الثلثاء ٢٣ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون الأول ٩, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
اثنان حكما اليمن ثلاثين عاماً وقُتِلا في ضواحي صنعاء: الإمام و"الرئيس" - لطفي نعمان
ها قد غادر الرئيسُ الأسبق علي عبدالله صالح المشهد اليمني "شهيداً"، بعد "طي حياته نهائياً" بِيدِ آخر حلفائه بصنعاء (...) وإن بقيت صفحة وجوده وحضوره القوي مفتوحةً غير مطوية، وشاهداً على ضعف وسوءِ خصومه، وقلة خبرة حلفائه. 

تكَمن سر قوته في "معرفته" أدق تفاصيل وخصائص المجتمع اليمني، وبها استطاع تحريك "لعبة" التناقضات والتعقيدات الغامرة حياة هذا المجتمع.

من بين كل "الكائنات اليمنية" فضّل صالح التعاطي مع "الثعابين"، وفقاً لمروية يمنية قديمة.

وصفته الدوائر الخارجية، عربية وأجنبية، بـ"الساحر"، إذ لم يكن متوقعاً طول استمراره في السلطة عام 1978م، حيث تصدر كرسي الرئاسة الملغوم بعد مصرع ثلاثة رؤساء يمنيين في الشمال والجنوب. لكنه بقي حتى غادرها عام 2012م.. راضياً مختاراً.

استطاع صالح، بما لديه من خصائص فطرية، إدارة علاقات "اليمن" الداخلية والخارجية بتوازنٍ عجيب يتناسب مع متطلبات اليمن التنموية والاقتصادية والسياسية.. وأخيراً نوازعه الذاتية.

اغتنم من القدرات الإدارية والتنظيمية للشخصيات الكبيرة المرتبطة به اتساع الأفق، فوق ما اكتسب بتجربته الشخصية. وزاد إدراكاً لضرورة الحفاظ على ما نشأ تحت ظل النظام "الجمهوري" من مؤسسات دستورية، صانت "شكل" و"مظهر" نظام الدولة، أياً كان تقويم "المحتوى" و"الجوهر" العام لهذا النظام، لهذا لم يكن الرئيس الآتي على متن دبابة ولا عبر إذاعة "بيان رقم 1".

هذا الرئيس العسكري ذي الطابع المدني، والقبلي.. عاش أثناء رئاسته، بما تخللها من فترات عصيبة، محط إعجاب "المختلفين" معه على مواقفه ورهاناته على بعض "جياد خاسرة".

عقود رئاسته الثلاثة، تقترن بثلاثية "الديموقراطية والوحدة والتنمية"، تكونت فيها طبقة مصالح مستفيدة من تلك المزايا بموازاة جيل ناشئ اغتنم، من سلبيات عملية "التنمية" ونواقص تجربة "الوحدة"، إيجابية "الديموقراطية" والتعددية، واستجلاب عدوى "الربيع العربي".

من الطبيعي تشبث أي رئيس، وعربي على وجه الخصوص، إلا فيما ندر، بالسلطة، ويتخللها ما تخللها من عوامل طبيعية في دولة من دول العالم الثالث، تؤدي إلى عدم طول بقاء "الفرد" فيها. بيد أن "الرئيس العربي" صالح مع هبوب رياح التغيير الهوج، أدرك أن لا جدوى من طول بقائه، وخلّص نفسه من "الخلع" وإن روجت الأقلام والألسن ووسائل و"أنابيب" الإعلام خلاف هذا الواقع المثبت في التاريخ!

عقودُ صالح السياسية وقد شارفت رابعتُها على الانتهاء، عنوانُ مرحلةٍ يؤرَّخُ بها "قبل وبعد صالح". مرحلةٌ طويلة استفاد فيها كثيرٌ من الناس، أعداء وأصدقاء. فبدأ عهده محاطاً بنافعيه حتى انتهى بالمنتفعين منه.

"علي" المُتسِمُ بدهاءِ "معاوية"، قيل عنه في معرض الشكوى: "لسنين طويلة ضلّل الأميركيين، والخليجيين، والعراقيين، والسوريين، وبشكل أكثر كان يخادع القيادات السياسية، والحزبية، والقبلية، في اليمن". في هذه الحالة لا يكون دهاؤه و"ذكاؤه اليماني" الفطري - عابر القارات - حُجةً عليه (...).

هو "أستاذ" البراغماتية اليمنية. ووجهٌ من وجوه "الاستقلال" الوطني والاعتزاز بالذاتية اليمنية. استوعب دروس كل رؤساء وحكام اليمن السابقين، كما "بلل رأسه عندما حلقوا" لزملائه رؤساء جمهوريات "العسكريتاريا" العرب. فما انصاع - تماماً - لقوى التأثير والنفوذ الخارجي، شرقاً وغرباً، فأرهقهم بتحالفه معهم، ولا اندفع صوب قَلع قوى التأثير والنفوذ الداخلي فأغرقهم في ترف التحالف مع السلطة. وما مارس توازن القوى بِوَهَن.

بقي صالح شجاعاً في مواجهته. عنيداً في تحديه. مُضنياً بمناوراته ومُتعِباً لحلفائه، أثناء رئاسته ثم "زعامته". عُرِف عنه مرونة التفاوض. الانفتاح على "كل" خصومه ومعارضيه الذين أرّقَتهم مرونته فلم يسحقهم كلياً. الحيوية في اتصالاته وتجديد صِلاتِه، مع التمتع بذاكرة حديدية تذكُر نصائح الناصحين وإن تجاوزها، وتحفظ وجوه ومواقف المخلصين والغادرين به دون أن يعرضها.

اختص بوفاء إنساني نادر مع ذراع عسكري قادر على قلب أي طاولة، لا تروقه "مائدتها" أو لا تناسب اليمنَ "فائدتها"!

التزم قوانين القوة وأهمها "إعادة تشكيل نفسه" بمقتضى كل مرحلة، و"عدم انعزاله" تماماً. وبرغم عقليته "التكتيكية" تعاطى ببراعة "استراتيجيات الحرب"، ومنها: "قدِّم لأعدائك حبلاً ليشنقوا أنفسهم بأنفسهم، عبر نوازعهم التدميرية".

ظل يُقر بمسؤوليته تجاه كل ما حدث مما يُعد مآثم وخطايا، ومعالم ومزايا، وكذا الناتج عن "مخبزه" طوال عقود رئاسته الثلاثة، وعقود حضوره السياسي الأربعة.

اثنان حكما اليمن ثلاثين سنة و"سيطرا" على مناطق مختلفة من اليمن طيلة أربعة عقود، مع فوارق جوهرية وموضوعية بين الشخصيتين والمرحلتين، لكنهما انتهيا قتيلين شهيدين في ضواحي صنعاء: الإمام يحيى حميد الدين (عن ثمانين عاماً)، والرئيس علي عبدالله صالح (عن سبعين عاماً).

الأول أبرم معاهدة الطائف بين اليمن والسعودية، والثاني ثبتها، بعد مفاوضات مُرهِقة مُضنية للجانب الآخر.

نُقِل عن الأول: "أنه سيبقى يحكم اليمن من داخل قبره سبعين سنة". ويبدو أن الأخير ستبقى "حِبالُه" ملفوفةً على أعناق خصومه، إلى أن يشنقوا أنفسهم بأيديهم!

7 كانون الأول 2017 


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
الحوثيون يطردون آخر الأسر اليهودية من اليمن
الحكومة اليمنية تقر برنامجها بانتظار ثقة البرلمان
التحالف يقصف معسكرات للحوثيين بعد أيام من الهجوم على أرامكو
الأمم المتحدة: سوء تغذية الأطفال يرتفع لمستويات جديدة في أجزاء من اليمن
الاختبار الأول لمحادثات الأسرى... شقيق هادي مقابل لائحة بالقيادات الحوثية
مقالات ذات صلة
هل تنتهي وحدة اليمن؟
عن المبعوث الذابل والمراقب النَّضِر - فارس بن حزام
كيف لميليشيات الحوثي أن تتفاوض في السويد وتصعّد في الحديدة؟
الفساد في اقتصاد الحرب اليمنية
إلى كل المعنيين باليمن - لطفي نعمان
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة