الثلثاء ٢٣ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ٢٦, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
مقارنات تُمْليها اللحظةُ الإصلاحيّة السعودية - جهاد الزين
لا أشك لحظة بأمرين في السعودية حاليا. 

أولا: أن ما يجري هو "ثورة من فوق" لا سابق لجذريتها في إعادة تركيز السلطة والثروة منذ ما بعد وفاة الملك المؤسس عبد العزيز.

ثانيا: أن هذه الحركة تحظى داخليا بتأييد شبابي ونسائي وعموما اجتماعي واسع. كيف لا وهي تَعِد بليبرالية اجتماعية في دولةِ الشارعِ الأكثرِ محافظةً وتزمّتا اجتماعيا في العالم تليها ولو بمسافة إيران والسبب في هذه المسافة لصالح إيران نسبيا ليس الفضل فيها للنظام الديني الإيراني المتزمِّت بدوره على طريقته، ولكن لعراقة التنوع الحداثي والمتقدّم في المجتمع الإيراني منذ قرون ولاسيما، مثل مصر والشام، منذ القرن التاسع عشر. وكيف لا تحظى هذه الحركة السعودية بتأييد داخلي وهي تطرح شعار مكافحة الفساد في الدولة التي راكمت الثروة النقدية البترولية الأكبر في العالم منذ سبعينات القرن الماضي بل منذ خمسيناته وجعلت أحد الأمراء البارزين سابقا يقول لـ"الواشنطن بوست" قبل أكثر من عشر سنوات أنه لا يجب المبالغة بالحديث عن الفساد لأنه لا يتجاوز الخمسين مليار دولار!!. يُقال أن هذا الأمير هو أو كان أحد المعتقلين في فندق ريتز. (راجع مقالاتي الأخيرة حول الموضوع في 7 و9 و11 و21 تشرين الثاني الجاري).

لأن هذه الحركة السعودية ضخمة، و تبدو الآن وكأنها لا بديل عنها من وجهة نظر صانعيها، فهي تطرح أسئلة كبيرة ربما من المبكر الإجابة عليها ولكن لا بد من طرحها على ضوء تجارب عالمنا الذي هو، بالنتيجة، عالم مشترك.

السؤال الأول: هل سيكون الأمير محمد بن سلمان ميخائيل غورباتشوف آخر أم دنغ شياو بينغ آخر؟ مع كل الاعتذار عن هذا التعميم والقفز عن الخصوصيات.

الحركة الإصلاحية الغورباتشيوفية انتهت بسقوط الامبراطورية السوفياتية وخسارة أجزاء آسيوية وأوروبية واسعة منها والدخول في ضعف سياسي وبنيوي عوَّض فلاديمير بوتين بنجاح جزءه السياسي والأمني في السياسة الخارجية وتماسكه الداخلي ولكنه لم يعوّض هشاشَتَه الاقتصاديةَ والتحديثية الداخلية.

حركة دنغ شياو بينغ نجحت نجاحا كبيرا في تحديث ريادي عالمي للصين وقدمت نموذجا للتحديث على غير النمط الغربي الديموقراطي.

أين تقف السعودية، بل المخاض السعودي الهام من هذين المصيرين حتى لو أنه لا خيار لهذه الدولة إلا الدخول في عملية إصلاحية؟

لنأتِ إلى منطقتنا ونطرح مثلين واحدا من التاريخ "القريب" وآخرَ معاصراً جدا.

هناك محاولات إصلاحية كبيرة تنتهي أو تنجح بالعامل الخارجي لا الداخلي. تجربة الدولة العثمانية التي سارت في مسار صعب من محاولة الإصلاح الداخلي حوالي القرن مع إنجازات حقيقية وعميقة في تحديث الثقافة الإسلامية ولكنها انهارت تحت وطأة العامل الخارجي أي هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.

هذا مثل سلبي جدا. هناك الأمثلة الإيجابية ومنها كما حصل في ماليزيا ونسبيا الآن أندونيسيا وهما دولتان تبني معهما السعودية منذ عقود علاقات جيدة لكن الآن باتتا حاجة "دراسية" سعودية من حيث مستوى تكيُّفِ مجتمع مسلم بشكل ناجح مع التحديث.

الموازنة بين العاملين الداخلي والخارجي مسألة استراتيجية طبعا في أي تجربة إصلاحية. يحصل الآن أن القيادة السعودية اختارت، ربما ليس بإرادتها وحدها فقط بل بسبب ظروف المنطقة، أن تواجه الخطرين الداخلي والخارجي معا أو ما أسميه حرب الشرعيتين الإصلاحية والكيانية في عملية رهان على أن في تلازمهما تخدم إحداهما الأخرى في منطقة تشهد لا انهيارات أنظمة بل دول أيضا.

أريد أن أقف (مؤقتا) في هذه التأملات عند النقطة التالية:

الحركات الإصلاحية في تجارب عديدة تطلق قوى جديدة في المجتمع ولكن هذه القوى إما أن تتحول إلى عنصر دعم متواصل للقيادة الإصلاحية مثل ما حدث في الصين وفي بعض أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية أو تفلت هذه القوى من عقالها بأشكال مختلفة مثلما حصل في عهد حسني مبارك.

السعودية لا تزال في مرحلة مبكرة وطويلة من محاولة تجميع القوى الجديدة صاحبة المصلحة في الإصلاح وهي قوى اجتماعية وُلدت من سياق طويل من التغيرات في مستوى التعليم وغربيته. التاريخ لا يتكرر. قد يتشابه ولكنه ينتِج دائما أشكالا وصيغا جديدة.

نقطة الانطلاق دائما على هذا الصعيد أن السعودية لم يعد لها غنى عن التغيير.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
التقرير الأميركي حول اغتيال خاشقجي يتّهم بن سلمان... والسعودية تردّ: تقييم زائف
السعودية أطلقت الناشطة لجين الهذلول
زيارة غير مسبوقة و"محادثات سرية" بين نتنياهو وبن سلمان في نيوم... إنهاء حالة العداء؟
خبيرة أمميّة تندّد بالأحكام الصادرة في قضيّة خاشقجي
العاهل السعودي يقيل اثنين من الأسرة الحاكمة في تهم فساد بوزارة الدفاع
مقالات ذات صلة
السعوديّة الجديدة: تقوية الوطنيّة وتقييد محدود للإسلام المُتشدّد؟ - سركيس نعوم
السعودية بين الـ2017 - 2018 والـ2019 - سركيس نعوم
أسوأ المجالس البلدية - علي القاسمي
الجزيرة العربية في المصادر الكلاسيكية - حاتم الطحاوي
مناقشة في المقال الأخير لجمال الخاشقجي - جهاد الزين
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة