الجمعه ١٩ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ٢٢, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
قمة سوتشي وفرصها الضئيلة - علي العبدالله
اختلفت تقديرات المحللين والمعلقين حول الهدف من دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى عقد قمة تجمعه إلى نظيريه التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني في مدينة سوتشي على البحر الأسود يوم الأربعاء في 22 الجاري. ففي حين ذهبت تقديرات إلى القول إن الهدف من عقدها هو تطمين تركيا وإيران بعد صدور البيان الرئاسي الأميركي الروسي الذي لم يأت على ذكر دوريهما على الساحة السورية، ما يعني أن وجودهما هناك غير مرغوب فيه، عبر مناقشة الملف السوري معهما على الصعيدين الميداني والسياسي، واعتبار ذلك خير دليل على الاعتراف بدورهما ومتانة التنسيق الثلاثي ورسوخه، ذهبت تقديرات أخرى إلى أن الهدف من عقدها تعزيز الموقف الروسي في مواجهة التوجهات الأميركية الجديدة على الساحة السورية، التي عكستها إشارات عدة عبرت عن رغبة واشنطن في لعب دور وازن على الساحة السورية، عبر حصر الحل بمسار جنيف للمفاوضات، والإعلان عن بقاء قواتها هناك حتى يتحقق السلام، واقتراح آلية للحل تبدأ بنزع السلاح منطقة فمنطقة كي يسود الأمن والاستقرار، وفق إعلان وزير الدفاع الأميركي، عبر الاستقواء بهذه القمة ونتائجها.

لكن، وبغض النظر عن الهدف الحقيقي للدعوة إلى عقد هذه القمة، فإن مشكلتها ونقطة ضعفها ليست في طبيعة الهدف الكامن وراء الدعوة إلى عقدها بل في ضعف فرص الاتفاق على نتائج قوية وصلبة في ضوء الخلافات العميقة التي تخترق التفاهم الظاهر وتجوفه، والتي عكستها المواقف المعلنة للأطراف الثلاثة. موسكو، صاحبة الدعوة، القوة الرئيسة في الميدان، والموجه الفعلي لمسار آستانة، تناقش الوضع على الساحة السورية مع شريكيها وعينها على واشنطن، حيث الهدف الإستراتيجي إقناع الأخيرة بالقبول بروسيا دولة عظمى شريكة في إدارة الملفات الإقليمية والدولية، وهذا يدفعها إلى التعاطي مع شريكتيها بذرائعية وانتهازية فجة، تستخدمهما في ساحة المساومة مع واشنطن وتعمل على تحجيم دوريهما وتقليص حصتيهما من الكعكة السورية، إن لم يكن إخراجهما خاليي اليدين منها، لذا اتفقت مع واشنطن على إبعاد القوات الأجنبية، الإيرانية تحديداً، عن جنوب غربي سورية، وأنكرت ذلك عندما أعلنت واشنطن فحوى الاتفاق. اتفقت مع تركيا على خطة خفض التصعيد في محافظة إدلب وتصرّ على دعوة حزب الاتحاد الديموقراطي (الكردي) إلى مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، يوم 2 كانون الأول (ديسمبر) المقبل وفق وكالة سبوتنيك، وهي تعلم أنها خطوة مرفوضة تركياً، وإن تركيا قد ارتضت تحمّل تبعات الانتشار في محافظة إدلب لأنها تمنحها فرصة تطويق قوات حماية الشعب في عفرين. تريد منهما موقفاً قوياً ضد الانتشار العسكري الأميركي على الساحة السورية، وهذا مغزى مشاركة رؤساء الأركان في الدول الثلاث في القمة، كي تصبح القوة الرئيسة والمقرر فيها.

تركيا بدورها تريد استثمار مسايرة شريكيها، وبخاصة روسيا، ولعب دور في موازنة الحضور والدور الأميركي في سورية في الحصول على ضوء أخضر روسي- إيراني في مهاجمة قوات حماية الشعب في عفرين ومنبج، وفق تصريحات الرئيس التركي والناطق باسمه إبراهيم كالين، والضغط عليهما في آن، لذا أشهرت في وجهيهما أوراقاً قوية بالدعوة إلى خروج كل القوات الأجنبية من سورية، وتحفظها على طبيعة دوريهما على الساحة السورية، قال الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين: «إن كلاً من موسكو وطهران تحاربان «داعش» بهدف ضمان بقاء نظام الأسد في الحكم»، و«إنه لا يعد شخصاً قادراً على منح السوريين حكومة ديموقراطية تمثل الجميع»، هذا إضافة إلى عملها على تقليص الهامش أمام روسيا في استثمار القمة عبر الإعلان عن «أنها امتداد لمحادثات آستانة، وليست بديلاً عن محادثات جنيف، ويجب تقييمها بوصفها عنصراً مكملاً لها»، وفق تصريح كالين، وذلك رداً على تلميحات روسية ببحث اعتماد مسار سياسي خاص بالدول الثلاث.

أما إيران، المتوجسة من تفاهم أميركي روسي يحد من دورها على الساحة السورية، تمهيداً لإخراجها منها، فتريد استمرار تنسيقها الميداني مع روسيا للحفاظ على زخم عملياتها العسكرية الذي يوفره الغطاء الجوي الروسي، من جهة، وتريد إضعاف مفاعيل اتفاقات خفض التصعيد، لأنها تضرب توجهها نحو حسم عسكري للصراع، بإطلاق عمليات عسكرية في تخومها أو عمقها، العملية العسكرية الواسعة في المثلث شرق سكة حديد الحجاز والغوطة الشرقية، أو الالتفاف على بنودها عبر تشكيل قوات مقاتلة تعمل تحت إمرتها في هذه المناطق مثل اللواء 313 في درعا، من جهة ثانية، وضرب فرص التفاهم الأميركي الروسي عبر التلويح بشن عملية عسكرية ضد قوات سورية الديموقراطية المدعومة أميركياً في الرقة، من جهة ثالثة، توافق على تحرك تركيا ضد حزب الاتحاد الديموقراطي (الكردي) لأن مشروعه يحد من هيمنتها على سورية، وتلوّح بالقيام بعملية عسكرية في محافظة إدلب وتسابقها على منطقة سنجار، من جهة رابعة، وهذا سيجعل الاتفاق مع شريكي القمة سطحياً وهشاً.
 
 
* كاتب سوري


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة