الأربعاء ٢٤ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آذار ١١, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
"داعش" يحتمي بصحراء سيناء - سليم نصار
منتصف الأسبوع الماضي، قضت محكمة النقض المصرية ببراءة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك من تهمة قتل المتظاهرين في أحداث 25 كانون الثاني (يناير) 2011. وكانت المحكمة أيضاً قد أعلنت براءة حبيب العادلي، وزير الداخلية في عهد مبارك، من دماء 850 شخصاً سقطوا خلال المصادمات الدموية بين قوات الأمن والمتظاهرين. واتهم محامي الدفاع فريد الديب أثناء المحاكمة عناصر من جماعة "الاخوان المسلمين" و"حماس" بالتسلل الى القاهرة عبر الأنفاق.

وادّعى بأن هؤلاء استخدموا أسلحة مهربة من اسرائيل بغرض القيام بعميات قنص ضد الجماهير المحتشدة في الساحات العامة. كما روى للمحكمة بأن عناصر تابعة للاخوان استخدمت مادة سوداء لطلي زجاج سيارات الشرطة بحيث حجبت عنهم الرؤية، الأمر الذي أدى الى دهس بعض المتمردين عن غير قصد.

وتدّعي وثائق "ويكيليكس" أن وزير الداخلية حبيب العادلي أطلق سراح 23 ألف سجين وأرسلهم لضرب المتظاهرين ومقاومتهم في الشوارع.

وبحسب وثيقة أخرى، فإن المفرج عنهم قاموا بمصادرة بيوت سكنية وبترويع المتظاهرين كنوع من الانتقام لسنوات السجن والتعذيب. في أثناء تلك الفترة، أخذت موجة الانتقادات ضد مبارك، وزوجته سوزان ونجليه علاء وجمال، تتسع وتنتشر.

وقد اتخذ المجلس العسكري الأعلى سلسلة إجراءات أمنية بهدف ضبط الوضع الداخلي ومنع المتظاهرين من الاعتداء على الرئيس وأفراد عائلته. علماً أن المجلس إتخذ قراراً بمنعه من مغادرة البلاد، ومن استخدام طائرته "الايرباص" الجاثمة في مهبط قرب القاهرة.

خلال تلك الفترة العصيبة، أبلغ النائب العام الانتربول عن هرب صاحب الملايين حسين سالم، مستخدماً طائرته الخاصة للسفر الى دبي وجنيف ولندن واسبانيا. ويبدو أن الدولة المصرية سمحت له بالعودة الى القاهرة، بعدما أعاد للخزينة رقماً خيالياً يُقدَّر بنصف ما جمعه من الشركات الوهمية التي أسسها.

ويتذكر المصريون أن حدة المظاهرات هدأت نسبياً عقب تنحي حسني مبارك في 11 شباط (فبراير) 2011.

وقالت صحف اميركية في حينه إن الرئيس مبارك خضع لضغوط الولايات المتحدة واسرائيل، لأنهما شجعتا التظاهر بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي والإضرار بمكانة مصر العربية والدولية، وإرغام الرئاسة على إقامة علاقات تطبيع كاملة وتعاون تام مع اسرائيل. وحقيقة الأمر أن الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما اتصل هاتفياً بالرئيس حسني مبارك، ليطلب منه الاستجابة لرغبات الشعب المتذمر، والإسراع في تقديم استقالته. ولما حاول مبارك الاعتراض على تدخل اوباما بشأن موضوع يخص الحكومة المصرية، حذره من مغبة تجاهل "الاخوان المسلمين" الذين ملأت عناصرهم شوارع القاهرة والاسكندرية.

وهكذا انتهت المكالمة بغضب الاثنين معاً... ثم تبيّن بعد تنحي مبارك أن اوباما كان داعماً ومؤيداً لانتخاب محمد مرسي، وكل مَنْ اختاره لمعاونته من جماعة "الاخوان المسلمين". والسبب - كما أورده المحللون - أنه كان يريد لمصر حكماً شبيهاً بحكم "حزب العدالة والتنمية" في تركيا، أي حكماً يطبق نهج الإسلام المعتدل.

وفي تصوره أن النمو الذي تحقق في عهد رجب طيب اردوغان، يمكن أن يتحقق في مصر شرط منح مرسي الفرصة لبناء مؤسسات اقتصادية وسياسية نظيرة للمؤسسات التي بناها اردوغان في المرحلة الأولى من عهده.

ويميل جيفري غولدبرغ، المراسل الذي رافق اوباما في رحلاته الخارجية، الى الإعتقاد بأن الرئيس كان مقتنعاً بالإتفاق الذي وقعه مع طهران، على الرغم من إدراكه العميق للنزعة الدينية التي يعتنقها الملالي. أي النزعة التي اختارها الشعب عندما إستبدل حكم الشاه بحكم خصومه الخمينيين.

ولقد اعترف مستشار الأمن القومي في عهد جيمي كارتر، زبيغنيو بريجنسكي، بأن الادارة الاميركية أيّدت تيار الملالي لأسباب تتعلق بموقفها من الاتحاد السوفياتي.

علماً أن الطلاب في طهران احتلوا السفارة الاميركية واحتجزوا موظفيها (1979). ولكن هذا كله لم يمنعه من التخلي عن مساندة الشاه، مقابل التكيف مع ثورة الخميني التي استغلها لزعزعة النظام السوفياتي من الداخل. وكتب بهذا الشأن يقول إنه كان يهدف الى خلق رباط ديني بين ثمانين مليون مسلم داخل الاتحاد السوفياتي مع الثورة الخمينية المجاورة بحيث تؤثر تداعياتها على أمن الكرملين.

وفي كتاب أصدره الزميل أحمد أصفهاني فصلٌ يشير الى كيفية إنتصار الإسلام السياسي السنّي ضد السوفيات بواسطة المجاهدين في أفغانستان، وكيفية انتصار الإسلام السياسي الشيعي في ايران ضد الشاه. ومعنى هذا أن سلاح العنف في الموقعَيْن وظف الدور الديني لصالح الدور السياسي. ويُستدَل من مراجعة طبيعة الحقب التاريخية في الشرق الأوسط أن سياسة واشنطن كانت تخضع لظروف المرحلة، والمثال على ذلك أنها دشنت مرحلة الانقلابات العسكرية في المنطقة، بدءاً من إنقلاب حسني الزعيم في سوريا... وانتهاء بانقلاب معمّر القذافي في ليبيا.
وفي كتاب "لعبة الأمم" شرح مستفيض عن دور مؤلفه مايلز كوبلاند في عمليات اللعب! وهكذا إنتقل دور الادارات الاميركية من تأييد الأنظمة العسكرية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية... الى تشجيع الأنظمة الدينية بعد انهيار منظومة الاتحاد السوفياتي، والبحث عن بديل في الإسلام السياسي.

السؤال المطروح في مصر حالياً يتعلق بأهمية توقيت صدور حكم براءة حسني مبارك، ومدى تأثير أنصاره على الساحة السياسية.

عن هذا السؤال يجيب أحد الوزراء بالقول: "كان من المستهجَن إطلاق سراح مبارك في وقت كان القضاء مشغولاً بمحاكمة "الاخوان المسلمين" وملاحقة أنصارهم في كل مكان. ولما انتهت عمليات الاعتقال والمحاكمات التي حصدت 1400 قتيل، وسجنت 40 ألف محازب، مع إغلاق عشرات المساجد التي لا تخضع للرقابة. عندها فقط قررت الدولة إقفال ملف حسني مبارك، بعدما صدر الحكم بسجن الرئيس المعزول محمد مرسي مدة عشرين سنة. وقد أدانته محكمة النقض في أحداث العنف والقتل التي وقعت أمام "قصر الاتحادية الرئاسي" في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2012." وختم الوزير جوابه بالتحدث عن أنصار مبارك، وطريقة إنضمامهم الى صفوف رجال العهد بغرض الحفاظ على مصالحهم والاحتفاظ بمكاسبهم. وفي تقديره أن "الحزب الوطني"، الذي استظله المنتفعون من عهد مبارك، قد أصابه الوهن وأقفلت أبواب مكاتبه في العاصمة والمحافظات.

حمدين صباحي، رئيس "حزب الكرامة"، يطرح نفسه قائداً للناصريين الذين رفعوا شعار تحرير فلسطين وإحياء النظام الاشتراكي. وهو يعتبر نفسه ممثلاً لتيار المعارضة في مصر.

أما بالنسبة للرئيس عبدالفتاح السيسي، فقد رفض إنشاء حزب سياسي، معتبراً نفسه جندياً في خدمة الوطن... وأن مهمته لم تنته بعد! الأسبوع الماضي، زارت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل القاهرة حيث أجرت محادثات سياسية مع الرئيس السيسي قبل اجتماعها ببطريرك الأقباط تواضروس الثاني وشيخ الأزهر أحمد الطيب. وأخبرها شيخ الأزهر أنه حريص على تطمين كل مؤمن، لا فرق أكان مسيحياً أو مسلماً، بأن مصر تحافظ على ممارسة مبدأ العيش المشترك داخل المجتمع الواحد. وقال لها أيضاً: إن الأزهر الشريف يرفض كل محاولة من شأنها التفرقة بين الديانات، أو إظهار المسيحيين وكأنهم مستهدَفون في أوطانهم.

جاء هذا الحديث لتطمين المستشارة عقب استيضاحها عن نزوح أكثر من 150 أسرة مسيحية من مدينة "العريش" بسبب اعتداءات مسلحين تابعين لتنظيم "داعش".

وفي حديثه عن متاعب مصر الأمنية، شدد الرئيس السيسي أمام المستشارة الألمانية على ذكر الإرهابيين الذين تسللوا الى سيناء من مختلف دول المنطقة، أثناء فترة حكم محمد مرسي. وأخبرها أيضاً أن الجيش النظامي ركز جهوده على ضبط الحدود مع غزة ومع ليبيا، ولكنه وجد صعوبة بالغة في ضبط كل الحدود. والسبب أن مساحة شبه جزيرة سيناء تبلغ أكثر من 61 ألف كيلومتر مربع. أي ما يعادل ستة في المئة من مساحة مصر، وأكبرمن مساحة لبنان بست مرات تقريباً.

لكن هذا كله لم يمنع السيسي من تخصيص جهود إضافية من أجل منع التنظيمات الإرهابية من فرض نفوذها المسلح. وكان واضحاً من قرار تدمير الأنفاق الواسعة، أن الجيش حريص على إبعاد تنظيم "داعش"، وحلفائه من أمثال زعيم "أنصار بيت المقدس" الذي أعلن سنة 2014 مبايعة أمير تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي.

قبل فترة قصيرة بلغ عدد سكان مصر مئة مليون نسمة. ومعنى هذا أنها أصبحت أكثر اكتظاظاً بالسكان من تركيا (80 مليوناً) ومن ايران (82 مليوناً). وكان من الطبيعي أن يقلق هذا الرقم المتنامي باستمرار المسؤولين في القاهرة، خصوصاً أن عدد الشبان يتعدى الستين في المئة بينهم 65 في المئة عاطلون عن العمل.

وفي كل صباح يتسلم الرئيس عبدالفتاح السيسي التقارير الأمنية والاقتصادية... السياسية والعسكرية... الداخلية والخارجية.

وقبل أن يغادر الى المنزل عند منتصف الليل، يجد العزاء في العبارة المعلقة فوق مكتبه برئاسة الجمهورية، والتي تقول: إن ينصركم الله فلا غالب لكم.

صحافي لبناني


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة