Deprecated: Optional parameter $Href declared before required parameter $Img is implicitly treated as a required parameter in /home/ademocr/public_html/Arabic/include/utility.inc.php on line 254
الشبكة العربية : رسالة ضد تحالف المال ورجال الدين - أحمد بعلبكي
الخميس ٢٨ - ٣ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ٢٩, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
رسالة ضد تحالف المال ورجال الدين - أحمد بعلبكي
يُشير مفهوم الايديولوجيا الى منظومة قيم وتمثلات لدى جماعة ما أو حزب ما عن مجتمع منشود تُوجّه مواقفهم وميولهم لتغييره أو للمحافظة عليه. وقد ركز الفهم الماركسي على اعتبار الايديولوجيا التي تروجها الطبقة الحاكمة لا تعدو كونها وعياً زائفًا أو منظومة أوهام تُروجها الأجهزة التي تتحكم بالسلطة والثروة عبر المؤسسة الدينية والمدرسة والأسرة والاعلام بهدف المحافظة على النظام السياسي والاقتصادي...والايديولوجيا ليست منظومة تعتمدها الطبقة الحاكمة وحدها بل تعتمدها أيضا الطبقات المحكومة في ما تفهمهُ وتنشدهُ وتواجهه (...). 

في البلاد الفقيرة ذات التشكيلة الرأسمالية المهجّنة يلاحَظ توسع شرائح العوام التي تُحافظ على هوياتها التقليدية كلما زاد قلقها على امنها وكفاف عيشها. فيزيد ولاؤها لنخب تُغيثُها في اوقات ضيقها حيث يتراجع دور القانون مع توسع البطالة وفساد الادارة الحكومية. و ترجُح لدى نُخب العوام الموالية الولاءات الزبائنية المُحّصنة بدوغمائيات التعصب الطائفي.ففي مثل هذه البلاد، ولبنان من بينها، حيث يسود الاقتصاد الريعي المهيمن ويصل العجز في الميزان التجاري الى 75% ويصل العجز المتواصل في الموازنة الى حوالي النصف بفعل ارتفاع كلفة الدين العام. وتدفع آليات عمل هذه التشكيلة الرأسمالية المهجّنة الى المحافظة على الطبيعة الزبائنية للعلاقات داخل الطوائف وبينها مما يعوّق بناء دولة وسلطة القانون ويرجح شعائرية تديّن الطائفة في خطابات أحزابها المتواجدة في السلطة على اصول دينها. ويزيد في مثل هذه التشكيلة استعصاء عقلنة العلاقات بين الناس وبينهم وبين الادارة الحكومية. ويبرز الاستغناء عن تشكيل منظمات المجتمع المدني و النقابات ذات التوجهات الحداثية الاصلاحية وتُكفّر الأحزاب اليسارية.. هذه الأحزاب التي لم تتوقف غالبية نُخبها، مع الأسف، عن التعالي الثقافوي في أوساطها الشعبية وعن استفزاز عوامها والتجرؤ على الاستخفاف بسلوكياتها الشعائرية ومعتقداتها فلا يرون في اداء الفقراء لها ضرورة نفسية ثقافية لتحمل البؤس املا بتجاوزه. وقلما تُدرك النخب المتمركسة ان لكل مستوى من مستويات العقلنة تديُّنه. فالمتدينون المسلمون الصابرون يقولون "الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه". يستعينون بالله، كل بقدر ايمانه، عندما تضيق بهم السبل وعندما يجدون أنفسهم أمام عجز عقلي عن وعي الأسباب الواقعية لمصابهم. وهي أسباب غالبا ما ينجح الاعلام السلطوي في ازاحة وعيهم عنها وهم ليس لديهم من العلم إلاّ قليله. يستقوون على عجزهم عن فهم أسباب ظلمهم بتزهد لا تُثنيهم عنه دعوات اليساريين الى النضال المرير والمتعثّر في الوصول الى طوباويات الاشتراكيات المتهافتة في بلدان كثيرة ومتطورة، ولا تُثنيهم عن تقبُّل دعوات مراجعهم الى تزهّد وتعبُّد تسكن اليهما ارواحهم فيضمنوا الدخول الى الجنة ليس الاّ ثوابا لايمانهم وتصبُّرهم لأن من لجّ كفر. هذا ما انتهى اليه التعالي الثقافوي لدعاة الطوبى الشيوعية.واذا صحّ القول بأن "الدين ُ يقنّع السيرورات الاجتماعية الفعلية" الاّ انه غاب عن عقل هؤلاء المتعالين "أن دين العوام هو الصيغة الشعبية لواقع الفقراء وأن تدينهم هو التعبير الروحاني عن تعاستهم وهو في الوقت عينه احتجاج عليها" (...) وهو يمكن أن يكون، في فهم ما وفي فترة ما، المُولّد الأكبر للصلابة في النضال المطلبي كما في المقاومة.

ويجدر التذكير بأن الدين يمكن أن يكون مسدّدا لخطى المؤمنين بعدالتهم الالهية على طريق نضال مطلبي مُعقلن وسلمي من اجل تحقيق العدل الذي يناضل من أجله حملة الفكر الاشتراكي.

كما ويُمكن لمن شاء من علماء الدين ان يفهم الأسباب الحقيقية للظلم ان يُحسّن تواصله مع مُؤمني عوامه. وهذا ما انتهى اليه علماء لاهوت التحرير في اميركا الجنوبية... إن المؤمن الذي لم يتيسر له علمٌ يُعقلن وعيه يجد نفسه في زمن تعبده أقرب الى الله والى جنته الموعودة في الآخرة التي يتخيل انها تعقب دفنه وحسابه، منه الى مواجهة شراسة السلطة التي تتصدى للتظاهرات المطلبية التي يقودها القادة اليساريون ضد رأس المال والنيوليبرالية التي يتزايد جبروتها في الاسواق والحكومات...

ولهذا نرى أن أمر التفهم المُيسّر لأسباب الظلم الطبقي لدى العوام يجب ان يبقى أولوية قبل بلاغة التنظير الفلسفي لتاريخ المجتمع وأنماط انتاجه في نصوص وخطابات دعاة الشيوعية وشروحهم عن طوبى الرفاه الموعود في مرحلة الشيوعية مستندين الى ما ورد في البيان الشيوعي (1848). وذلك لان الوصول اليها يستعصي ترقبه في القادم المتخيل من التاريخ، كما يستعصي القفز اليها ثوريا في ليلة ليلاء. فهناك معوقات تحول دون تحقق مثل هذا التنظير الذي تعدّدت قراءاته واستعصت امكانات قيام طوباوياته في تجارب كبرى للتغيير الثوري في روسيا والصين خاصة قبل الثمانينات.وهي معوقات تعود لميول قادة الاحزاب الشيوعية الى التحليق الايديولوجي وتحميل شعوبهم ما لا قدرة اقتصادية وادراكية لها على تحمله، والى دفعها باتجاه اهداف سياسية تتمثل بتوسيع نفوذ حكومات احزابها على الصعيد الدولي قبل ان يتحقق لدى هذه الشعوب المستوى المطلوب من النمو الاقتصادي والثقافي الديموقراطي للمنافسة والصمود على هذا الاصعدة...

واذا كانت الاشتراكية كما اعتبرها منظرو الفكر الشيوعي هي مرحلة انتقال الى الشيوعية إلاّ أن تهافت نموذج الاشتراكية الديموقراطية في الغرب الأوروبي، وعلى الرغم مما توفر لأحلامها من ترويج على امتداد أكثر من قرنين على أصعدة ثقافة التنوير والنضال الطبقي والحزبي، إلاّ أن هذا النموذج لم يقو على حماية حقوق دعاته ومكتسباتهم المعززة لصفوفهم في مواجهة زيف الوعي الرأسمالي النيوليبرالي ولا سيما بعد عولمة الأسواق وخروج الرأسمال الأوروبي للإستثمار الى بلدان فقيرة توفر له العمالة الرخيصة.

ان تشخيصنا للتهافتات التي شهدتها الأنظمة الاشتراكية الديموقراطية في أوروبا الغربية وأنظمة الاشتراكية البيروقراطية المدولنة في أوروبا الشرقية لا يعني أن ليس هناك امكانات لبناء أنظمة اشتراكية غير سوفياتية وغير بيروقراطية من دون ايديولوجيا ترص صفوف الطبقات المستفيدة من تطبيقها في مواجهة الرأسمالية الاحتكارية المعولمة العاملة على محاصرة وتعويق ترويج قيم السوق.

هذه الرأسمالية المتجددة المستعينة دائما بطوباوية الخطاب الديني في مواجهة الخيارات الشعبية مستفيدة من التطور التكنولوجي الدقيق الصناعي والمعلوماتي ومن عولمة أسواق العمل وما انتهت اليه من تراجع كثافة العمالة المغبونة الحقوق في وحدات الانتاج مما انعكس تراجعاً في الحضور النقابي والحزبي المعارض وارتفاعا بنسب البطالة مقترناً بخصخصة صيغ الحماية الاجتماعية والتأمينات على أنواعها.

واذا كان هذا ما يحصل في المواجهات الطبقية داخل الرأسماليات المتطورة وداخل معارضاتها الراديكالية. فان المواجهات الطبقية في المجتمعات الفقيرة حيث يتوسع التدين المتطرف على حساب التدين المعتدل بفعل توسع آليات الإفقار والتهميش اصبحت محكومة، على الصعيدين الاقليمي والعالمي، بتحالف راس المال النيوليبرالي والحكومات التابعة له المتحصّنة بحركات اسلامية قومية وعابرة للقوميات. تحالف أصبح من الضروري لخطاب الترويج للفكر الاشتراكي المواجه لهذا التحالف ان يكون قريبا لفهم وايمان فقراء الناس بالعدالة ولاراداتهم في التغيير، والاّ فسيبقى هذا التحالف الظالم وحتى آجال متفاوتة البعد عن هذا العقد الكئيب الذي يعيشه فقراء المؤمنين متحكما بوعيهم غير البعيد عن التعبئة الارهابية، ويظل الفكر الاشتراكي رهن طوباوية يستعصي فهمها ويسهل تكفير مروجيها مما يؤدي الى خدمة رأس المال الأقدر على استخدام فئات متكاثرة من رجال الدين فإنه بات على أصحاب الفكر الشيوعي والاشتراكي أن يعودوا عمّا جنحوا اليه في خطاباتهم حول الاشتراكية العلمية التي يستعصي تحديد أفق تحققها على العوام حتى وعلى خواص المثقفين العقلانيين. ان حرج المثقفين في تحديد مراحل تحققها ليس بعيداً عن حرج مثقفي المسلمين منذ قرون عندما ذهبوا في اجتهاداتهم الدينية وفي فرق مختلفة تبحث في ما يوصل بين قيم وعدالة الله من جهة وبين علاقات السوق التي يُناط بالفقهاء والمُفتين تشريعها.

أستاذ جامعي وباحث في علم الاجتماع 


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة