الخميس ١٨ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آذار ٢٠, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
الحلقات المفقودة في العمل لأجل التقدم - إبراهيم غرايبة
كيف فشلت المشروعات الإصلاحية العربية منذ مئتي عام؟ وكيف انتكست الإنجازات التي تحققت لبعضها؟ وفي المقابل كيف نجحت دول كانت تمر بظروف مشابهة للدول العربية؟ اليابان كانت في نهاية القرن التاسع عشر تبدو أقل أهمية من مصر، وكوريا الجنوبية كانت بعد الحرب العالمية الثانية في حالة شبيهة بمعظم الدول العربية أو أسوأ منها، وظلت حتى نهاية السبعينات تعاني من الديكتاتورية، وإسبانيا مرت بتجربة ديكتاتورية صعبة استمرت إلى منتصف السبعينات، وتشيلي التي عاشت حالة من الاستبداد والفشل خرجت منها ومضت منذ 1990 في تقدم اقتصادي وديموقراطي جعلها في مصاف الــدول المتـــــقدمة، وسنغافورة التي بدأت من العدم منتصف الستينات أنجزت مستوى متقدماً على مستوى العالم في المعيشة والدخل والتعليم، وفي المقابل فالحالة العربية تمعن في الفشل والتراجع، وترتد على مكتسباتها بالإفساد والتدمير.

يمكن الملاحظة في عجالة أن مبادرات الإصلاح العربية غلبت عليها العزلة الاجتماعية، فقد كانت نخبوية تقع على عاتق قيادات سياسية وفكرية ولم تتحول إلى قيم اجتماعية تؤمن بها الجماهير أو مصالح للمجتمعات والطبقات تتمسك بها وتدافع عنها، هكذا ضعفت قيم الحرية والعدالة والكرامة كمحرك وحافز للتجمع والمعارضة والتأييد، وفي المقابل صعدت بقوة وتأثير نافذ القيم الدينية والقرابية، وهي قيم لا تصلح للتجمع السياسي، بل إنها تلحق ضرراً بالغاً بالدولة والمجتمع المعاصر.

وغلب على المؤسسات الاقتصادية والتنموية والتعليمية الانحياز في اتجاهاتها، ولم تكن مستمدة من العدالة الاجتماعية والاقتصادية، فالمستفيدون منها ظلوا في الغالب أقلية من المواطنين، وتحولت الموارد لتمكن النخب المتنفذة وتضعف الغالبية من الناس وتقلل فرصهم في التقدم والقدرة على الاستفادة من المؤسسات والإنفاق العام، ولم تكن الجامعات والأسواق والتقنيات والسلع المتقدمة مصدراً للمشاركة الاقتصادية والسياسية كما حدث في التجارب والنماذج الناجحة.

وفي السياسات الاقتصادية والتنموية لم تشغل الحكومات والمبادرات بتطوير الناتج المحلي ليكون لصالح رفع مستوى الدخل لدى المواطنين، ففي اتجاهاته السلعية والتركيبية وفي وجهة الصادرات والواردات حول البلاد والمجتمعات إلى ساحات للاستهلاك من غير مشاركة عالمية متوازنة أو وجهة إنتاجية تحسن مستوى المعيشة، وظلت الأعمال والمهن والأســـواق تعاني من ضعف الكفاء وغياب الثقة، وفي ذلك فالأسواق والأعمال لم تنشئ متوالية من الـــمدن والمهن والحرف تضيف إلى الاقتصاد والإنتاج أو تقدم إلى نفسها وإلى العالم منتجات ومــشاركات جديدة.

ولم تنعكس التقنيات المستوردة بكفاءة وكفاية في تحسين الحياة والإنتاج، فعلى رغم الوفرة الهائلة في الأجهزة والتكنولوجيات المستوردة التي غمرت الأسواق وتوسع استخدامها، فإنها لم تتحول إلى موارد جديدة، ولم تقلل الإنفاق والتكاليف أو تحسن أداء المؤسسات والأعمال، وظلت طارئة ومكلفة.

وربما يكون أسوأ ما ألحقه التحديث بعمليات الإصلاح والتنمية إضعاف المجتمعات وغياب التنظيم الاجتماعي المفضي إلى مدن ومجتمعات مستقلة قادرة على المشاركة مع السلطات والأسواق في السياسات والتشريعات والاتجاهات الاقتصادية وتبادل التأثير معها، ففي الاستتباع المقصود الذي أنشأته الدولة الحديثة للمجتمعات، تعطلت القيم والدوافع المحركة للإبداع والمشاركة الاقتصادية، وفقدت المنظمات الاجتماعية القدرة على إلهام الأفراد وحشد الفاعلية الروحية والاجتماعية لديهم.

لقد تحولوا إلى زبائن ومستهلكين أو تابعين للسلطة يعتمدون عليها بدل أن يكونوا أصحاب الولاية على السلطة والشؤون العامة والخدمات الأساسية، ولم يعودوا يرون مجالاً للتأثير في السياسة والتشريعات سوى المطالبة أو السلبية، وهي حالة تفشل حتى البرامج والمبادرات حسنة النية. 

* كاتب أردني


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة