الأربعاء ٢٤ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ٢, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
مأزق البدائل الشعبية اللبنانية - أحمد جابر
كلمة مأزق تناسب واقع حال الباحثين عن بدائل سياسية لبنانية، وكلمة أزمة تطابق حالة الدوران السياسي والمدني الذي لا يهتدي أصحابه إلى تحديد خطوة البداية، ولا يعرفون، بناء على ذلك، اختيار الخطوات اللاحقة. لكنّ كلمتي المأزق والأزمة لا تتركان الصدى ذاته لدى النطق بهما عند الأطراف التي يصلها صوت الناطق، وردّ الفعل ليس ذاته من جانب مجموع السامعين، لذلك يتفاقم أثر الأزمة والمأزق، وتتعمق مظاهر كل منهما في أدبيات الناشطين الباحثين عن بدائل، وتظهر سماتهما واضحة في مختلف ميادين الممارسة الحزبية المدنية.

تقارب بعض الأحزاب الواقع المأزوم بلغة التفاؤل، ويصفها بعض آخر بنعوت التشاؤم، ولكل من اللغة والنعت توابعه السياسية، ذلك أن الوضعية «النفسية»، المتفائلة أو المتشائمة، في مواجهة واقع سياسي ملموس ومحدد، لا تحيل إلى أية مهمات «نفسية» استطرادية، وما يمكن قوله في هذا المجال، هو أن الردود تقع في مكان آخر، خارج الرغبوية المتفائلة، وخارج العدمية المتشائمة، وخارج الارتباك و «الخبط عشواء» المتشائلين. لكل «خارج»، مما وردت الإشارة إليه، ممارسة عملية تناسبه، منها ما بات قيد المشاهدة العيانية، التي اختبر نظرها مشاهد الحشود والهتافات والأداء المظاهراتي، ومنها ما صار قيد علم «التحليل التقويمي» اللاحق لكل عمل ميداني، الذي لم يتوصل ختامه إلى خلاصات ختامية تتضمن مادة النجاح ومادة الإخفاق، مما يعين على طرح سؤال مركب ابتدائي يحدد كيف نتجاوز ما حصل؟ وكيف نطوِّر ما حدث؟ وما هي الخطوة اللاحقة؟ ومن ضمن أي برنامج تحرك ميداني عام؟ ومن هي الفئات المستهدفة بهذا التحرك؟ وكيف نخاطبها لنحوز على تأييدها ودعمها ومشاركتها، في كل تحرك شعبي – سياسي لاحق؟

ملاحظة الأزمة والمأزق، بما هما وصفان لحالة عامة، تقتضي التمييز بين المستويات على المستوى الشعبي والوطني. ضرورات التمييز توجبها حقيقة أن الجسم الشعبي المعني بصياغة الأسئلة وبتجديد نقاط التحرك والنشاط، ليس جسماً واحداً، وهو ليس موحداً من نقطة البداية الأيديولوجية والسياسية، إلى نقاط التنظيم وكيفية التأطير وآليات التواصل والتفاعل والحركة. على هذا، يمكن القول بمستويين: المستوى الحزبي، الذي يحتفظ بأشكال من التنظيم والانتظام والعلاقات الداخلية المحددة بلوائح وقوانين... والمستوى «الجمعياتي» الذي تنظم علاقاته وتحركاته مبادئ عامة فيها مساحة واسعة للاختيار الفردي الحر، مساهمة في النشاط أو تخلفاً عنه، وموافقة على الوجهة العملية أو اعتراضاً عليها. هذان المستويان تضبطهما «مادة تنظيمية» معروفة في كل منهما، يتأثر بهما ويستجيب لندائهما، مستوى ثالث يتشكل من مادة شعبية انتظارية، هذه المادة تختار انحيازها وفق حساباتها، وتقنن مشاركتها وفق مراقبتها مسار الأمور، وتتخلى عن حياديتها أو تتمسك بها، وفقاً لطبيعة النتائج التي تصل إليها التطورات الميدانية.

بين المستويات الثلاثة علاقة تجاذب، وبين المستويين المنظمين، الحزبي والجمعياتي، علاقة تنافس، ومادة التنافس تتشكل من المستوى الشعبي المحايد، ومن التقاط مبادرة النزول إلى الشارع، ومن القدرة على تمييز الذات إعلامياً وجماهيرياً، ومن الفوز بلقب «البديل الجديد» الذي يقع موقعاً حسناً على أسماع الجمهور اللبناني الحالي، الذي لا يسمع عن الجسم الحزبي القديم سوى أحاديث «الاتهام» السياسي والتنظيمي والفكري، وعليه يلقي أحمالاً ثقيلة من مسؤولية الحرب الأهلية اللبنانية، ومن مسؤولية الفشل في مهماته الوطنية والسياسية والاجتماعية. جسمان يتنافسان على تقديم بطاقة الانتساب إلى المستقبل: قديم يعاند قدمه وقليلاً ما يظفر بنجاح معاندته، وجديد يصرُّ على جديده «المبتكر» الذي كأنه من دون جذور سابقة، وقليلاً ما يفوز بحصيلة جادّة تجعله وحيداً في ميدان حداثة سنه وحداثة نضاله. مع طبيعة التنافس هذا تزداد حدة الأزمة السياسية، تتعمق شروط الخروج من وهدة المأزق الاجتماعي، وترتبك معطيات الوضوح، في الكلام وفي الممارسة، مما يجب تقديمه إلى الكتلة الشعبية الواسعة الهائمة بين العديد من النظريات، وبين العديد من الفئات والأجسام.

سيكون من الأجدى أن تتم المبادرة إلى طرح أزمة ومأزق الفئات الحزبية والجمعياتية على الملأ، وتعريض واقعها المأزوم بسماته، كجزء من قراءة أوسع تتناول ما هو عام كمأزق وطني، وما هو خاص ضمن العام كمأزق خاص بكل فئة من الفئات الناشطة، من ضمن أحزابها أو من خلال جمعياتها. قد يكون من شأن هكذا مصارحة للذات وللجمهور، أن تنتج مادة تطوير ذاتي لكل فئة اجتماعية على حدة، وأن تنتج أيضاً مادة يتحلق حولها ائتلاف شعبي ما، يتصدى لمهمات البديل الشعبي، ويتقدم لطرح ومتابعة كل المهمات الشعبية التي تقتضيها ظروف الواقع اللبناني الراهن، الذي لا يخفى مأزقه، ولا تحتجب أزماته، ويدرك المعنيون مدى الخطر البنيوي الشامل الذي يحيق به.

ولأن النقاش ليــس مبهماً، ولا يخاطب «عالماً افتراضياً»، فإن المعني بالكلام هو الأحزاب التي ما زالت تحمل راية يــسارية، والجمعيات التي تعلن مدنيتـــها، أما ما يمكن قوله افـــتتاحاً، فهو أن اليســارية التي تقــادمت لن تفـــلح وهـــي تتحرك داخل جمودها الســياسي والفكري، ولا بديل من التصدي لمهمة بناء يسار جديد في مختلف المــيادين، كذلك فإن المدنية التي تستأنس «بهلامية» مدنيتها، وبتطهرها من السياسة وآثامها، فلا تقـــترب منها، هذه المـــدنية مـــطالبة بالتقدم نحو مغادرة «طفوليتها» الاجتماعية، حتى لا تظل في أعلى مراحل الجهالة السياسية.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة