الأثنين ٦ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون الأول ٢٤, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
حتى يكون القضاء على «داعش» مبرماً ونهائياً - بشير عبد الفتاح
برغم الهزيمة النكراء التي تلقاها وتهاوت على إثرها دولة خلافته المزعومة في سورية والعراق، تتنوع المؤشرات التي تشي بأن هزيمة «داعش» قد لا تعني بالضرورة أن كابوس الإرهاب توارى نهائياً، فمن منظور فكري وأيديولوجي لا تزال الحياة تدب في أوصال التنظيم المتهاوي وأفكاره وطروحاته، كما تظل العوامل المساعدة على توفير الحاضنة الاجتماعية للتنظيم الإرهابي قائمة، إذ ما برحت الأمراض المزمنة، على شاكلة الاستقطاب الطائفي والصراع المذهبي بين السنة والشيعة، كما الفقر والقهر والظلم والتمييز والاضطهاد والإحباط وفجوة الأجيال، فضلاً عن الانحياز الأميركي الأعمى للانتهاكات والخروقات الإسرائيلية، تقض مضاجع ملايين البشر وتجعل منهم فرائس سهلة للفكر المتطرف الذي يمهد السبيل للانزلاق في براثن النهج الجهادي التكفيري الإرهابي. وفي العراق وسورية، لا يزال قطاع لا بأس به من السنة المضطهدين والمهمشين هناك ينظرون إلى تنظيم «داعش» كمخلص لهم من جور بني وطنهم من الشيعة الموالين لإيران، ومن بين 30 ألف عنصر كانوا انضموا إلى»داعش»، هناك آلاف من الذين لا يزالون يدينون بالولاء للتنظيم الإرهابي برغم دحره، وتتملكهم رغبات ملحة في تنفيذ عمليات إرهابية انتقامية، مستفيدين لذلك من التدريبات والخبرات التي اكتسبوها من خلال العمل لسنوات مع «داعش»، كما لن يترددوا في الانضواء تحت لوائه حال انبعاثه مجدداً، أو إعادة إنتاجه في صورة أي تنظيم إرهابي آخر، وقد لا يمانعون في الانضمام إلى أي تنظيم تكفيري جديد، يجسد الطبعة الثالثة من التنظيمات الإرهابية ذات الطابع العالمي، والتي بدأت تلقي بظلالها الكئيبة على الأمن العالمي منذ تسعينات القرن الفائت. وعلى الصعيد اللوجيستي، أكدت تقارير مجلس الأمن الدولي، شروع تنظيم «داعش» مع بداية انهياره في الموصل، في العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من موارده المالية وقدراته العسكرية وتجهيزاته التسليحية، عبر نقل الأموال والأسلحة والمقاتلين إلى مناطق وملاذات آمنة بديلة، لم يكن له فروع فيها، في إطار تحسبه المسبق لسقوط دولة الخلافة المزعومة، وضماناً لاستمرار جهوزيته لتنفيذ مزيد من الهجمات حول العالم مستقبلاً. ولا يستبعد خبراء دوليون كثر أن ينشط «داعش» مجدداً، ولكن في حواضن وملاذات مغايرة كشرق آسيا. وبحسب تقرير أمني إندونيسي، تتنامى أعداد الملتحقين بالتنظيم في دول جنوب شرق آسيا وتتزايد قدراتهم الترويجية داخل بلادهم، كما تتحدث تقارير مماثلة عن تشكيل التنظيم كتيبة خاصة للتجنيد، بالتوازي مع تكوين خلايا نائمة في دول آسيوية عدة؛ كسنغافورة وأندونيسيا والفيليبين وماليزيا.

وقبل أيام، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائه مسؤولين في الجمهوريات السوفياتية السابقة، من أن تطهير آخر معاقل «داعش» في سورية ينذر بخطر عودة مسلحي التنظيم الإرهابي لينضموا إلى جماعات إجرامية أو تشكيل خلايا نائمة، أو المشاركة في تشكيل قاعدة دعم لهذه الجماعات وتجنيد عناصر جديدة لها. واستشهد بوتين بأنه تم خلال العام الحالي وحده، إحباط 62 مخططاً إرهابياً، تضمنت 19 هجوماً؛ كان آخرها في سان بطرسبرغ. أما على المستوى العسكري، فقد خلّف دحر «داعش» فراغاً جيوسياسياً، تسابقت جماعات وميليشيات مسلحة عدة لملئه في العراق وسورية. وبناءً عليه، لم يستبعد مراقبون اقتراب ظهور النسخة الثالثة من الإرهاب الجهادي التكفيري، بعدما مثلت «القاعدة» الإصدار الأول، و «داعش» الإصدار الثاني، خصوصاً بعدما نجح الآلاف من جنود الخلافة الذين اكتسبوا قدرات قتالية وفنية فارقة في الفرار من العراق وسورية قبل الإجهاز عليهم، ليعيدوا ترتيب أوراقهم بهدف إحياء التنظيم، أو الإعلان عن ميلاد نسخة محدثة من التنظيمات الإرهابية، خصوصاً مع منح قيادة التنظيم بعض الصلاحيات والاستقلالية للخلايا النائمة والشبكات والذئاب المنفردة حول العالم لضمان البقاء المؤثر لأطول مدى ممكن. في غضون ذلك، تشكو أوساط سياسية عراقية من سعي مجموعات مسلحة مثل «الرايات البيض»، التي يقودها سلفي كردي كان أحد أبرز عناصر «داعش» في الحويجة واسمه عاصي قوالي و «المتطوعون» و «خراسان» و «السفياني»، التي تنشط بين جنوب كركوك وشمال ديالي، إلى خلافة تنظيم «داعش» بعد هزيمته واضطراب الأوضاع داخل إقليم كردستان العراق وتدهور العلاقة بينه وبين الحكومة الاتحادية، فلقد هربت هذه المجموعات المسلحة المنتمية إلى «داعش» من الحويجة قبل دخول الجيش العراقي إليها، وربما وجدت بيئة وحلفاء في الجبال الكردية، خصوصاً وسط جماعات سلفية كردية نشطت بعد الاستفتاء الكردي الأخير للانفصال عن العراق. وحذر خبراء أميركيون من أن هذه الجماعة بدأت تنظم نفسها تحت مسميات مختلفة حتى أضحت لا تقل خطورة عن التنظيم الأم، الأمر الذي يجعل من إعلان الانتصار على «داعش» سابقاً لأوانه. من هنا، تبدو أهمية المقاربة التنموية كآلية ناجزة لغلق الأبواب أمام عودة «داعش» وغيره من الحركات التكفيرية والتنظيمات الجهادية، من خلال دعم المجتمع الدولي لجهود إعادة الإعمار وتأهيل المناطق المحررة في العراق وسورية، وإعادة المشردين والنازحين واللاجئين إلى بيوتهم، وتوفير سبل العيش الكريم والحياة الملائمة لهم، بالتوازي مع تنقية الخطاب الإعلامي وتطهير نظام التعليم والخطاب الديني من الرواسب المشوهة والمضللة التي خلّفها التنظيم الإرهابي قبل دحره. فمن شأن هذه الجهود مجتمعة أن تقوض الحاضنة الاجتماعية التي طالما استفاد منها التنظيم الإرهابي في ما مضى، ولا يزال يتطلع إلى استثمارها للعودة مجدداً، وإن في صورة مغايرة أو تحت مسمى آخر.

ومن جهة أخرى، عمد «داعش» إلى استعراض قدراته على تنفيذ عمليات مدوية في بقاع متفرقة، برغم الضربات الموجعة التي تلقاها. فأخيراً، قام مقاتلوه بمهاجمة مركز للتدريب العسكري تابع للاستخبارات الأفغانية في كابل. وفي السياق ذاته، هدد التنظيم عقب اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، بشن هجمات داخل الولايات المتحدة. ومن جانبها، أعلنت هيئة الأمن الفيدرالية الروسية أنها أوقفت نشاطات خلية سرية لتنظيم «داعش» كانت تخطط لتنفيذ هجمات في مدينة سان بطرسبرغ، ثانية كبريات المدن الروسية في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الجاري.

ومن شأن ضبابية الموقف الأميركي إزاء محاربة الإرهاب عموماً، و «داعش» تحديداً، أن يفاقم من غموض مصير التنظيم الإرهابي، فعلى رغم قيادة واشنطن تحالفاً يضم 68 دولة لمحاربة «داعش»، يكتنف الدور الأميركي في هذا الصدد غموض لافت. فبينما أفادت صحيفة «يني شفق» التركية في وقت سابق من الشهر الجاري، نقلاً عن مصادر سورية، بأن أبو بكر البغدادي، زعيم «داعش»، نقل بعد توقيفه في العراق على يد الأميركيين مع سبعة آخرين، إلى القاعدة العسكرية الأميركية في رأس العين، ثم إلى أخرى في رميلان في سورية، امتنع البنتاغون عن التعليق على هذا النبأ. ويمكن استشعار خطورة هذا الأمر إذا تمّ الربط بينه وبين سوابق أميركية مشابهة ومثيرة للتساؤل حيال التنظيم الإرهابي، كإسقاط طائرات أميركية أسلحة وذخائر ومعدات لمقاتليه في سورية قبل عامين «من طريق الخطأ»، ثم توفير مظلة أمنية لخروج عناصره بعد هزيمتهم في البوكمال الشهر الماضي ومنع الطيران الروسي من استهدافهم.

وبينما أفضى التنسيق الاستخباراتي بين موسكو وواشنطن إلى إحباط عمل إرهابي لـ»داعش» في سان بطرسبرغ، تبدو الحاجة ماسة إلى تعميم مثل هذا النمط من التنسيق والتعاون عالمياً، علاوة على تفعيل الاتفاقات الدولية ذات الصلة، بالتوازي مع اعتماد مقاربات تنموية وثقافية حيال المناطق التي تتخذ التنظيمات الإرهابية منها ملاذات أو مورداً لتجنيد المقاتلين، حتى يتسنى إجهاض مخططات لاستغلال الأوضاع الإقليمية المضطربة والظروف الدولية القلقة لتعظيم فرص «داعش» في الانبعاث مجدداً.


* كاتب مصري.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة