الجمعه ٢٦ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيار ٢١, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
أقدم تنظيمات «الإخوان المسلمين» أكثرها جموداً - وحيد عبدالمجيد
وثيقة حركة «حماس» الجديدة خطوة صغيرة إلى الأمام. تجمع الوثيقة الشيء وضده. محاولة إرضاء الجميع ظاهرة في ازدواجية الموقف تجاه بعض القضايا، وغموضه إزاء قضايا أخرى. وقد يجمع الموقف الازدواجية والغموض، كما الحال في شأن إعادة تحديد العلاقة مع تيار «الإخوان المسلمين».

ميثاق 1987 كان واضحاً في نصه على أن «حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين. وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي...».

استبعد معدو الوثيقة هذا النص من دون مراجعة، وهربوا إلى الأمام عبر تجاهل الموضوع برمته. واكتفى بعض قادة الحركة عند إعلان الوثيقة بتأكيد التزامهم الإطار الفكري لجماعة «الإخوان»، من دون توضيح المقصود بهذا الإطار، أو الفكر الذي يتضمنه.

لم تقدم جماعة «الإخوان» في تاريخها مشروعاً فكرياً محدداً يميزها. خطاباتها تستخدم الإسلام بطريقة تعبوية وفق الظروف التي تحيطها. وكثيراً ما تتسم بطابع إنشائي على ما نجد في البنود السابع والثامن والتاسع في وثيقة «حماس» الجديدة ضمن محور «الإسلام وفلسطين».

كان إسهام «الإخوان» التاريخي الأساسي في مجال بناء التنظيم القادر على التغلغل في أعماق المجتمع، أو قطاعات منه. وفي هذا نجاح كبير على صعيد بناء التنظيم، وتفاوت واضح في القدرة على تطويره وإصلاحه. التنظيمات الأقدم هي الأقل قدرة على إصلاح الاختلالات التي أدت إلى جمودها.

وأنتج جمودها حالة ربما تجوز تسميتها «عبادة التنظيم» التي انتقلت من التنظيم المصري إلى التنظيمات التي أُقيمت في العقدين التاليين لتأسيسه (1928)، وبينها التنظيم الفلسطيني الذي يعد الثاني خارج بلد المنشأ بعد تنظيم الأردن. واستمرت هذه الحالة بعدما أسس التنظيم الفلسطيني «حماس» في 1987، وذاب فيها.

وبسبب الجمود، خلت وثيقة «حماس» الجديدة من أية مراجعة لعلاقتها بتيار «الإخوان» العالمي، أو مركزه في مصر، بل تجنبت الموضوع برمته، بخلاف ما فعلته «حركة النهضة» التونسية مثلاً في المراجعة الصريحة التي أجرتها العام الماضي، وأعلنت بموجبها الخروج من إطار الإسلام السياسي بمجمله، والعمل في الإطار الوطني.

وإذا أجرينا هذه المقارنة في سياق أوسع، نجد أن تنظيمات «الإخوان» التي أُقيمت في النصف الأول من القرن الماضي أكثر جموداً من التي أُنشئت في نصفه الثاني. فالتنظيمات الأحدث عمراً تستطيع مراجعة اتجاهاتها ومواقفها عند الحاجة لكي تتجنب التراجع أو للمحافظة على حضورها، بخلاف التنظيمات الأقدم التي تفتقر إلى هذه القدرة حتى عندما تكون في أمسّ الحاجة لمراجعات جادة لدرء خطر يُهدّدها.

وترتبط القدرة على المراجعة باستقلال عن المركز، أكان تنظيمياً أو عاطفياً «فكرياً»، وباستعداد للاختلاف معه. فمثلاً، تبنى تنظيم «الإخوان» الجزائري، الذي تحول إلى «حركة مجتمع السلم» (حمس)، موقفاً قوياً ضد العنف خلال الصراع الذي تصاعد بين السلطة و «جيش الإنقاذ الإسلامي» وجماعات مسلحة أخرى خلال العشرية الدموية التي أعقبت إلغاء نتائج انتخابات 1991، إذ رفضت «حمس» المواقف الرمادية لتنظيمات «إخوانية» عدة، وانخرطت في مواجهة العنف فكرياً، وشاركت في الائتلافات الحكومية التي شُكلت بين 1994 و2013. ولم تبال قيادتها بانتقادات قيادة «الإخوان» في مصر، واتهامات بالجملة من بعض تنظيماتهم الأقدم.

ويفيد هنا تأمل أثر عامل الزمن واختلاف الظروف التي أحاطت تأسيس تنظيمات «الإخوان» في عصرين مختلفين، وربما أيضاً أثر تجارب التنظيمات الأقدم التي كانت ماثلة أمام الأحدث منها. ولا يقل أهمية، وقد يزيد، دور التنظيم المصري (الجماعة الأم) في إنشاء التنظيمات الأقدم عبر مبادراته هو. وينطبق ذلك خصوصاً على التنظيمين الأردني والفلسطيني اللذين قام التنظيم المصري بدور مباشر وجوهري في إنشائهما، فصارا أكثر تأثراً به، وأشد عرضة للاختلالات التي أصابته وفي مقدمها الجمود الذي خيم عليه. وكم من مرة بدا فيها هذا التنظيم مثل سيارة اختلت حركتها بسبب عدم إجراء الإصلاحات اللازمة لها، وافتقارها إلى سائق ماهر يسعى لمنع ارتطامها بحائط، لأن طريقة اختيار من يقودونها لا تسمح بذلك. وبسبب جمودها، لم تفرز تنظيمات «الإخوان» الأقدم، كمثل التنظيم «الأم»، قادة منفتحين قادرين على التجدد بدرجات متفاوتة، من نوع الغنوشي ومورو في تونس ونحناح في الجزائر وبن كيران والعثماني في المغرب.

تأثرت التنظيمات الأقدم بكثير من الاختلالات التي أصابت التنظيم المصري وجعلته أقرب إلى مجتمع مُغلق على نفسه تهيمن عليه حلقة شديدة الضيق (أوليغاركية) تفرض قبضتها عليه وتعزل معظم وحداته عن محيطها، اعتماداً على آليتين رئيستين: الأولى، طريقة تنظيم الوحدة القاعدية الأولى وعملها. وقد أُطلق على هذه الوحدة «أسرة» سعياً إلى تنشئة الصبية والشبان الصغار على أن الولاء للتنظيم هو الأساس. فما أن يندمج العضو الجديد فيها حتى تصبح أهم في حياته من أسرته الطبيعية. ويتيح العدد الصغير لأعضاء الأسرة فرصة كاملة لتوطيد العلاقات بينهم على نحو يعزلهم فعلياً وشعورياً عن محيطهم، فلا يجد الواحد منهم حاجة إلى أصدقاء آخرين في الأغلب الأعم.

وتُعد الآلية الثانية امتداداً لهذه الحالة التي تتم تنشئة الأعضاء عليها لكي يتعاملوا مع بعضهم بعضاً أكثر من تعاطي أي منهم مع آخرين. وتشمل هذه الآلية علاقات الزواج والمصاهرة، عبر السعي لتزويج أكبر عدد ممكن من «الإخوة» و «الأخوات».

ويُعتمد في هذه الآلية أيضاً على مزيج من التكافل الاجتماعي وتدعيم الولاء من خلال إعطاء أولوية لشباب التنظيم للعمل في الشركات والمتاجر وغيرها من المشاريع المملوكة لرجال المال والأعمال فيه، ومساعدة آخرين منهم في بدء مشاريع تجارية صغيرة، الأمر الذي يؤدي إلى خلق سوق عمل «إخواني» مُصغّر إذا جازت العبارة.

وعندما يعيش أعضاء أي تنظيم أو معظمهم مع بعضهم البعض طول الوقت أو أكثره على هذا النحو، لا بد أن ينغلق على نفسه، ويفقد القدرة على التجدد لملاحقة التطورات فيستهين بها أو يتجاهلها. وإذا اضطر إلى التعامل معها، يلجأ إلى تعديل في الشكل على طريقة «النيولوك»، أو إلى المراوغة بأشكالها المختلفة.

وهذه هي حال تنظيمات «الإخوان» الأقدم عمراً، التي ازدادت في السنوات الأخيرة الدلائل على أن المسافة التي تفصلها عن التنظيمات الأحدث في نشأتها تزداد مع الوقت.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
وقف نار غير مشروط في غزة بوساطة مصرية
تل أبيب ترفض التهدئة وتستدعي قوات الاحتياط
مصير الانتخابات الفلسطينية يحسم اليوم
استطلاع: «فتح» تتفوق على «حماس» والبرغوثي يفوز بالرئاسة
المقدسيون مدعوون للانتخابات عبر مراكز البريد
مقالات ذات صلة
حرب غزة وأسئلة النصر والهزيمة! - أكرم البني
أيضاً وأيضاً: هل يتوقّف هذا الكذب على الفلسطينيّين؟ - حازم صاغية
لا قيامة قريبة لـ«معسكر السلام» - حسام عيتاني
إعادة اختراع الإسرائيليّة والفلسطينيّة؟! - حازم صاغية
... عن مواجهات القدس وآفاقها المتعارضة - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة