الجمعه ١٩ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيلول ٢٣, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
انحلال الدولة اللبنانية - أنطوان قربان
عبر تحقيق نصر عسكري جميل على عصابات "الدولة الإسلامية" في سلسلة جبال لبنان الشرقية، لعل الجيش اللبناني أنقذ، في اللحظة الأخيرة، الكيان السياسي اللبناني عند الحدود التي باتت حدوداً للبنان منذ الأول من أيلول 1920 عندما أعلن الجنرال غورو، باسم سلطة الانتداب الفرنسية، دولة لبنان الكبير. لا بد من توجيه تحية مستحقّة إلى الإنجاز الذي حققه العسكريون اللبنانيون الذين عرفوا كيف يُديرون هذه المسألة بشجاعة وحكمة ومرونة وبراعة وحزم شديد. لم تنجرف هيئة الأركان اللبنانية خلف الإثارة الحربية الفوضوية، وأحجمت عن المشاركة بطريقة ناشطة في المعارك التي يخوضها جيش النظام السوري و"حزب الله" بصورة مشتركة ضد معارِضي الرئيس السوري، الذين يُنعَتون بالإرهابيين التكفيريين والداعشيين، بغية عدم التورّط في الحرب الداخلية الدائرة في سوريا. 

 سوف يسجّل التاريخ حس الانضباط الذي تحلّى به الجيش فضلاً عن حرصه على إبعاد الأذى عن المدنيين في عرسال، سواءً كانوا مواطنين لبنانيين أو لاجئين سوريين، كما حصل خلال معارك نهر البارد في أيار 2007 ضد بؤرة التآمر التي لم يكن اسمها "الدولة الإسلامية" أو "النصرة" بل "فتح الإسلام". لا يزال السؤال مطروحاً حتى يومنا هذا، كيف أفلت شاكر العبسي، زعيم التنظيم، من قبضة القضاء اللبناني وجرى إخراجه، بسحر ساحر، نحو الأراضي السورية؟ في سلسلة جبال لبنان الشرقية، حُرِم الجيش اللبناني من تسطير نصره النهائي لأنه، وبسحر سحر كما هو الحال دائماً، تفاوض النظام السوري و"حزب الله" (مع مَن؟؟) لإخراج عناصر "داعش" بطريقة مريحة، مع أسلحتهم وأمتعتهم، نحو الرقة في الطرف الشرقي لسوريا.

 صرّح رئيس الوزراء سعد الحريري خلال زيارته إلى فرنسا أنه أصدر مع الرئيس ميشال عون الأمر بإجلاء عناصر "داعش" من دون أن يشرح الأسباب السياسية لهذا الإجراء. في المبدأ، نحن أمام ما يمكن اعتباره تعطيلاً للعدالة لأنه أتاح لمجرمين أساؤوا إلى أمن الدولة الإفلات من قبضة السلطة القضائية، بداعي المصلحة العليا. إزاء العزم الذي أظهره العسكريون اللبنانيون، لا بد من التوقّف عند الضعف الشديد للسلطات السياسية. لعل المصطلح الأنسب لتوصيف هذا الوضع هو تفسّخ الدولة أو انحلالها، أي ذوبانها، تفتّتها، تحلّلها، تجزّئها، تفكّكها، اضمحلالها وخرابها.

 بغية التغطية، بلا شك، على المساومات المشبوهة التي أدّت إلى إخراج الإرهابيين، تُوجَّه أصابع الاتهام إلى ما وصفه وزير الخارجية جبران باسيل بـ"تردّد الجيش" عام 2014، وذلك من أجل تبرير التدخل الأحادي من جانب "حزب الله" بهدف التعويض، وفقاً للوزير، عن أوجه القصور المتذبذبة لدى الجيش. سوف يحكم التاريخ إذا كان رأي الوزير صحيحاً أم لا. لكن الانحلال معمّم على جميع المجالات. لقد جرى إقرار قانون حول سلسلة الرتب والرواتب. ينتهك هذا القانون، المجحف إلى درجة كبيرة، المبدأ المطلق بأن جميع المواطنين سواسية أمام القانون. إنه يقوم على التمييز بين موظّفي القطاعَين الخاص والعام. ويفرض بطريقة مجحفة ضرائب على بعض الفئات فيما يُعفي فئات أخرى منها. علاوةً على ذلك، لا يكترث القانون على الإطلاق لإطار موازنته، نظراً إلى استحالة التصويت على قانون الموازنة طالما أن صك البراءة لم يُمنَح لأسلوب حكومة السنيورة في تدبير الأمور، مع العلم بأن تلك الحكومة اضطُرّت سياسياً، في تلك الحقبة، إلى اللجوء إلى نفقات جارية من خارج إطار الموازنة.

 تم تحرير معتقلين من السجون في إطار المفاوضات التي أجراها "حزب الله" مع التنظيم المعروف سابقاً بـ"جبهة النصرة". لم يُصدر أي قاضٍ، في المبدأ، حكماً يقضي بالإفراج عنهم. ويبدو أن القانون الانتخابي، الذي جرى التصويت عليه بشق النفس، لا يُرضي أحداً إلى درجة أنه بات شبه مؤكّد الآن أن الانتخابات التشريعية لن تحدث عام 2018.

عليه، ليس هناك ما يستدعي المفاجأة في الخطاب الأخير لسمير جعجع. فمن جهة، أكّد بحماسة شديدة وحزم، في مواجهة "حزب الله"، المبادئ الثابتة لسيادة لبنان. ومن جهة أخرى، أعلن عن تمسّكه المطلق بتحالف حزبه (القوات اللبنانية) مع "التيار الوطني الحر"، الحليف الوفي لـ"حزب الله" والذي يقبل دائماً ومن دون استثناء بإملاءاته.

يبقى الانحلال كلمة ملطَّفة جداً للتعبير عن حالة الدولة اللبنانية المريضة جداً.

أستاذ في الجامعة اليسوعية 


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة