الخميس ٢٥ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون الأول ٩, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
إحياء خيار اليمن الجنوبي - سليم نصار
كانت اليمن بشقيها الشمالي والجنوبي مصدر أحداث دموية لم تعرف الاستقرار والهدوء منذ إعلان استقلال الجنوب في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1967. 

وقد تحقق هذا الأمر إثر انتفاضة شعبية اندلعت في 14 تشرين الأول (اكتوبر) 1963 ضد الاحتلال البريطاني الذي استمر لأكثر من 120 سنة. وتردد في حينه أن الانقلاب العسكري الذي حدث في اليمن الشمالي مساء يوم 26 أيلول (سبتمبر) سنة 1962، جاء بتشجيع من الاتحاد السوفياتي الذي حرّض أهل الجنوب على الانتفاضة. وقد ساعد على تنفيذه الرئيس جمال عبدالناصر الذي توقع سقوط اليمن تحت سيطرته، الأمر الذي يسهل له عملية تطويق السعودية وتخويف دول الخليج.

ويذكر مؤرخو تلك الحقبة أن الإمام محمد البدر كان متوجهاً نحو مقر إقامته في القصر عندما حاول ضابط يُدعى حسين السكري اغتياله من خلف لولا أن زناد البندقية تعطل.

وكان السكري يشغل وظيفة نائب العقيد عبدالله السلال الذي اختاره الإمام قائداً لحرسه الخاص.

ويتذكر الإمام في مذكراته أن عينيه لم تغمضا طوال الليل، خصوصاً بعد انقطاع التيار الكهربائي. وأعقب ذلك إطلاق نار على القصر. ولما ردّ الحرس على المهاجمين قتل ضابط يُعدى عبدالغني، تبيّن لاحقاً أنه المدبر الأساسي للإنقلاب بالتعاون مع سفارة مصر في صنعاء. وعلى الفور ظهر البديل العقيد عبدالله السلال، بينما هرب الإمام محمد البدر الى الخارج. واعتُبِرَت تلك الحادثة بمثابة مدخل وسيع للتدخل العسكري المصري الذي جاء بناء على طلب السلال.

وفي رأي المراقبين الذين رافقوا تطورات ذلك النزاع، ان جمال عبدالناصر لم يكن يقدّر خطورة المضاعفات التي نتجت عن تورطه في حرب استنزاف كان يصفها بـ "فيتنام مصرية" كونها تشبه ورطة القوات الاميركية في فيتنام.

وتشير المعلومات التي نشرتها الصحف بعد انتهاء تلك الحرب أن القوات المصرية خسرت 26 ألف قتيل، بينما خسر اليمنيون أكثر من أربعين ألفاً.

ولكن الخسارة الكبيرة كانت على الجبهات العربية بحيث ان اسرائيل استغلت انشغال الجيش المصري في تضميد جراحاته وإعادة تنظيم صفوفه لكي تضرب مصر والدول العربية في حرب 1967، وتحتل سيناء والجولان والقدس والضفة الغربية.

عقب انتهاء الحرب الأهلية اليمنية 1970، طغت فكرة الاندماج الوطني على كل أمر آخر. وقد ركزت الحكومة نشاطها على تشجيع التيارات المطالبة بإلغاء التكتلات القبلية والطائفية والاستعاضة عنها بدعم الهوية الوطنية. والسبب في ذلك ازدياد حدّة التنافس الطائفي القائم بين الشيعة اليزيديين في الجزء الشمالي من الجمهورية العربية اليمنية والشافعيين السنّة في الجزء الجنوبي من البلاد.

وقد حاولت صنعاء امتصاص تلك الخلافات من طريق وحدة الشطرين، الشمال والجنوب. ولكن مساعيها باءت بالفشل. ولم تتحقق هذه الأمنية إلا في ربيع 1990 يوم أعلن الشريكان اليمنيان قيام الوحدة، وأصبح لكل من "حزب المؤتمر الشعبي" والحزب الاشتراكي" نصيباً متوازناً في السلطة، بحيث أصبح علي عبدالله صالح رئيساً وعلي سالم البيض نائباً له.

بعد إعلان الوحدة بثلاث سنوات تقريباً، حدثت توترات عسكرية رافقتها اغتيالات سياسية، الأمر الذي أدى الى حرب معلنة بين الشطرين. وقد انتهت بانتصار قوات علي صالح وهرب سالم البيض الى سلطنة عُمان.

بعد تثبيت الوحدة في 7 تموز (يوليو) 1994، أصبح علي صالح رئيساً مطلق الصلاحية بعدما كان رئيساً لمجلس الرئاسة وعبد ربه منصور هادي نائبه.

يرى المراقبون أن نظام علي صالح تعرض سنة 2004 لأخطر التجارب الأمنية وأكثرها حدّة. والسبب أن جماعة بدرالدين الحوثي قامت بانتفاضة مسلحة بتشجيع من ايران ودعمها. وأدى الخلاف الى نشوب ست حروب أهلية، انتهت بتحالف الرئيس مع الحوثيين. وبسبب تمددهم الواسع في مختلف المحافظات وتهديدهم بالاستيلاء على العاصمة، انفجر الخلاف بين مسلحي "المؤتمر الشعبي" ومسلحي الحوثيين، الأمر الذي أدى الى اغتياله.

ويدّعي بعض المحللين إن طهران هي التي أمرت بالتخلص من علي صالح بعدما تبين لها أنه يتهيأ للقيام باستدارة عاجلة قد تنتهي به للجوء الى السعودية أو دولة الامارات العربية المتحدة.

بقي السؤال المتعلق بمستقبل اليمن الشمالي، وما إذا كانت القبضة الحوثية قادرة على إحكام سيطرتها على كل أجزاء البلاد؟

الشهر الماضي أجاب علي خامنئي، المرشد الأعلى الايراني، على هذا السؤال ضمن خطبة وجهها الى الدول الغربية، قال فيها: "إن ايران ستتواجد في كل مكان يتطلب حضورها لمواجهة الكفر والاستكبار دون اكتراث لأي أحد مهما كان حجم التهديد."

والترجمة العملية لعبارة خامنئي تؤكد حضور ايران في كل معركة تهتم بخوضها في المنطقة وخارجها. وهذه القاعدة تسري على العراق وسوريا ولبنان وفلسطين... واليمن أيضاً. وهي تستخدم وكلاءها المحليين من أجل تنفيذ هذه الغاية. تماماً مثلما تحرّض الحوثيين على القيام بهذا الدور. ولكن، هل يستطيع نصف مليون حوثي التحكم بمصير 27 مليون يمني؟

يستدعي هذا السؤال مراجعة تاريخ هذه القبيلة. خصوصاً أن الحوثيين من اليمن الشمالي مقسمون بالتساوي بين طائفتين إسلاميتين: الزيدية، وهي فرع من الطائفة الشيعية... والشافعية، وهي فرع من الطائفة السنيّة. وبحسب التوزيع الجغرافي، فان الزيديين منتشرون في المنطقة الشمالية الجبلية، بينما ينتشر الشافعيون بغالبيتهم في جنوب البلاد. في الماضي شكلت القبائل الزيدية اتحادين كونفيديراليين هما: حاشد وبكيل.

ويؤكد المطلعون على أحوال الجزيرة العربية اختفاء حكم الإمامة الزيدية مع حصر وجودها في اليمن الشمالي. والمعروف أن أئمة هذه الطائفة يتحدرون من صلب الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه). وهذا ما يفسر تقارب الحوثيين من ايران، كونهما ينتميان الى الطائفة الشيعية.

في آخر إحصاء ثبت أن عدد الزيديين في اليمن يتجاوز العشرة ملايين نسمة، أي أنهم يشكلون ما نسبته ثلث عدد السكان (27 مليون نسمة عدد سكان اليمن). هذا في حال عدم إضافة مليوني يمني يعملون في دول الخليج العربي. ومع دعوة أبناء علي عبدالله صالح الى استئناف القتال تحت شعار "حزب المؤتمر الشعبي"، يسعى الحوثيون الى احتلال كل البلاد. وربما يساعدهم على تنفيذ هذا المخطط الأزمة الاقتصادية الخانقة وتهاوي العملة المحلية بحيث تجاوز الدولار الواحد 450 ريالاً يمنياً في السوق السوداء، في حين بلغ السعر الرسمي المحدد في البنك المركزي 390 ريالاً للدولار.

إضافة الى الأزمة الخانقة التي رفعت أسعار البنزين والغاز المنزلي، مع ظهور مؤشرات سلبية تنبئ عن تفاقم أزمة الكهرباء والماء النظيفة. كل هذه الأعراض تدفع المواطن العادي الى البحث عن لقمة عيشه. ومن المؤكد أن القيادة الحوثية ستستغل هذه الانهيارات لتزيد من توسعها وتسلطها.

في نهاية المطاف، وبعد مضاعفة الأزمة الخانقة في اليمن الشمالي، من المتوقع أن تزداد دعوات المطالبين باستقلال الجنوب اليمني وفصله نهائياً عن اليمن الشمالي.

بعض المشككين في نجاح هذه التجربة مرة ثانية يستندون في حذرهم الى الصدامات المسلحة والتصفيات الجسدية التي وقعت سنة 1986. يومها تعارك زعماء الحزب الاشتراكي الذي ترعاه موسكو، دون الاهتمام بالعقيدة التي تجمعهم.

وقد قُتِل في تلك الاشتباكات عبدالفتاح اسماعيل وعلي عنتر وعلي شايع هادي وآخرون، في حين هرب علي ناصر محمد وأنصاره الى اليمن الشمالي. ثم تبيّن بعد فترة وجيزة أن سالم البيض وحيدر العطاس وسالم صالح محمد قد نجوا من الاغتيال بأعجوبة.

استناداً الى تلك الواقعة التي قال فيها اندريه غروميكو: "لقد حسبنا أن العقائدية ستتغلب على العشائرية والقبلية، ثم جاءت الأحداث لتثبت لنا خطأ الرهان على مقاومة العصبية."

والمؤسف، أن سكان عدن لم يعد لديهم سوى خيار الانفصال والاستقلال، ما دام الحوثيون مصرّين على استئناف القتال ضد معارضيهم وما دامت ايران حريصة على تنفيذ تعهد علي خامنئي، القائل "سنجعل من حرب اليمن فيتنام سعودية"!

صحافي لبناني



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
الحوثيون يطردون آخر الأسر اليهودية من اليمن
الحكومة اليمنية تقر برنامجها بانتظار ثقة البرلمان
التحالف يقصف معسكرات للحوثيين بعد أيام من الهجوم على أرامكو
الأمم المتحدة: سوء تغذية الأطفال يرتفع لمستويات جديدة في أجزاء من اليمن
الاختبار الأول لمحادثات الأسرى... شقيق هادي مقابل لائحة بالقيادات الحوثية
مقالات ذات صلة
هل تنتهي وحدة اليمن؟
عن المبعوث الذابل والمراقب النَّضِر - فارس بن حزام
كيف لميليشيات الحوثي أن تتفاوض في السويد وتصعّد في الحديدة؟
الفساد في اقتصاد الحرب اليمنية
إلى كل المعنيين باليمن - لطفي نعمان
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة