الخميس ٢٨ - ٣ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الأول ٧, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
محاذير التصعيد العسكري ضد كردستان عقب الاستفتاء - بشير عبدالفتاح
على رغم موجات الغضب التي اندلعت عقب الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان عن العراق، تطل محاذير شتى أمام أي تحرك عسكري محتمل ضد هذا الإقليم، أبرزها غياب المبرر الاستراتيجي. ويلاحظ أن اللجوء لاستخدام القوة العسكرية يخضع في مثل هذه الحالات لحسابات معقدة، لا سيما أنها قد تضع جيوش تركيا وإيران والعراق والفصائل المساندة لها في مواجهة مباشرة مع البيشمركة. وبينما يشي تاريخ الحركة الكردية في العراق ومحيطه الإقليمي بمستويات متفاوتة من قمع أوغلت فيه سلطات بغداد وأنقرة وطهران ودمشق لوأد أية نزعات استقلالية كردية، إلا أن ذلك القمع لم يكن ليجهز كلية على تطلعات الأكراد؛ بدليل وصول الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم من استفتاء على الاستقلال، لم يكن الأول من نوعه، في كردستان العراق، رافقته خطة لترسيخ دعائم الحكم الذاتي في كردستان سورية بدأت بإجراء انتخابات محلية في 22 أيلول (سبتمبر)؛ وصولاً إلى أخرى برلمانية مطلع كانون الثاني (يناير) المقبل، فيما واكبته تظاهرات هزت كردستان إيران، لدعم هذه التحركات.

في غضون ذلك، تبدو الإجراءات العقابية التصعيدية التي تبنتها دول الجوار على الصعيدين الاقتصادي والديبلوماسي، والتي وضعت إقليم كردستان في براثن الحصار والعزلة، كفيلة بإجبار سلطة الإقليم على تقليص سقف تطلعاتها عقب الاستفتاء، أو مراجعة حساباتها، من دون الحاجة إلى تصعيد عسكري، يستفز سكان كردستان ويدفعهم إلى الالتفاف حول قيادتهم، التي يختلف قطاع منهم معها، في مواجهة ما يعتبرونه عدواناً عليهم أو مؤامرة لتجويعهم وكسر إرادتهم. فبالتوازي مع إغلاق تركيا وإيران حدودهما مع الإقليم وتجميد كل صور الاتصال والتعاون معه، طلب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من مجلس النواب إلغاء نتائج الاستفتاء وفرض تطبيق القانون العراقي على أراضي كردستان، وبدوره طالب البرلمان بإلزام القائد العام للقوات المسلحة باتخاذ الإجراءات الدستورية والقانونية كافة للحفاظ على وحدة العراق وحماية مواطنيه، ومنها إصدار أوامره للقوات الأمنية بالعودة والانتشار في المناطق المتنازع عليها ومن ضمنها كركوك، فيما صوت المجلس عقب الاستفتاء على إغلاق المنافذ الحدودية التي تقع خارج سيطرة السلطات الاتحادية واعتبار البضائع التي تدخل منها مهربة.

ويلاحظ أن المجتمع الدولي لا يبدو مستعداً لتقبل نزاع مسلح جديد في منطقة تعج أصلاً بالتوترات والصراعات، بينما لم تكتمل بعد الحرب على تنظيم «داعش» في العراق وسورية، والتي تشارك فيها قوات كردية.

وفيما أكدت وزارة الخارجية العراقية أن الأمم المتحدة عرضت المساعدة في نزع فتيل التوتر بين بغداد وأربيل، أظهرت موسكو، التي تمتلك مصالح اقتصادية كبيرة في كردستان العراق، موقفاً مرناً حيال استفتاء الإقليم، مقارنة بمواقف أميركية وتركية وإيرانية متشددة. وعلاوة على العبارات الفضفاضة والمطاطية في شأن وحدة العراق، لم تخل بيانات الخارجية الروسية من تأكيد صريح بأنها تنظر باحترام إلى التطلعات القومية الكردية. وبناءً عليه، بدت موسكو أكثر تحفظاً حيال أي تحرك عقابي ضد كردستان العراق، حتى أنها شددت على أن الخلافات بين بغداد وأربيل يجب أن تحل بالحوار الذي يكفل الوصول إلى صيغة للتعايش السلمي داخل الدولة العراقية.

ولعل ذلك الموقف الروسي يرتكن على رغبة ملحة في إيجاد موطئ قدم في المياه الشرق أوسطية الدافئة، بالتوازي مع تعزيز موقف موسكو التنافسي في مواجهة النفوذ الأميركي المتغلغل في الشرق الأوسط، من خلال تقوية أواصر العلاقة مع أحد أهم حلفاء واشنطن في العراق والمنطقة برمتها، وهم الأكراد، مع مراعاة الحساسايات الخاصة بالحليف الإيراني والجار التركي، في ما يتصل بالمسألة الكردية، محاولة استغلال نزوع واشنطن التدريجي الى تقليص وتيرة تموضعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط مستقبلاً، وتحفظها على «التوقيت غير الملائم» الذي اختارته قيادة إقليم كردستان، «بتهور مستفز»، للتحرر من أصفاد سلطة بغداد التي تدعمها واشنطن.

ويعتقد جيمس جيفري، السفير الأميركي السابق لدى بغداد والباحث حالياً في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن استفتاء كردستان وجَّه ضربة استراتيجية لواشنطن، التي حاولت على مدار سنوات منع تفكك العراق وضحَّت في سبيل ذلك ببلايين الدولارات وبأرواح الآلاف من قواتها. ويرى جيفري في إخفاق واشنطن في حمل أكراد العراق، وهم من أوثق حلفائها في الشرق الأوسط، على إلغاء الاستفتاء أو إرجائه، دليلاً على عجز الولايات المتحدة عن الحفاظ على وحدة العراق، ومؤشراً جديداً الى تراجع النفوذ الأميركي في هذا البلد وفي المنطقة لمصلحة قوى دولية وإقليمية أخرى.

وتعتقد روسيا أن تطور علاقاتها مع الأكراد يتيح لها ساحة للمناورة وورقة للمساومة مع قوى إقليمية مؤثرة كتركيا وإيران، خصوصاً في الملف السوري. كذلك، لا تبدو موسكو مستعدة للتفريط في العائدات الاقتصادية غير الهينة للشراكة مع أربيل، فوفق تحليل نشره مركز «ستراتفورد» الأميركي، تتحول روسيا تدريجاً إلى أكبر مصدر للسيولة المالية في إقليم كردستان العراق، من خلال النشاط الاستثماري لشركتي «روس نفط» و «غاز بروم» عملاقي الطاقة الروسيين. إذ توشك «روس نفط» على إبرام اتفاق مع الإقليم لتمويل بناء خط أنابيب لتصدير الغاز الطبيعي إلى تركيا. وهو المشروع الثالث من نوعه لعملاق الطاقة الروسي في إقليم كردستان العراق.

وبدورها، أبت واشنطن إلا مواصلة نهجها المراوغ حيال الاستفتاء، فعلى رغم تأكيدها الحرص على وحدة العراق، لم تتورع عن إبداء استيائها من الإجراءات الاقتصادية والديبلوماسية العقابية التي اتخذتها بغداد وبعض دول الجوار ضد إقليم كردستان، مشددة على أن الحوار هو السبيل الأمثل لحلحلة هذه الأزمة. وفي هذا السياق، اعتبر الناطق باسم التحالف الدولي لمحاربة «داعش» الكولونيل راين ديلون، أن الاستفتاء حول استقلال كردستان يؤثر سلباً في هدف ذلك التحالف؛ لأنه يضعف تركيز المقاتلين الأكراد والعرب، على السواء، في المواجهة مع التنظيم الجهادي. وقال المسؤول الأميركي في مؤتمر صحافي إن «التركيز الذي كان مثل شعاع الليزر المسلط على تنظيم «الدولة الإسلامية»، لم يعد كذلك بنسبة مئة في المئة». ولفت إلى مفاوضات تجرى حالياً لإبقاء العمليات العسكرية ضد «داعش»عبر مطار أربيل، بمنأى عن أي خلافات أو نزاعات.
 
 
* كاتب مصري



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
الرئيس العراقي: الانتخابات النزيهة كفيلة بإنهاء النزيف
الرئيس العراقي: الانتخابات المقبلة مفصلية
«اجتثاث البعث» يطل برأسه قبل الانتخابات العراقية
الكاظمي يحذّر وزراءه من استغلال مناصبهم لأغراض انتخابية
الموازنة العراقية تدخل دائرة الجدل بعد شهر من إقرارها
مقالات ذات صلة
عن العراق المعذّب الذي زاره البابا - حازم صاغية
قادة العراق يتطلّعون إلى {عقد سياسي جديد}
المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي - حازم صاغية
هل أميركا صديقة الكاظمي؟ - روبرت فورد
العراق: تسوية على نار الوباء - سام منسى
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة