الجمعه ٢٦ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ١, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
الاتفاقات المحلية ليست ضمانة عودة اللاجئين السوريين - مهى يحيى
ولّد النزاع السوري أكثر من 4.8 مليون لاجئ وحوالى 6.3 مليون نازح في الداخل. وأمام هول الكارثة وجسامتها، يفترض كثيرون أن الحل السياسي سيؤدي فوراً إلى تقاطر اللاجئين أفواجاً أفواجاً إلى مساقط رؤوسهم.

لكن الأمور ليست على هذا المنوال من البساطة واليسر. وعلى رغم أن المُرَحَّلين قسراً متلهفون إلى العودة إلى بيوتهم، إلا أن عودة اللاجئين لا تقتصر على حركة عبور الناس الحدود. هي تقتضي قراراً سياسياً وإرساء إطار لتيسير العودة، وهذا ما لم تبحث فيه مفاوضات جنيف الحالية الرامية إلى إنهاء النزاع السوري، بينما يلتزم النظام السوري وروسيا وإيران و «حزب الله» مقاربة جزئية تحيل مسألة العودة إلى حلقة فرعية من حلقات حساباتهم السياسية والعسكرية.

وهجرة السوريين الجماعية هي ثمرة مباشرة لقمع نظام بشار الأسد المعارضة المدنية الشعبية وللحروب بالوكالة التي يشارك فيها لاعبون إقليميون ودوليون. ولاجئون كثيرون رحلوا عن مناطق عاثت فيها البراميل المتفجرة دماراً، وانتشر فيها الاختفاء القسري والحصار والهجمات بالأسلحة الكيماوية. وبعض آخر غادر نتيجة عمليات ترحيل على أسس مذهبية أو إثنية، أو قصف القوات العسكرية مناطقهم.

وفاقم الوضع الجغرافي - السياسي المعقد وتغيير الوقائع على الأرض عُسر التوصل إلى اتفاق سياسي عادل وعودة طوعية للاجئين. وسورية اليوم مقسمة إلى مناطق منفصلة ومتجاورة، وهي مناطق نفوذ واقعة تحت سيطرة النظام ومروحة واسعة من الفصائل بينها ما يسمى «الدولة الإسلامية»، و «هيئة تحرير الشام» المتحدرة من «القاعدة»، و «القوات السورية الديموقراطية» الكردية – العربية، ومجموعات متنوعة من الثوار، وعدد منها متحالف مع تركيا. ويعيش حوالى 10.1 مليون شخص في مناطق سيطرة الحكومة، في وقت يعيش في مناطق السيطرة الكردية ومناطق سيطرة «الدولة الإسلامية»، حوالى مليوني نسمة. وغالباً ما يهمين عدد من المجموعات المسلحة في هذه المناطق.

وفي الوقت ذاته، تساهم الهدن المحلية أو الاتفاقات التي يفرضها النظام في تغيير الوقائع على الأرض. ومثل هذه الإجراءات ينتهي إلى استــسلام بلدات أو أحياء كانت تسعى إلى كسر طوق حصار النظام وحلفائه ووقف القصف العسكري، مقابل ترحيل السكان قسرياً إلى مناطق أخرى.

ولا يخفى أن ممثلي النظام وسموا، أخيراً، الهدن المحلية بآليات تيسير عودة اللاجئين والنازحين محلياً. وخير مثال على ذلك هو إخلاء حي الوعر أخيراً في حمص، وهو منطقة سيطرة المعارضة الأخيرة في المدينة. وطوال أربع سنوات، كان الحي محاصراً، إلى حين إبرام اتفاق في منتصف آذار (مارس) يقضي بترحيل حوالى ألفي مقاتل معاد للنظام. وروسيا ضمنت الاتفاق، وهي نشرت 60 إلى مئة جندي لمراقبة تنفيذه. ويرمي الاتفاق، وفق محافظ حمص، إلى اقتلاع المتمردين والسماح للنازحين بالعودة إلى منازلهم، إثر إخلاء المقاتلين. ولكن لم يتضح، إلى اليوم، مصير المدنيين الذين رُحلوا بموجب الاتفاق عن الوعر، وعددهم بين 15 ألف و20 ألف نسمة، وإذا كانت العودة متاحة أمامهم.

ومآلات الاتفاقات السالفة، ومنها ذلك المبرم في القسم الشرقي من مدينة حلب، تشير إلى أن وتيرة عودة اللاجئين والنازحين بطيئة في أحسن الأحوال، وغالباً ما يعرقلها ويحول دونها المسيطرون على الأرض

ويبدو أن معالم مقاربة جديدة لعودة اللاجئين ترتسم في لبنان المجاور. وفي مطلع هذا العام، ســعى «حزب الله» إلى إبرام اتفاق في منطقة القلمون، على الحدود مع لبنان. والاتفاق المؤلف من 24 نقطة يتناول عودة اللاجئين إلى المنطقة فيما خلا ست بلدات واقعة على طريق دمشق – حمص السريع والاستراتيجي - وهذه البلدات ستبقى تحت سيطرة «حزب الله». ويمنح الاتفاق حصانة للهاربين من الجيش والمقاتلين المتمردين شرط الانضمام إلى «سرايا أهل الشام»، المتحدرة من «الجيش السوري الحر». وسيُنزع السلاح الثقيل من «السرايا...» هذه، وتُسلم مقاليد النظام والأمن في هذه المناطق. ويترتب على البند الأخير من الاتفاق أن تتولى حكم السكان قوات صديقة، في وقت تؤدي «السرايا» دور قوة ارتباط بـ «حزب الله» وأجهزة النظام.

وإلى استئناف تقديم الخدمات وإرساء جسم حكومة محلية يتفق عليه الجانبان، يسمح الاتفاق كذلك بعودة اللاجئين للحصول على أوراق ثبوتية صالحة للاستعمال، فيما شطر كبير منها فُقد أو انتهت صلاحيته في أعوام النزوح أو التشرد. وتشير تقارير إلى أن إحصاء اللاجئين في وادي البقاع اللبناني، وشطر كبير منهم يعيش في البلدة الحدودية عرسال، جار على قدمٍ وساق. واختلفت أعداد اللاجئين المتوقعة عودتهم باختلاف مصدر الخبر، وتتراوح بين 20 ألفاً و120 ألفاً وتصل إلى 200 ألف. ولكن نتيجة الخطة هذه لم تظهر بعد. فثقة اللاجئين في «حزب الله» ونظام الأسد ضعيفة. لذا، لم يصادق ممثلوهم بَعد على المخطط هذا.

ويرى «حزب الله» أن الاتفاق يخفف، إذا التُزم ونُفذ، ضغط إعداد اللاجئين الكبير عن لبنان (خصوصاً عن المناطق الشيعية الملاصقة لسورية). والاتفاق هذا هو خيار جذاب للحكومة اللبنانية، التي تتوق إلى عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، خصوصاً حين يُقدم (الاتفاق) على أنه آلية ترسي مناطق آمنة للاجئين داخل سورية. ومعاداة أعضاء في الحكومة اللبنانية النظام السوري هي حجر عثرة، في وقت يتمسك «حزب الله» بتنفيذ عمليات العودة عبر القنوات السورية الرسمية. وأعلن بعض الوزراء أنهم لن يطبعوا العلاقات مع الحكومة السورية ولن يتفاوضوا معها.

ولا ريب في أن المزاج في لبنان يتغير إزاء اللاجئين. والإعداد جار على قدم وساق، إثر لقاءات بين مسؤولين لبنانين وسوريين أمنيين، لفتح نقاط حدودية مضى على إغلاقها 4 سنوات لدواعٍ أمنية. وفتح هذه النقاط الحدودية يشرّع الأبواب أمام التجارة بين البلدين، ويرفع القيود عن حركة الناس بين لبنان والمناطق التي استعادها النظام. ومثل هذه التطورات يعزز دور النظام السوري في مفاوضات عودة اللاجئين، ويزيد مشروعيته أمام الحكومات الأجنبية.

ويبدو أن مشاعر معاداة السوريين تتعاظم في لبنان، مع قرار بلدتين في عكار إغلاق مراكز اللاجئين وطردهم من أراضيهما. ومثل هذه الأعمال قد يعزز مآلات يستسيغها «حزب الله»، أي إنشاء مناطق آمنة داخل سورية تخفف الأعباء عن لبنان وتسند نظام الأسد.

وفي مثل هذا السياق، تسهل هذه المقاربة المجتزأة لمسألة العودة التلاعب بها نزولاً على ضرورات عسكرية وسياسية قصيرة الأمد. وتخفق عمليات المصالحة المحلية في سورية في تناول السياق الأوسع الذي تدور فيه عمليات ترحيل السكان. وهي لا تعالج التحديات على الأمد الأبعد لمرحلة ما بعد النزاع السياسي والاقتصادي وإعادة الإعمار - وهذه المرحلة يجب أن تشمل بعض أوجه العدالة الانتقالية لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب. ومثل المحاسبة هذه عسير ومتعذر إذا بقي المسؤولون عن جرائم النزاع في السلطة. ولا يقل عن المسألة هذه أهمية، الانعطافُ نحو إرساء الاستقرار، عوضاً عن بناء السلام وإرسائه. ويشكل هذا الانعطاف إجراء فورياً لفرض تغيير على أرض الواقع - في وقت تدور المفاوضات في جنيف، وغيرها - يمهد لتسوية نهائية في سورية.

ومثل هذا المنطق ينطبق على المقاربة التي يقترحها «حزب الله» في القلمون. فهذه المقاربة تمهد بالفعل لبسط «الحزب...» نفوذه السياسي في مناطق يعتد بها داخل سورية، في محاذاة الحدود اللبنانية ومناطق محيطة بدمشق، على حد سواء. وإذا رجحت كفة هذه المقاربة، قد تحمل الضغوط سكان يعانون من هشاشة في أوضاعهم الاجتماعية على الرحيل إلى مناطق غير آمنة. ومثل هذه الضغوط ينتهك بند «رفض العودة القسرية» في اتفاقية عام 1951 الخاصة بأوضاع اللاجئين وبروتوكول 1967. وفي الأثناء، تشير تقارير إلى أن الحكومة اللبنانية تنوي ترحيل اللاجئين السوريين كلهم إلى مناطق تتوافق مع انتماءاتهم السياسية.

وليست عمليات الاستسلام الجزئي والمصالحات الرمزية بديلاً من مقاربة شاملة إلى تسوية سياسية في سورية وإلى عودة اللاجئين. ومثل هذه الأعمال المحدودة يعرِّض، من غير شك، سكاناً غير آمنين، إلى أخطار جسيمة في حال، اندلاع القتال مجدداً في أماكن انتقلوا إليها. وأيضاً هذا يزرع بذور نزاعات مقبلة في سورية وغيرها.
 

* مديرة مركز كارنيغي في بيروت.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة