الجمعه ٢٩ - ٣ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون ثاني ١٤, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
مؤتمر سوتشي يضع موسكو أمام امتحاني الجدية وقوة النفوذ - باسل الحاج جاسم
أوجد التدخل العسكري الروسي في سورية، نوعاً من التوازن العسكري في ميزان القوى بين جميع الأطراف، بحيث لا يسمح لأي منها بتحقيق أي انتصارٍ يمكن أن يقلب المعادلة على الأرض السورية، واستطاعت روسيا إعادة مناطق كثيرة في سورية إلى يد النظام، باستثناء بعض المناطق في شمال شرقي البلاد حتى الآن.

أعلنت روسيا، منذ البداية، أن تدخلها العسكري في سورية سيكون محدوداً، ولمدة تتراوح بين شهرين وثلاثة شهور، وبعد مضي أكثر من عامين على هذا التدخل، ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في زيارته القصيرة للقاعدة الجوية الروسية في سورية، أواخر العام الماضي، وقال، مرةً أخرى، إن الجيش الروسي أنجز مهمته، وسيعود إلى بلاده، وصحيح أن هذا الأمر كان قد تعهَّد به مراراً في السابق، إلا أن التوقيت والدلالات مختلفة هذه المرة.

استفادت روسيا استفادةً كبرى من عدم رغبة الولايات المتحدة في التدخُّل في صراعاتٍ مختلفة في الشرق الأوسط وغياب دور واضح لها في أزماتٍ كثيرة، وخصوصاً سورية، لتُعيد بناء علاقاتها مع عواصم مختلفة في المنطقة، لا سيما الخليجية منها.

وعملت روسيا بتدخلها العسكري في سورية على تحقيق أهداف جيو- استراتيجية، ونجحت، إلى حد كبير فيها، على رغم فشلها في تحقيق بعض تلك الأهداف، وجاء قرار إعلان الانسحاب مع اقتراب موعد مؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري، فموسكو ينتظرها دور سياسي مهم، حين يعقد مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي سيضم ممثلين عن المعارضة السورية.

ووفقاً للرؤية الروسية، فإن الحل الوحيد للأزمة السورية يتمثل في تشكيل حكومة جديدة، لإعادة الهدوء إلى البلاد، إلا أن موقع «المونيتور» الأميركي يعتبر تنفيذ تلك الرؤية مع رئيس مثل الأسد أمراً صعباً للغاية، وهنا يجب أن تظهر قدرات موسكو الديبلوماسية في تطبيق رؤيتها.

وعلى رغم التدخل العسكري الروسي القوي في سورية طوال عامين، إلا أن روسيا ما زالت تفتقر إلى تفعيل دور سياسي قوي، يناسب حجم تدخلها العسكري، خصوصاً بعد إعلان الانسحاب.

ومن هذه الزاوية، تعاونت موسكو سياسياً وعسكرياً مع دول إقليمية في المنطقة، بهدف دعم موقفها السياسي الضعيف، باعتبار أن شقاً ليس بالقليل من الشعب السوري يعتبرها دولة محتلة، لذلك رأينا كيف تعاونت مع الرياض وأثنت على جهودها في تشكيل وفد موحد للمعارضة، يضم جميع المنصات ليشارك في محادثات جنيف بجولتها الثامنة، وكذلك عبر محادثات آستانة التي نظمتها موسكو بالتعاون مع تركيا بداية، ثم تم ضم إيران كطرف ضامن بعد جولتها الثالثة (لما تملكه طهران من قوات على الأرض السورية وحتى لا تضع العصي في عجلات أي اتفاق روسي– تركي)، واستطاعت الدول الثلاث تهدئة الوضع في سورية إلى حد ما، إضافة إلى إنشاء أربع مناطق لخفض التصعيد.

بعد النجاحات «النسبية» لموسكو وشركائها في آستانة، تخطط موسكو لأن يكون مؤتمرها المرتقب في سوتشي، أحد أهم مسارات الحل السياسي، وبديلاً عن كل المنصات التي يلتقي في كل منها مجموعة معارضة، مع فارق أن سوتشي وفق الرؤية الروسية ستضم كل الأطراف المعارضة منها والمؤيدة.

لكن حتى الآن لم تتبلور أي صورة حول ماذا يمكن أن ينتج من هذا الحوار، حيث أن اجتماع سوتشي كان فكرة طرحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعدها قام أكثر من مسؤول روسي في الخارجية لتوضيح المقصد والأهداف من ورائها.

حتى التسمية أثارت جدلاً عندما تم الحديث عن «شعوب سورية»، إلى أن وضع حد لذلك مبعوث بوتين الخاص إلى سورية ألكسندر لافرينتيف، عندما قال إن التسمية الأصح لهذا الاجتماع «مؤتمر الحوار الوطني السوري»، ثم نشر قوائم للجهات المدعوة للحضور على موقع وزارة الخارجية الروسية، لتقوم بحذفها لاحقاً، وهو ما اعتبر سابقة في تاريخ هذه المؤسسة العريقة.

في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية، والمتغيرات في الخريطة العسكرية داخل الأراضي السورية، من الصعب الحديث عن خيارات المعارضة لأننا أمام أكثر من معارضة، وهي تضم منصات كل واحدة لها أجندة، وبعض أطرافها لا يمثلون أكثر من أنفسهم، إضافة إلى المعارضة العسكرية التي تضم الفصائل، والتي هي صاحبة الكلمة على الأرض، وفي حال اتفاقها مع أي طرف، تجعل المعارضة السياسية أو المنصات خارج اللعبة تماماً.

من المبكر انتظار الشيء الكثير من «سوتشي السوري» سوى أنه منبر حواري ضمن خريطة طريق تمشي فيها روسيا، التي ترى أنها عملت كل ما يلزم عسكرياً للانتقال إلى العمل السياسي، وهنا يجب أن تظهر قدرات موسكو الديبلوماسية في تطبيق رؤيتها، وهذا يجعلها أمام امتحانين، الأول مدى جديتها في الرغبة بالوصول لحل شامل مستدام، والامتحان الثاني مدى قدرتها على التأثير في الأطراف المحسوبة على موسكو داخل الأرض السورية، وسوتشي التي يجب متابعتها وانتظار نتائجها هي سوتشي التي جمعت قادة روسيا وتركيا وإيران، وستكون لها جولات أخرى.



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة