Deprecated: Optional parameter $Href declared before required parameter $Img is implicitly treated as a required parameter in /home/ademocr/public_html/Arabic/include/utility.inc.php on line 254
الشبكة العربية : في ما خصّ الانتخابات الفرنسيّة - حازم صاغية
الخميس ٢٨ - ٣ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيار ٢, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
في ما خصّ الانتخابات الفرنسيّة - حازم صاغية
مشكلة المرشّح الرئاسيّ الفرنسيّ إيمانويل ماكرون كمشكلة هيلاري كلينتون، وجزئيّاً باراك أوباما، من قبل: إنّها الجمع بين التقدّميّة في الجانب الاجتماعيّ والثقافيّ، أي في مسائل العنصريّة والنسويّة والجنسويّة، والمحافظة في الشقّ الاقتصاديّ، أي في العدالة وتوزيع الثروة.

هذا الانفصال، الذي يتهدّد اليوم الوعي اليساريّ المعهود، الممزّق حاليّاً بين التقدّميّة الاجتماعيّة والتقدّميّة الاقتصاديّة، يفصح عن مشكلة اللحظة الراهنة من التطوّر الاقتصادي والثقافي في آن. هكذا نلحظ، مثلاً، مبالغات في التقدّميّة الاجتماعية من أجل الالتفاف على الموضوع الاقتصاديّ وتجاهله. وهذا سينيكيّ بما فيه الكفاية. كذلك نلحظ مبالغات في التقدّميّة الاقتصاديّة تنتهي بأصحابها إلى شعبويّة تضعهم جنباً إلى جنب القوميّين والعنصريّين من كلّ صنف. وهذا رجعيّ بما فيه الكفاية.

في فرنسا، تبدو المشكلة أكثر حدّة من سواها من البلدان الغربيّة المتقدّمة: فعلى الجبهة الاقتصاديّة ذاتها نواجه ازدواجاً مُرّاً: الفقر والبطالة، لا سيّما في الضواحي وفي المناطق الصناعيّة التي نفقت، أعلى من المعدّل الوسطيّ في البلدان المشابهة. في المقابل، فالتقدّم التقنيّ ومستوى الإنتاجيّة أدنى من المعدّل الوسطيّ، ومعهما تكلّس بيروقراطيّ في التشريع المتعلّق بالعمالة وسوق العمل. الشطر الأوّل من المعادلة يستدعي الإنفاق على البرامج الاجتماعيّة وخلق فرص العمل، خصوصاً للشبيبة. الشطر الثاني منها يستدعي طمأنة الرساميل وخفص القيود على حركتها من أجل أن تستثمر. التوفيق بين الشطرين صعب.

هذه الصعوبة هي ما يقول ماكرون إنّه سيتغلّب عليها ببطء وبتدريج وبانتقائيّة. قد ينجح وقد لا ينجح. قد ينوي ذلك جدّيّاً وقد لا ينوي.

ما سبق ينبّه إلى مسألة بات من الصعب القفز فوقها: إنّ عالمنا بات أشدّ تعقيداً بلا قياس ممّا تفترضه الإجابة الواحدة الجازمة والناجزة. أمّا الذين يقدّمون هذه الإجابة، واثقين من أنّهم وضعوا يدهم على الحقيقة، فهم، في أحسن أحوالهم، كذّابون. في أسوأها، نصّابون. وهم، غالباً، ورثة تقاليد ريفيّة ودينيّة معلمنة.

لقد شهدنا على مدى القرن العشرين ما يكفي من تجارب قال أصحابها، بألسنة مختلفة، إنّهم يملكون هذه الإجابة القاطعة. هذا ما قالته الشيوعيّة. هذا ما قالته الفاشيّة. التجربتان انتهتا إلى كارثتين هيوليّتين. أخيراً، قال دونالد ترامب شيئاً من هذا القبيل. النتيجة كانت اعتذارات متوالية عمّا سبق أن قاله. إنّه، بعد التحليق في سماء الأوهام، يعيد الانتشار المتعثّر على أرض الواقع.

ما من شكّ في أنّ أوضاعاً كهذه، انتقاليّة ومعقّدة وغير مُفكّرة من قبل، تتطلّب الكثير من التجريب. وإيمانويل ماكرون يقول، بلغته وبطريقته، إنّه سيجرّب. وهذا بالطبع لا يكفي، لأنّ هذه البراءة الحياديّة حيال الأيديولوجيّات والتيّارات القديمة لا تلغي احتمالات الانحياز المسبق، إمّا بسبب خلفيّة طبقيّة أو بسبب خلفيّة فكريّة أو للسببين معاً.

مع هذا، يبقى أنّ الإجابة الجازمة هي دائماً الأخطر. ومارين لوبن، مثلها مثل جان لوك ميلونشون، صاحبة إجابة جازمة، واحدة ونهائيّة. لهذا نرى سيّدة اليمين الأقصى تبحث عمّا هو مشترك بين برنامجها وبرنامج سيّد اليسار الأقصى. والحال أنّ المشترك هو بالضبط أنّ الاثنين يتجنّبان التعقيد القاهر والمُلحّ معتمدين إجابة بسيطة وخلاصيّة مفادها الهرب من هذا الواقع.

وقد يقال بحقّ إنّ الحيرة والتجريب لا يملكان الطاقة التعبويّة التي يملكها كذب الإجابة الواحدة الجازمة. وهذا سيّء بما فيه الكفاية في وصف درجة التقدّم والذكاء التي أحرزتها إنسانيّتنا.

إلاّ أنّ المؤكّد أنّ الحيرة والتجريب أشبه بالواقع وأكثر مطابقة لتعقيده. وهذا ما يجعلهما، في ظلّ الرقابة الديموقراطيّة، أقدر على اختراقه وتغييره. وفي هذا المعنى، سيكون الأحد المقبل، بين ما سيكونه، اختياراً بين عقلين.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة