الجمعه ٢٩ - ٣ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ٨, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
أية صفقة «كيماوي» جديدة في سورية؟ - عمر قدور
تشبه الأجواء الدولية التي أعقبت هجوم النظام الكيماوي على خان شيخون، صبيحة الرابع من هذا الشهر، تلك التي تابعها السوريون عقب مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق (21 آب- أغسطس 2013). هذه ليست بشارة سارة، حتى مع المراهنة على إتيان ترامب بما هو غير متوقع، لأن مفاجآته لا يُرجح وصولها إلى انقلاب دراماتيكي في سياسته في سورية وعموم المنطقة.

من هنا يظهر أن المخاطرة بقرار استخدام الكيماوي مرة أخرى ليست كبيرة، طالما أن أسوأ التوقعات لا يشي بانقلاب أميركي على نظام بشار. ذلك لا يعني أن الأمور ستكون على ما يرام، ولا أن الإدارة الأميركية لن تحاول الخروج بمكسب ما بناء على هذه «الغلطة». لهجة ترامب الغاضبة بعد الهجوم في جزء منها شخصية، وحديثه عن تغير موقفه بالأحرى يثير السخرية لأن المجزرة الجديدة استئناف لمجازر أخرى بأسلحة محرمة دولياً أيضاً، ولأن حديثه عن تجاوز المجزرة العديدَ من الخطوط الحمراء قد ينتهي بما آلت إليه خطوط أوباما.

ميدانياً، موقف إدارة ترامب اليوم أفضل من موقف إدارة أوباما، وقت تنفيذ الهجوم الكيماوي على الغوطة، فالطيران الأميركي موجود في السماء السورية ضمن الحرب على داعش، وكان في وسع المقاتلات الأميركية توجيه إنذار فوري عبر قصف مواقع لقوات الأسد، ولو تحت ذريعة قصفها بالخطأ كما حدث سابقاً. إسرائيل فعلت ذلك، عندما بادرت في اليوم التالي للمجزرة إلى قصف مواقع في درعا تابعة للنظام والميليشيات الشيعية الحليفة، وهذا لن يكون الاستثمار الأخير من قبلها.

الطريف أن وزير خارجية بشار سيصرح بعد يومين بأن «الأحداث في خان شيخون تصب في مصلحة إسرائيل قبل كل شــيء». طبــعاً تصريحه يأتي ضمن الابتذال الإعلامي حول وجود مؤامرة إسرائيلية على نظامه، مع أن ميدفيديف، رئيس الوزراء الروسي، صرح للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي عشية زيارته الحالية لتل أبيب، بأن الأخيرة تفضّل بقاء بشار الأسد. خارج الابتذال الإعلامي الممانع، تجدر الإشارة إلى مسارعة نتانياهو شخصياً إلى التنديد بالمجزرة، وهذه الرسالة لا تجب قراءتها كنوع من تعزيز المقارنة بين سلوك قواته وقوات الأسد (لمصلحته طبعاً). فاكتساب السمعة الحسنة عبر نظام بشار ليس امتيازاً، هي رسالة تنطوي على عدم السكوت على خرق النظام تعهداته بموجب صفقة الكيماوي عام 2013.

نعم، كانت إسرائيل المستفيد الأوحد من صفقة الكيماوي آنذاك، فهي حصلت على مطلب قديم هو انضمام النظام السوري إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، وهو ما كان يربطه بانضمام إسرائيل إلى اتفاقية حظر الأسلحة النووية. غير أن استفادة إسرائيل لا تمنح النظام صك براءة من جرائمه التي يستغلها الآخرون على أفضل وجه، ولا تصلح حجة لمنحه البراءة بسبب غبائه السياسي، أو أولويته في قتل السوريين فوق أي اعتبار آخر.

لذا يستحسن الانتباه إلى أن رد الفعل الأميركي الغاضب أتى بعد الرسالة الإسرائيلية، وقراءة هذا الترتيب من دون الابتذال الإعلامي الممانع الذي يروّج الأساطير عن السيطرة الإسرائيلية على القرار الأميركي. إسرائيل هي الحليف الوثيق لأميركا، وهي شريك في الملف الكيماوي السوري تحديداً لأن صفقة التخلص منه تخصها، وإثبات النظام حيازته كميات لم تتلف من مخزونه يعني خرقه الصفقة الماضية، وأيضاً خرقه قرار مجلس الأمن المتعلق بها. أما من يرون المكاسب الإسرائيلية شهادة حسن سلوك للنظام، ففي جعبتهم تاريخ من هزائم النظام أمام إسرائيل للإضافة فوقه.

ذلك لا يعني حصد المكاسب إسرائيلياً فحسب، إذ ربما تجدها إدارة ترامب فرصة لتقوية موقعها التفاوضي مع روسيا. لإسرائيل وإدارة ترامب هم مشترك يتعلق بتقليل النفوذ الإيراني على نظام بشار، والمقايضة التي كان يطرحها ترامب مواربةً هي قيام موسكو بالحد من نفوذ طهران مقابل الإبقاء على بشار. هذا قد يكون واحداً من الملفات التي سيبحثها وزير الخارجية الأميركي مع نظيره الروسي يومي الثلثاء والأربعاء المقبلين، وهو قد يكون أحد العوامل الشديدة التأثير في اتخاذ قرار استخدام الكيماوي، في ما لو كان القرار إيرانياً، فطهران تسعى إلى منع أي تقارب روسي- أميركي، وتوجيه ضربة قبيل أول اتصال على هذا المستوى قد يدفع الجانبين إلى مزيد من التصلب. لكن، مرة أخرى، قد لا تكون الحسابات الإيرانية صائبة بما يكفي إذا لم تنزلق إدارة ترامب (وهذا هو الغالب) إلى مواجهة كبرى مع موسكو.

يبدو خطأ الظن بأن إدارة ترامب لن تفعل شيئاً مساوياً لخطأ الظن بأنها ستقوم بانعطافة كبرى، ترامب الذي لا يريد أن يُشبَّه بأوباما لا يشبه جورج بوش في المقابل، ولا حدث الآن يمس الأمن القومي الأميركي على غرار أحداث 11 أيلول. ربما أنسب السيناريوات لمصلحة الإدارة الأميركية هو ترك الملف مفتوحاً واستخدامه لابتزاز موسكو وطهران، لولا أن هذا لا يتفق مع طبيعة ترامب الذي يسعى إلى إحداث ضجيج إعلامي، ولو كان مبنياً على إنجاز صغير.

في كل الأحوال، لن تكون هناك صفقة تُبنى على حماية السوريين، وإذا تحصلت أية فائدة لهم فستكون من الثمار الهامشية ليس إلا. في المقابل، يستحيل عقد أية صفقة جديدة لا تنص على بقاء بشار، لأنها غير مقبولة إطلاقاً من بشار وطهران، هذا الاستحقاق لا يمكن تمريره إلا بواسطة عمل عسكري ضخم يقرر الروس عدم مواجهته، أو عمل عسكري يتلافى المواجهة باستخدام صواريخ مثل كروز ولا يؤدي إلى إسقاطه، وكما هو معلوم لا معنى لبقاء بشار سوى استمرار القتل بطرق أخرى، بما في ذلك استخدام أسلحة محرمة دولياً غير الكيماوي.

المنطق الذي تسير به التطورات السورية حتى الآن هو منطق الصفقات الصغيرة بين اللاعبين الكبار، وربما يقع العبء الأكبر على لافروف كي يعدّ السيناريو المقبول قبل لقائه نظيره الأميركي في الحادي عشر من الشهر الجاري. بوتين سبقه واتصل بنتانياهو لائماً إياه على اتهام النظام بارتكاب المجزرة. إذاً، ستتحرك الديبلوماسية الروسية لعرض صفقة جديدة على أطراف صفقة الكيماوي القديمة، ودائماً هناك لجان تحقيق أممية جاهزة لتمرير الوقت وتبريد الملفات الساخنة.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة