السبت ٢٧ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيلول ٢٣, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
مقاربة الأمم المتحدة إذ تُبرز مثالب نظام منع الانتشار النووي - بشير عبدالفتاح
وقَّع نحو 50 دولة، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أخيراً، على معاهدة جديدة لحظر انتشار السلاح النووي بعدما اعتمدتها 122 دولة في تموز (يوليو) الماضي. وعلى رغم وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تلك المعاهدة بأنها تشكل حجر زاوية في جهود نزع الأسلحة النووية، التي يفوق مخزون العالم منها 15 ألف رأس نووي، يلاحظ أنه لم ينضم إليها أي من الدول التسع النووية.

ربما تشي مسيرة انتشار الأسلحة أو القدرات النووية العسكرية حول العالم بأن نظام حظرها أخفق في تحقيق غرضه، الأمر الذي دفع المجتمع الدولي إلى تحري السبل الكفيلة بالبحث عن نظام بديل. ولعلنا لا نبالغ إذ زعمنا أن ذلك النظام ولد معيباً كونه تأسس على مبدأ احتكار دول بعينها للسلاح النووي مع احتفاظها بحقها في تطويره وتوسيع نطاقه، في وقت لا تدخر تلك الدول وسعاً في منع غيرها، وفي شكل انتقائي، من أن تحذو حذوها، بل وإذلال من تسول له نفسه من غير حلفائها تحدي هذا الوضع الجائر. وهكذا يتجلى الطابع التمييزي لمعاهدة منع الانتشار النووي، والتي لا ترسخ نظاماً فعالاً وعادلاً لنزع الأسلحة النووية بقدر ما تميز بين دول استطاعت أن تمتلك تلك الأسلحة بإجرائها تفجيراً نووياً قبل الأول من كانون الثاني (يناير) 1967، وأعطتها المعاهدة الحق في أن تكون دولاً نووية معلنة أو معترفاً بها، وهي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وبين بقية دول العالم التي لم تستطع أن تحقق الإنجاز نفسه قبل التاريخ ذاته، ومن ثم كان لزاماً عليها أن تبقى دولاً غير مالكة للسلاح النووي، لا سيما تلك التي قبلت أن تكون داخل نظام منع الانتشار طواعية أو حتى قهراً إثر ضغوط مارستها عليها الدول الكبرى.

علاوة على ذلك، استطاعت دول أخرى تطوير قدرات نووية، مثل إيران، بعدما حصلت على تسهيلات تحت ستار الاستخدام السلمي، إلا أن بعضها استعملها لصناعة القنابل الذرية مثلما فعلت كوريا الشمالية، التي لم يسعها بعد اكتشاف أمرها إلا الانسحاب من المعاهدة، ولم تفلح مساعي الدول الكبرى لاستصدار قراري مجلس الأمن رقمي ‏1718,1695 ‏لمطالبتها بالعودة إلى المعاهدة‏.‏ كما ثبت أن المواد أو التصميمات أو التكنولوجيا أو الكوادر التي وظفت في بناء برامج نووية لدول أعضاء في نظام منع الانتشار، والتي قيل إنها كانت ذات بعد عسكري، وبخاصة في حالات العراق وكوريا الشمالية وليبيا وإيران، كان مصدرها الدول النووية الخمس المعلنة، أو شركات تابعة لها عبر السوق النووية الموازية. وإذا كانت معاهدة منع الانتشار تفرض التزاماً بتقديم المساعدة للدولة غير النووية في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، فإن الدول النووية المعلنة أصبحت تتبع في هذا الشأن سياسات «تمييزية» ضد دول غير نووية شتى، لدوافع أو تقديرات سياسة خاصة أو غير منصفة، ما يشكل خرقاً واضحاً لمعاهدة منع الانتشار.

على غير هدى، حاولت الدول الكبرى إصلاح جوانب القصور في معاهدة حظر الانتشار النووي عبر البروتوكول الإضافي الملحق بها بغية إحكام رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على البرامج النووية للدول غير النووية الأعضاء في الاتفاقية‏، خصوصاً بعدما بدا للدول الكبرى أن نظام التفتيش الذي أقرته الاتفاقية لم يخل من ثغرات سمحت لبعض الدول بتطوير قدرات نووية، على رغم انضمامها إلى الاتفاقية‏.‏ ومن ثم ابتدعت فكرة «البروتوكول الإضافي‏» الذي ينص على ضرورة حصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية على معلومات كاملة عن أي أنشطة نووية في الدولة المنضمة إليه،‏ بما في ذلك الصادرات والواردات من المواد النووية‏‏.‏

الأمر الذي يعني أن البروتوكول الإضافي يضع الدول غير النووية الموقعة عليه، بما فيها دول عربية، تحت الوصاية الفعلية للوكالة الدولية للطاقة الذرية‏، إذ بدأت الدول الكبرى تمارس ضغوطها على تلك الدول لحملها على توقيع البروتوكول كشرط لتمرير برامجها النووية وحصولها على الدعم الفني من الوكالة والدول النووية المعلنة‏. وبذلك، لا يعدو البروتوكول الإضافي، إلا أن يكون حلقة جديدة في مسلسل الإجراءات القانونية والسياسية الفنية الدولية الرامية إلى تكريس حالة الاحتكار النووي، ذلك أنه يؤثر عدم المساس بالدول المالكة للأسلحة والقدرات النووية وغير الملتزمة بمعاهدة حظر الانتشار النووي، بينما يصر على الإمعان في تشديد الخناق على الدول غير النووية الملتزمة تلك المعاهدة. ولم تكن مساعي الدول الكبرى النووية لخفض ترساناتها النووية كمسار مواز داعم لجهود عدم الانتشار النووي بأفضل حال، إذ تواجه تلك المساعي الثنائية مِن قبل واشنطن وموسكو مصاعب عدة، يتصدرها سعي كل طرف للي عنقها خدمة لأهدافه ومصالحة الإستراتيجية.

كان من شأن ذلك القصور في نظام منع الإنتشار النووي أن شجع عدداً من الخبراء على الدعوة إلى صياغة نظام عالمي جديد في هذا المضمار؛ عساه يكون أكثر فعالية، معتبرين أن البداية تكمن في ضرورة إلغاء معاهدة NPT واستبدالها بأخرى أكثر صرامة وموضوعية, مؤكدين أن عملية الضبط والرقابة تحتاج إلى نظام جديد بآليات جديدة تتمتع بقوة الردع التي تكفل عدم التمادي والتجاوز من قبل الدول الكبرى والصغرى في آن، وحبذا لو تضمَّن النظام الجديد تنسيقاً بين مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية يخول الأخيرة الوصول إلى أي مكان بكل أريحية لإجراء عملية الرقابة والتفتيش للتأكد من عدم وجود خرق، لا سيما أن المعاهدة الحالية وبنودها الداخلية لا تعطي الأحقية الكافية في عملية التتبع والرقابة، الأمر الذي أدى إلى خرق بنود الاتفاقية من قبل الكثير من الدول وفي مقدمها الدول الموقعة عليها. وبينما تمَّ مدها إلى أجل غير محدد في مؤتمر المراجعة الذي عقد عام 1995، تخضع معاهدة NPT، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1970 بعد أن وقعت عليها 43 دولة، للمراجعة في مؤتمر تستضيفه الأمم المتحدة كل خمس سنوات بغرض زيادة فاعليتها ومعالجة أوجه العطب في تنفيذ بنودها.

غير أن معاهدة الجديدة التي تبنَّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ توخياً لحظر السلاح النووي، إنما تعكس بجلاء مدى عجز وقصور وتعثر الجهود الدولية الرامية إلى وضع نهاية لمأساة الانتشار النووي، إذ تشي تلك المقاربة الأممية الرمزية بأن فرص نجاح المجتمع الدولي في صوغ معاهدة أو آلية جديدة تكون أساساً لنظام فاعل لمنع الانتشار النووي، تبقى مرتهنة بقدرة الدول الكبرى على بلورة آليات ناجعة تعمل جنباً إلى جنب مع المنظمات والأجهزة الدولية القائمة من أجل تسوية النزاعات والصراعات الدولية. كما ترتبط كذلك بجاهزية القوى النووية الكبرى للتحرر من نزعاتها التمييزية وميولها الاحتكارية، فضلاً عن جديتها في توخي أمن العالم والترفع بذلك المقصد السامي عن أية مآرب شخصية أو مصالح قطرية آنية ضيقة. وقبل هذا وذاك، توفر الإرادة الدولية الجادة والصادقة لحظر الانتشار النووي، والتي تأكد غيابها التام بامتناع الدول النووية التسع عن الانضمام إلى المعاهدة الأممية الجديدة في شأن حظر الانتشار النووي.
 
 
* كاتب مصري


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة