الجمعه ١٩ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آذار ٢٦, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
ضحايا الإرهاب وضحايا الحرب عليه في آن واحد - عمر قدور
لم تنل مجزرة قصف مدرسة في بلدة المنصورة في ريف الرقة الغربي، التي أشار ناشطون إلى أن عدد ضحاياها بين قتيل ومصاب فاق المئتين، اهتماماً يُذكر سوى من وسائل إعلام مؤيدة للثورة السورية، وتكذيب ينفي وجود دلائل على المجزرة من جانب البنتاغون الذي تُتهم طائراته بالإغارة على المدرسة. عدد الضحايا الكبير لا يرفع من شأنهم، فالمدرسة تؤوي حوالى 50 عائلة نازحة في الأصل، وهذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها طائرات التحالف مدنيين في منشآت مدنية، وفي أقصى حالات الاعتراف عزت «الخطأ» إلى إحداثيات خاطئة زودتها بها الميليشيات الكردية الحليفة. الأخيرة كانت منظمة «أمنيستي» قد اتهمتها بتعمد إعطاء إحداثيات خاطئة لقوات التحالف الدولي انتقاماً من السكان، من دون أن يؤثر الاتهام، كما يبدو، في أوساط البنتاغون.

بالتزامن مع أخبار المجزرة، كان وزير خارجية أميركا ريكس تيلرسون يصرح بأن تدفق المقاتلين الأجانب إلى صفوف داعش قد انخفض العام الماضي بنسبة 90 في المئة. يستطرد تيلرسون بالقول: «يواجه الإرهابيون صعوبة أكبر في الوصول إلى هناك، والأهم أنهم يجدون مزيداً من الصعاب في الخروج لتهديد بلادنا». الشطر الخاص بتدفق المقاتلين، بخاصة من الغرب إلى «داعش»، لم يأخذ خلال سنوات ما يستحقه من اهتمام، فالأهم (الذي يعلنه الوزير بلا خجل) عدم عودة هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية، واقتصار إرهابهم على سورية والعراق في انتظار القضاء عليهم، واعتبار المدنيين المحليين مجرد خسائر هامشية لا تُذكر ولا تُحترم. يدخل في الإطار نفسه اعتبار الوزير إعادة إعمار المناطق التي يدمرها قصف التحالف منّةً، بعد القول: نحن كتحالف ليست مهمتنا بناء الدول أو إعادة إعمارها.

كانت مؤسسات غربية قبل ثلاث سنوات قد قدّرت عدد مقاتلي «داعش» القادمين من الغرب فقط بأكثر من 5 آلاف مقاتل، وهو رقم لا يمكن الزعم أنه مرّ من دون معرفة المخابرات الغربية بنوايا أصحابه ومقاصدهم. بعض الرياء ظهر باتهام تركيا بعدم إعاقة عبور هؤلاء حدودها إلى سورية والعراق، وهو اتهام خجول إذا قورن بالاتهامات حول سماحها بتدفق اللاجئين، وهو خجول أيضاً لأن أياً من البلدان الغربية لم يطالب الحكومة التركية بتوقيف أحد من مواطنيها الداعشيين قبل الوصول إلى مبتغاه، وهناك على الأقل حالات مكشوفة جداً ولأصحابها سوابق تفترض وضعهم تحت المراقبة الشديدة، فضلاً عن الموضوعين أصلاً تحت المراقبة القضائية، والذين أفلتوا منها بسهولة!

لو قام إرهابيون باحتجاز رهائن في أية بقعة غربية، لن نرى بالتأكيد قوات مكافحة الإرهاب تطلق قذائفها بلا تمييز، وتقتل من المدنيين أكثر من محتجزيهم. ولو حدث أن فعلت ذلك، لرأينا فوراً الإعلام يطالب بتنحي المسؤولين عن المجزرة ومحاسبتهم، وبدأت الاستقالات من الجهة المتهمة لتبرئة النفس. المسألة ليست فقط في المقارنة مع الاعتبار الذي يحتفظ فيه الغرب لمواطنيه، ولا يحتفظ بقدر ملموس منه لحيوات شعوب أخرى، بل هي أيضاً في أن الغرب نفسه الذي يراعي تطبيق قوانينه بإنسانية على أراضيه، مستعد لقتل مواطنيه من إرهابيي داعش خارج الحدود بلا محاكمة، مع رهائن أولئك المواطنين.

عدم أخلاقية هذه الحرب على الإرهاب لا تأتي فحسب من اعتمادها السبيل الأمني وحده، من دون نظر في الأسباب العميقة له. اللاأخلاقية أيضاً تتكرس بطبيعة الحل الأمني الذي يستهتر بأرواح ضحايا الإرهاب من السكان المحليين، تتويجاً لسياق من تجاهل الدول المصدِّرة للإرهابيين. هذه نظرة لا تخفي عنصريتها، إذ ترى في السكــان المحليين وفي أماكن عيشهم مطرحاً للتخلص من تبعات قوانين الحرب والقانون الإنساني بعامة، تحت ذريعة تصوير أولئك السكان كبيئة حاضنة للإرهاب ومنتجة له.

مثال مدينة الرقة، عاصمة التنظيم، يفنّد تلك الذرائع مثلما يفنّدها مثال مدينة الموصل العراقية. الرقة مدينة ذات طابع يمزج البداوة بالمدنية، ولا تُعدّ من المدن المحافظة اجتماعياً، تديُّن أهلها لم يغلب عليه التطرف يوماً، مثلما لم تشهد حضوراً سابقاً مرئياً لأي من حركات الإسلام السياسي. احتلالها من قبل تنظيم داعش، وإعلانها عاصمة بسبب موقعها الجغرافي، وحتى رضوخ بعض العشائر لسلطة «داعش»، كحال رضوخها من قبل لسلطة الأسد، لا يحمل أية دلالة فكرية أو سياسية، هو خاضع فقط لغلبة قوة ما على السكان.

كان ممكناً لسياسة أميركية أكثر حصافة مساعدة السكان وتقويتهم من أجل مواجهة «داعش»، لكن إدارتي أوباما وترامب آثرتا إقصاء الأهالي لمصلحة مشاركة الحشد الشيعي في العراق، ونظيرته الميليشيات الكردية في سورية، على رغم ما قد تثيره مشاركة الحشدين من مشكلات وحساسيات بعيدة المدى بسبب الاختلاف الطائفي أو الإثني. هذا أيضاً مما يدلل على طبيعة الحرب على الإرهاب، الحرب التي تحتقر عامدةً حساسيات ومصالح مَن يتبقى من السكان، فوق الاستهانة الشديدة بحيوات الضحايا. الكارثة في انتقائية الحلفاء أنها مولِّدة لعنف محلي مستقبلي، الأمر الذي لا يعقل أن يغيب عن دوائر صنع القرار الأميركي، وأقل ما تُتهم به هذه السياسة هو تلغيم المستقبل القريب في المنطقة بعد إزالة «داعش».

إننا غالباً نرتكب خطأ في التحليل إذ نفترض أن النواقص واللاأخلاقية في الحرب على الإرهاب عائدة إما لجهل لدى صانع القرار الأميركي، أو لحل أمني يستهين بآثاره على المنطقة ويكون منتِجاً إضافياً لإرهاب جديد. ما ينتقص من التحــليل السابق هو كمّ المعلومات المتوافر للإدارات الأميركية، ودينامية القدرة على التحرك، ولا تُحصى المرات التي نُضطر فيها إلى الاستعانة ببحوث غربية لنعرف ما لا نعرفه عنا.

لنقلْ إنها استهانة قصوى حين يُغيّب ضحايا المنطقة عن مقدمة ضحايا الإرهاب، وعندما يكونون في آن ضحيته وضحية الحرب عليه. ولتكن حتى مؤامرة، لمن تستهويه نظريتها. انتظار العالم حتى يقدّر حياة الضحايا هنا أو يأخذ مصالحهم في الحسبان، أو التعويل على إقناعه بما يعرفه، أمران فيهما من التقاعس والسذاجة ما يكفي لدعم تلك الاستهانة. قبل ذلك، تجدر الإجابة عن سؤال ساذج يخصنا: إذا كانت النسبة الأعظم من ضحايا الإرهاب الحالي من أبناء المنطقة، لماذا الاستكانة إلى تسويقه بوصفه مشكلة العالم؟


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة