديموقراطي» (ب ي د). في الشهر السابق كان قد صدر القرار الدولي 2170 الذي وضح من خلاله تركيز واشنطن على محاربة الإرهاب ممثلاً في تنظيمي «داعش» و «القاعدة» بفرعه السوري «جبهة النصرة» وتخليها، وهذا كان ملموساً منذ اتفاق الكيماوي السوري في أيلول 2013 بين واشنطن وموسكو، عن هدف إسقاط السلطة السورية الذي أعلنه الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه يوم 18 آب (أغسطس)2011 في ذروة تحالف واشنطن وأنقرة الذي اتضح أنه انتهى مع تخلي إدارة أوباما عن تحالفها مع «التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين» في صيف 2013.

كان هناك الكثير من التقديرات بأن تعويل واشنطن على الأكراد السوريين سببه تلكؤ المعارضة المسلحة السورية في محاربة «داعش» و «النصرة»، بل تحالفها الخفي عند معظم فصائلها على الأقل مع «النصرة» على رغم رعاية واشنطن لتسليح المعارضين في فترة 2012-2013 في شكل مباشر أو غير مباشر من طريق الدوحة وأنقرة، وقد كانت هناك تقديرات بأن كفاءة «ب ي د» وتنظيمه العسكري (وحدات حماية الشعب – YPG) سبب التفضيل الأميركي للأكراد السوريين في وقت كانت هناك في خريف 2014 سيطرة لـ «داعش» من الغرب عند مدينة الباب شمال حلب حتى الموصل شرقاً ومن الشمال على مجرى الفرات من جرابلس حتى الفلوجة.

على الأرجح أن الأمور لم تكن كذلك عند واشنطن بل هي أبعد من ذلك بكثير: لم يكن حزب «ب ي د» سوى الفرع السوري لـ «حزب العمال الكردستاني» بقيادة زعيمه المسجون عبدالله أوجلان الذي كان لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية دور رئيس في اعتقاله في العاصمة الكينية نيروبي عام 1999 ومن ثم اقتياده بالطائرة إلى الأراضي التركية. وقد وضعت فكرة الإدارة الذاتية لشمال وشمال شرق سورية في مؤتمر تموز (يوليو) 2013 لـ «منظومة المجتمع الكردستاني-KCK» عندما انتخب جميل باييك رئيساً لهيئتها التنفيذية وهي، كمنظومة، بمثابة المظلة التنظيمية لفروع «حزب العمال الكردستاني» في تركية وسورية والعراق وإيران، كما أن عملياً من كان المؤسس الفعلي لـ «ب ي د» عام 2003 ثم (YPG) هو فهمان حسين- باهوز اردال (مواليد 1959) وهو كردي سوري من مدينة ديريك (المالكية) درس الطب في جامعتي حلب ودمشق وأصبح بين عامي 2004-2009 القائد العسكري العام لـ «حزب العمال الكردستاني» قبل أن يخلفه سوري آخر هو نور الدين صوفي، وفهمان حسين عضو كذلك في الهيئة التنفيذية لـ KCK.

بالتأكيد كانت واشنطن تعرف أن التحالف مع «ب ي د» يعني تفجير صراع مع أنقرة التي هي في حرب وجودية مع حزب أوجلان منذ يوم 15 آب 1984، وعلى الأرجح كان تفضيلها لميليشيا مسلحة تابعة لحزب أوجلان على الجيش الثاني في حلف الأطلسي (الناتو) يحوي دلالات سياسية أكثر منها عسكرية.

هنا يجب أن نعود إلى صيف 2013 وانتهاء التحالف بين واشنطن و «الإخوان المسلمون» الذين كان جلياً من مجرى عام 2011 أن أردوغان كان هو رأس حربتهم. على الأغلب أن انتهاء التحالف الأميركي مع «الإخوان المسلمين» هو الذي يفسر اتفاق واشنطن- موسكو حول الملف السوري في فترة 2013-2017 (خطاب تيلرسون الأخير هو بمثابة فتح صراع مع موسكو على سورية) ومن ثم تحالف واشنطن مع الأكراد السوريين. كان الاتفاق الأول يعني نزع التفويض الأميركي لأنقرة في الملف السوري البادئ بصيف2011 وكان التحالف مع الأكراد السوريين يعني أن رؤية واشنطن لأردوغان لا تختلف عن رؤيتها لمحمد مرسي، و3 تموز 2013 المصري كان في سلسلته 15 تموز 2016 التركي الذي كمحاولة انقلاب لم ينفك أردوغان عن اتهام واشنطن بالضلوع فيها، وعملياً كانت قراءة الرئيس التركي لمحاولة الانقلاب تلك قد دفعته بعد ثلاثة أسابيع للارتماء في أحضان موسكو وهو عملياً في فترة ما بعد 15 تموز2016 لم يعد يهمه سوى الموضوع الكردي في الملف السوري، لذلك تخلى في اجتماع 9 آب 2016 مع بوتين عن مسلحي شرق مدينة حلب مقابل شريط جرابلس- إعزاز الذي يقطع خط القامشلي- عين العرب- عفرين الكردي، وهو عملياً عندما يفكر بإدلب فبوصفها حاجزاً أمام الأكراد من الامتداد عبرها إن أنجزوا ذلك «الرواق» باتجاه البحر المتوسط عند رأس البسيط، لذلك كان اتفاقه لخفض التصعيد الأخير مع الروس والإيرانيين يتضمن ليس ادلب بل عفرين أيضاً. وقد كان انتشار الأتراك والفصائل المسلحة السورية الموالية لأنقرة وفق «اتفاقات آستانة» في غرب محافظة ادلب هو المقدمة لعملية عفرين الأخيرة التي ستتضمن عند أردوغان أخذ بلدة تل رفعت من الأكراد لوصل شريط جرابلس- أعزاز حتى الحدود في آخر غرب محافظة ادلب عند معبر باب الهوى.

تفكير أردوغان الوقائي

هنا، يمكن من خلال تفكير أردوغان الوقائي الذي يعتبر أن ما يُجرى في القامشلي سيترجم لاحقاً في ديار بكر، محاولة تفسير تحالف واشنطن مع الأكراد السوريين الذي اتضح أخيراً في مرحلة ما بعد «داعش»، أنه أبعد من «داعش» وأنه ليس مجرد تحالف وقتي: في الخرائط التي سربت من أوساط كردية لـ «روج آفا» التي تعني المناطق الكردية في غرب كردستان، هناك شريط يمتد من المالكية عند دجلة على الحدود الثلاثية التركية- السورية- العراقية حتى البحر المتوسط. هذا يعني حاجزاً جغرافياً كردياً بين تركيا وسورية، وإذا أضفنا المشروع الكردي في العراق وإيران وتركية، فإن الأكراد إذا نجح ما يطمحون إليه هناك أيضاً فإن هذا يعني قطع التواصل بين الأتراك والعرب والفرس عبر القاطع الكردي.

كانت حيوية العالم الإسلامي تعتمد على الثالوث العربي- الفارسي- التركي خلال ثلاثة عشر قرناً، ويقال إن انقلاب 28 شباط (فبراير) 1997 للعسكر الأتراك بدعم من واشنطن ضد رئيس الوزراء التركي الإسلامي نجم الدين أرباكان سببه تفكيره في إحياء ذلك الثالوث عبر تقارب أنقرة- طهران- بغداد- دمشق سياسياً واقتصادياً.

كان مشروع انفصال كردستان العراق من خلال استفتاء 25 أيلول 2017 مشروعاً جدياً ليس عند مسعود البرزاني فقط بل عند أوساط غربية عند ضفّتي الأطلسي، ويبدو أن فشله قد نقل التركيز الغربي في استعمال المسألة الكردية وبالذات عند واشنطن إلى أكراد سورية بدلاً من شمال العراق.

يحوي ما طرح في واشنطن حول تشكيل «قوات حرس حدود» على الحدود السورية- التركية والسورية- العراقية الكثير من الدلالات وقد ترافق هذا مع تشجيع أميركي للأكراد السوريين، في الغرف المغلقة، لإعلان إقليم مع جيش وبرلمان وحكومة كخطوة لاحقة لـ «قوات حرس الحدود». ويمكن أن لا تسمح التوازنات بتشجيع واشنطن على التقسيم وفقاً لنتائج تجربة أربيل 25 أيلول 2017، ولكن عملياً أصبحت هناك قوة سورية سياسية- عسكرية في شرق الفرات (من هنا تفكير أردوغان في عفرين ومنبج)، هي عملياً تحت النفوذ الأميركي يمكن أن تكرر تجربة البرزاني في إقليم كردستان عراقياً وكردياً بين عامي 2003 و2017 ويمكن أن تستعملها واشنطن، ليس فقط كما هو الأمر الآن حيث توجد قواعد عسكرية أميركية في الشمال الشرقي السوري يمكن أن تكون بدلاً من قاعدة إنجرليك، كورقة أميركية من أجل التسوية السورية المقبلة التي يبدو أنها ستكون لاصقاً دستورياً- سياسياً يجمع كمحصلة بين مناطق النفوذ الروسي- الأميركي- التركي في سورية المقبلة، وأيضاً كورقة أميركية في سورية ما بعد التسوية. 

* كاتب سوري.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة