الجمعه ١٩ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ١٨, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
بالعودة إلى بعض معاني الحرب اللبنانية - نهاد حشيشو
مع مجزرة بوسطة عين الرمانة في نيسان (أبريل) 1975 التي شكلت الشرارة التي فجرت حرب لبنان، لم يكن التفكير بالحسم الراديكالي واقعياً. وقد تنبه لهذا الأمر ياسر عرفات لاحقاً، بعد أن أدرك أن التعديل المحلي والإقليمي والدولي الحاصل في موازين القوى جعل الأمر خطراً، بل خطيئة جسيمة على أرض الواقع إذا ما نفذ الحسم العسكري كما أراده كمال جنبلاط وحركته الوطنية.

وهو لم يرد أي صدام نوعي أو مجابهة مع الأنظمة العربية ومن بينها النظام السوري. كانت «فتح» بقيادة أبو عمار تناور مع الأنظمة وعلى كل الجبهات. في الحقيقة أن حزب الكتائب سلح ودرب عناصره وحصل على المساعدة والسلاح كذلك من إسرائيل، وهو لم يكن معزولاً عن بقية القوى المسيحية الطائفية. فهي أظهرت تلاحمها معه في الشأن الفلسطيني. وأحداث أيار (مايو) 1973 سبق أن أكدت هذا الأمر. ومعها تكثف التدريب واستحضار السلاح وتأمينه.

وحين تعاطفت أنا خلال تلك الأحداث مع فكرة حمل السلاح للدفاع عن الفلسطينيين أمام قصف جيش رئيس الجمهورية سليمان فرنجية لمخيماتهم، لم أكن واهماً بأن تغيير النظام السياسي اللبناني ممكن إنجازه بواسطة رافعة الثورة الفلسطينية أو عبر نضالات القوى الشعبية اللبنانية بالدعم الفلسطيني المقدم إلينا.

إن الخلط بين الأمرين أدى إلى شطط كبير وخسارة معنوية ومادية هائلة لدى جماهيرنا المعبأة ضد النظام والآخذة بمبدأ التصدي له بهدف تغييره.

إن تطبيقاً واقعياً لبرنامج الحركة الوطنية الإصلاحي لم يكن ممكناً على رغم أحقيّته كونه دمج بين الموقف السياسي الاقتصادي الداعي إلى إصلاحات تغير النظام اللبناني والموقف العسكري المرتكز إلى أرضية نصرة المقاومة الفلسطينية سياسياً ولوجستياً وبشرياً. وكان موقفي تجاه هذه المسألة مغايراً لذلك بالأساس. فمع أهمية دعم المقاومة الفلسطينية، فإن ذلك لا يجعلها العامل الحاسم والملائم نحو التغيير الإصلاحي كما الثوري وبالتالي عدم جواز سفر الالتصاق بحركتها. إن التغيير برأيي كان مشروعاً وتتوافر له العوامل والأسس الراسخة لإنجازه عبر تحالف ثوري عماده عمال لبنان وشرائحه الاجتماعية والسياسية المختلفة من كافة الأديان والأطياف من طلاب ومتنورين ومزارعين ومنتجين بقيادة الحزب الشيوعي والقوى الأخرى المتحالفة معه. بهذا المعنى فإن مهمة حشد هذه القوى وقيادتها كانت من مسؤولية هذا الحزب. هذه هي نظرتي تجاه الحزب ودوره منذ انتسابي إليه في نهاية الخمسينات.

وكان ذلك يتطلب جهداً خاصاً مبذولاً وقيادة ثورية ذات خط ثوري وبنية تنظيمية ثورية. لكن ما حصل من تجاذبات في داخله وسيطرة القوى الإصلاحية على مقاليده، والاستكانة إلى دعم الخارج من علاقات أممية مع المركز السوفياتي، من دون النظر بموضوعية إلى حدوده وإلى المكاسب والخسائر الناتجة من هذه العلاقة، أفقدته فرادته وميزته ودوره في قيادة النضال الثوري للقوى اليسارية والديموقراطية وتحول إلى مستتبع للمقاومة الفلسطينية والقوى الإقليمية والدولية حين جرت عسكرة الأمور خلال الحرب وتخصيصاً مع «فتح». وهذا ما أدى إلى محاصرته ووقوعه في صلب صراعات الأنظمة العربية وعزله بالمواقف الخاطئة، وغير المستقلة.

لقد ظن قادة الحزب الشيوعي في منتصف السبعينات وعلى رأسهم جورج حاوي، أي عشية الحرب الأهلية اللبنانية، أن باستطاعتهم القفز فوق الواقع الطائفي والطبقي وجذب نهوض الجماهير إليهم وأخذ مقاليد الأمور بأيديهم لاحقاً عبر التحالف مع المقاومة الفلسطينية والعصف بأبواب البرلمان اللبناني الذي حاصروه بشعاراتهم الحمراء وإطاحته... لكن غاب عن بالهم أن هذه القوى المتفجرة لم تكن حرة في خياراتها، كي تقود معركة خلاصها الوطني والطبقي، بل كانت مجبرة على تجيير كل زخمها وهدرها لحركة الفعل الفلسطيني المحكوم بالسقف التسووي الإصلاحي المساوم والمحدد الرئيسي لوجهة الصراع ونتائجه. فبدلاً من أن يستعملوا المقاومة الفلسطينية للعبور إلى التغيير، كما ظنوا ونظّروا لذلك، فإنها استعملتهم بالمقابل وحولتهم إلى أدوات طيعة لحركتها المتذبذبة والرجراجة والدائرة في فلك صراعات الأنظمة العربية ومحاورها. لقد اختلط الأمر عليهم وفرّطوا بالأولويات والأهداف الأساسية إلى حد أنهم ابتكروا معادلة خاطئة حكمت سلوكهم وهي التحالف المصيري بينهم وبين المقاومة الفلسطينية لتحقيق أهداف انتصار الحركة الشعبية اللبنانية بآفاقها التحررية. وقد وضعوا لهذا الغرض بيضهم كله في سلّتها.

وكان لخيار الالتصاق الذي نفذوه، مع كمال جنبلاط وبقيادته، بحركة ياسر عرفات، أبلغ الضرر عليهم وعلى حركة التحرر العربية والجماهير اللبنانية في آن. والأمثلة على ذلك كثيرة. ويمكن الاستشهاد بعشرات المواقف والمؤشرات والروايات عن المدى الذي وصل إليه الاستلحاق هذا بالآلية اليومية لعمل المقاومة الفلسطينية وتجاذباتها.

ولا يمكن ليساري لبناني ووطني تغييري وديموقراطي أن ينسى ما فعله أبو عمار في طرابلس في الثمانينات مع جماعة حركة التوحيد الإسلامية وغيرها في المرحلة الظلامية من عسف وقتل ضد الشيوعيين، عندما تحولت موازين القوى وبدأت حملة النهوض للحركات الإسلامية في ظروف تعددت أسبابها وعواملها ومحدداتها.

يبقى أخيراً أن لذكرى 13 نيسان دروساً ومواقع في الذاكرة يجب ألا تنسى لمن أراد لحركة الاعتراض الشعبية اللبنانية المسماة حالياً بالمجتمع المدني (وهي ديموقراطية شعبية بامتياز وهكذا يجب أن تكون) أن تتصاعد في ظل هيمنة طائفية ومذهبية لأهل النظام وأصحابه لإنتاج مشاريع قوانين انتخابية هجينة تبقى، مهما أسميت وقسمت دوائرها، غير عادلة وتقود لبنان إلى مستنقع الطائفية البغيضة المدمرة.

* كاتب لبناني


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة